قمة خرطوم لا ماء فيه

بقلم/الياس بجاني

 

منذ تأسيس الجامعة العربية وكل قممها التاريخية الشهيرة من غير شر ومن دون حسد كانت عقيمة بامتياز، وضحك على الدقون وتبويس لحى. قمم تشبه كثبان الرمل لم تنتج من يباسها أي أخضر أو عقد نافع ولو مرة واحدة، بل على العكس كانت باستمرار أداة شيطانية تنسج موآمرات الفتن والحروب والصراعات. ولا يلوح اليوم في الأفق ما يشير إلى أن قمة "الخرطوم الجاف المُشقَّق" المقرر انعقادها يومي الثلاثاء والأربعاء المقبِلَين في العاصمة السودانية، ستكون مختلفة عن سابقاتها في أي وجه من وجوهها.

 

ترى هل براقع وأقنعة وكمَّامات القادة ستحجب عن أنوفهم والضمائر روائح الموت والغدر والإجرام المنبعثة من دارفور والعراق وغيرهما من أوطان العروش والكروش والقهر والأصولية؟ إنه ولكثرة جديتهم والأهمية أعلن حتى الآن ستة قادة من الصف الأول عن عدم مشاركتهم، وإرسال من ينوب عنهم.

 

في حين أن معظم الذين سيحضرون قد يمكثون ليوم واحد فقط، ثم يغادرن مباشرة بعد انتهاء مراسيم الافتتاح الإستعراضية و"الهبر من "مناسف الزفر" ومسح اللحى وتسليك الأنوف!!.

قمة خرطوم مهتريء لا ماء فيه ولا حياة، عاجز عن إطفاء الغليل وإخماد النيران المتأججة في أكثر من بلد شرق أوسطي. إنها قمة بروتوكولية فاقعة برتابتها والشكليات، غايتها رفع العتب وممارسة الدجل المنظم ليس إلا.

 

وكأخواتها والقرينات السيئات الذكر ستكون قمة روعة بالمجاملات البرَّاقة الكاذبة, والعبط والتبويس المقزز, والابتسامات الصفراوية المصطنعة. هذا من دون أن ننسى بالطبع الولائم العامرة ومناسف ضان الخراف والماعز والجمال، في حين أنه في البلد المُضيف نفسه وفي جوار مقر انعقاد المؤتمر مواطنون سودانيون تعساء يموتون من الجوع والفقر المدقع. 

 

قمة "غربان" ستنتهي ببيان إنشائي عكاظي ببغائي لا يسمن ولا يغني عن فقر، والأنكى أنه لن يلزم أي من موقعيه أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسيادة بوعود أو عهود!!

وحتى إذا ما انفخت الدف وتفرق العشاق يفرغ الخرطوم كباقي الخراطيم والأوتاد, ويعود كل شيخ وملك ودكتاتور وطاغية إلى مملكته. وعندها يحلق البيان طائراً ومعه تطير الاتفاقات, لتهبط سالمة متعافية في الأدراج وعلى الرفوف فتصبح لاحقاً مجرد أوراق في أرشيف أو محفوظات. اليوم وبعد أربعين عاماً على خرطوم اللاءات الثلاثة "الفضيحة" يعود ربع العربان "الغربان" إلى الخرطوم عينها "رجل لقدام ورجل لـ ورا"، فيما العث والعفن ينخران كراسيهم والعروش.

 

ماذا سيقدم المؤتمرون الفطاحل لوطن الأرز، وكيف سيساهمون بإعادة الاستقرار والسلم إلى ربوعه؟ بالتأكيد، وكما عودونا على مكارمهم دائماً، لن ينعموا علينا بغير ما نجروه لنا من "أوتاد"، تماما كتلك التي تكرموا علينا بها من خلال اتفاقية القاهرة، وتوريد المنظمات الفلسطينية، وقوات الردع العربية واتفاقية الطائف وتطول القائمة الى ما لا نهايات. ليتهم ينسون لبنان ويكفوا عنه مساعداتهم الملغمة له، فنستريح من بلاويهم والأفخاخ،

 

ويوفروا علينا هدياهم المدمرة والمؤامرات. تجارب اللبنانيين مع القمم العربية هي غدر وخيبات وتخلي ومسخرة، وليس في صفحات كتبها غير الحزن والغباء والمعاناة والبكاء على الأطلال. إنه من المؤسف جداً أن تكون المعطيات المتوفرة كلها حتى الآن لا تبشر بالخير. بل تنبئ بأن "التنجير" ماشي والأوتاد جاهزة وهي لن توفر الأشراف من قادتنا الصالحين لتبَوُّء موقع الرئاسة الأولى في لبنان أمير الشرق باستحقاق.أما الأخطر فهو ما رشح عن عزم القادة العربان إيصال رئيس جمهورية لبناني جديد "مخصي" إلى قصر بعبدا يكون على شاكلتهم ومن طينتهم ومغرم بمذاق ودسم زفر وضان "المناسف" مثلهم.

 

إبعدهم عنا يا رب  بعيد    البعد عنهم غنيمة وعيد

لا لحاهم ولا دقونم بدنا   ولا مالهم وغدرهم منريد

 

نجِّ يا رب لبنان الحبيب من شر قمة الخرطوم وأبعد عنه رياء المؤتمِرين المُتآمرين هناك.

 

26 شباط 2006

عنوان الكاتب البريدي

phoenicia@hotmail.com