الأفندي بشرنا برفض إيران وسوريا وحزب الله لحوار اللبنانيين

الياس بجاني*

 

متوهم، وحالم، ومنسلخ عن الواقع، ومتعامي عن المهمة العسكرية الإيرانية التوسعية الموكلة لحزب الله وسلاحه، كل من يظن ولو للحظة واحدة أن إيران وسوريا سيساعدان في إنجاح أي لقاء لبناني للحوار هدفه قيام الدولة اللبنانية واستعادة سلطتها على كامل أراضيها.

 

كيف يعقل أن يتخلى حكام دمشق وملالية إيران عن لبنان الساحة والورقة والأداة "وبعبع الإرهاب والتخويف"، وكيف يمكن لمن أقام له دويلة داخل لبنان تأتمر بإمرته أن يتخلى عنها كرمى لعيون اللبنانيين السياديين؟

 

لا، لا، الحوار الذي ستبدأ أولى جلساته يوم 16 من الجاري في القصر الجمهوري برئاسة الرئيس العماد ميشال سليمان لن يحقق أي من الأهداف المرسومة له، وهو سيكون مضيعة للوقت، ومنبراً اعلامياً سيستعمله حزب الله للمزيد من التهديد والوعيد والتخوين والاستكبار.

 

فقد حدد حزب الله ليس فقط سقف هذا الحوار قبل بدئه، بل أذاع مقرراته. وهو قال على لسان كباره مسؤوليه ما مفاده، لا لغير الاعتراف بسلاحنا وإخضاع الدولة واللبنانيين له والقبول بمشروعنا طوعاً أو بالقوة. وقد استفاض مؤخراً هؤلاء المسؤولين مباشرة وعبر "المأجورين" عندهم في الإدلاء بالتصاريح التهويلية.

 

يريدون فرض مفاهيم "دولة ولاية الفقيه" على الدولة واللبنانيين لجهة من هو العدو ومن هو الصديق، من هو الوطني ومن هو الخائن، من هو المقاوم ومن هو العميل، وقد ربطوا استمرار مسألة وجود سلاحهم باستمرار التهديدات الإسرائيلية، وقالوا أنه سلاح ليس فقط للمقاومة بل للردع.

 

يعني، وبصريح العبارة هو سلاح باق طالما بقيت إسرائيل.

 

وبرأيهم من يريد أن يحاور حول هذا السلاح عليه أولاً أن يحسم أن إسرائيل عدوة، وثانياً يقبل صاغراً بضرورة أن يتحول الحوار إلى بحث في الصيغ الناجعة لمواجهة إسرائيل.

 

أما حماسة حزب الله لانعقاد طاولة الحوار فيرى المعلق السياسي حازم الأمين: "أنها ناجمة عن رغبته في تثبيت غايته منه بمقررات تصدر "عن إجماع لبناني" مثبت هذه المرة بمحاضر يوقع عليها الصف الأول من الزعماء اللبنانيين".

 

منذ أسبوعين تقريباً، والصنوج والأبواق المأجورة من قداحين ومداحين "وهابيين وقناديل" ومن لف لفهم من كافة خوارج الطوائف يُسوّقون بوقاحة لمخطط حزب الله القاضي بتلغيم وتفجير طاولة الحوار من خلال شروط تعجيزية ومطالب تمويهية، وأحدهم ذهب إلى حد القول:" بيظهر جماعة 14 آذار ما تعلموا من الدرس الأول، صار بدن درس ثاني"، وهو بالطبع يشير هنا إلى غزوة بيروت.

 

مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله السيد نواف الموسوي كان في منتهى الوضوح والصراحة. وهو حذر من مغبة المطالبة بنزع سلاح الحزب.

في أسفل أجزاء منقولة حرفياً من تقرير حول كلام للموسوي نشرته الوكالة الوطنية للإنباء بتاريخ 11/9/2009: 

("من يذهب إلى الحوار لمناقشة الإستراتيجية الدفاعية عليه أن يكون قد حسم أولا من هو عدو لبنان، لأن من يعتبر إسرائيل جارا أو دولة يمكن أن يطبع معها في المستقبل، أو صديقة، هو من يأخذ لبنان لان يكون نعجة في المسلخ الإسرائيلي".

 "الإستراتيجية الدفاعية ليست نقاشا أو إجراء عسكريا بل هي لبلورة رؤية وطنية ذات طابع وطني شامل يحدد من هو العدو ومن هو الصديق".

"ينبغي أن نكون قد اتفقنا على أن عدو لبنان الأوحد هو العدو الإسرائيلي الذي ليس هو لا جارا ولا صديقا".

"نحن ذاهبون إلى الحوار من موقع من يملك التجربة الأمثل في مواجهة دعاة التجارب الفاشلة والمهزومة".

"من يذهب بذهنية أو بنية تحقيق هدف اسمه نزع سلاح المقاومة ولو بطريقة متمايلة تحت عنوان إدماجها أو إدراجها وكل هذه العبارات، من أن مسعاه سيكون خائبا"، داعيا إياه إلى "ألا يتعب نفسه، لان ما لم تنجح به الأساليب العسكرية المجنونة والوحشية في حرب تموز 2006 ، لن تنجح به أساليب التحايل السياسي أو التحريض أو ما إلى ذلك". ودعا تلك القوى "التي راهنت على الخيار الأميركي وسلكت طريق محاولة نزع سلاح المقاومة أن تدرك خطأ هذا الرهان وآثاره الوخيمة عليها قبل أي احد آخر، وان تسلك بالفعل سبيل الحوار مع شركائها في هذا الوطن ما يؤدي إلى المصالحة وترسيخ المشاركة وحصر الاختلاف السياسي الذي لا بد منه حول القضايا الوطنية من منطلقات وطنية".

"البعض يتصرف وكأن المقاومة أنشأت وضعا شاذا ينبغي احتواؤه ومعالجته أو إصلاحه عن طريق الحوار"،  "هذا ليس صحيحا لأنه ينبغي أن يقدم للمقاومة فروض الاحترام والإجلال لما قدمته من تضحيات في سبيل الدفاع عن الوطن، أما الذي يستحق التجريح والمسائلة والاتهام، فهو الذي سيكون على طاولة الحوار موضع محاكمة مع القوى السياسية التي سيطرت على الحكم منذ العام 1943 وحتى يومنا هذا".

 

أما خلاصة وزبدة الموقفين السوري والإيراني من الحوار فقد جاءت بهما "جهينة"، وهي أتت بالخبر اليقين.

 

الرئيس عمر كرامي، العضو في تجمع 8 آذار زار إيران وسوريا منذ أيام قليلة والتقى كبار قادتهما، بمن فيهم الرئيس الأسد. البعض كان تعجب وتساءل عن سر الاهتمام السوري - الإيراني المفاجئ "بالأفندي" .  إلا أنه ومتى عُرف السبب بطل العجب. الأفندي أمس "سمع الدرس الاستظهاري" وأذاع الرسالة السورية الإيرانية المتعلقة بموقفهما من الحوار.

 

(هذا ما جاء في تقرير نشرته جريدة النهار اليوم 14 من أيلول الجاري تحت عنوان: "كرامي يقول: سليمان استعجل في دعوته ومآل الحوار التأجيل إلى ما بعد الانتخابات": "الحوار هو المطلوب لكن هناك فريقاً من اللبنانيين يقول إننا لا نقبل أن يكون في جدول أعمال هذا الحوار إلا نقطة واحدة هي الإستراتيجية الدفاعية، وماذا تعني الإستراتيجية الدفاعية؟ تعني أن تلتحم المقاومة أو تتحد مع الجيش في كنف الدولة، وهذا مطلب حق وشرعي. ولكن السؤال: لأي دولة تسلم المقاومة سلاحها؟ عندنا دويلات ولا أريد أن أسمي. أين مؤسسات الدولة كلها؟ كلها في شبه انحلال ويا للأسف الشديد، نحن نريد أن يكون السلاح في يد الدولة وحدها وأن يكون قرار السلم والحرب في يد الدولة فقط. ولكن هل أعددنا الجيش ليكون قادراً على الدفاع عن لبنان بعديده وعتاده؟ سمعنا كثيراً وقرأنا كثيراً واستمعنا إلى وفود أميركية وأوروبية أتت إلى لبنان ووعدت بتسليح الجيش. ولكن كنا نعرف في الصميم أنهم يريدون من هذا الجيش أن يغيّر عقيدته الوطنية حتى يسلحوه، ويريدون من هذا الجيش أن يكون حامياً لإسرائيل لا حامياً للبنان ولا لعروبة لبنان. أعتقد شخصياً أن فخامة الرئيس استعجل في الدعوة إلى هذا الحوار، لأنه ما دامت هذه هي المعطيات فمآل هذه الجلسات التي ستعقد إلى التأجيل إلى ما بعد الانتخابات النيابية التي نعوّل عليها الآمال الكبيرة".)

 

يبقى أن الحوار المقرر أن تبدأ أولى جلساته يوم 16 من الجاري  في القصر الرئاسي، سيكون حوار طرشان، وحواراً "بابلياً" في الأداء والنتائج، وهو لن يؤدي إلى أية نتيجة كما بشرتنا "جهينة الأفندي"، مؤكدةً أنه سيؤجل إلى ما بعد الانتخابات النيابية.

 

لماذا إلى ما بعد الإنتخابات؟ لأن إيران وسوريا وحزب الله وجنرال الرابية يعتقدون جازمين أنهم سيفوزون بالأكثرية النيابية في الإنتخابات القادمة، ولو بالقوة، وبرأيهم، أنه يومها تنتفي الحاجة لهكذا حوار.

 

*الأمين العام للمنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

كندا/تورنتو في 14 أيلول 2008

 

عنوان الكاتب الألكتروني  phoenicia@hotmail.com