حزب الله وواجب الكشف والمكاشفة

الياس بجاني*

 

ما حدث أمس الأربعاء في بيروت لم يكن مفاجئاً للمتتبعين عن قرب، ومن سنة 1982 بموضوعية وعلم لمشروع حزب الله الإرهابي والإلغائي والشمولي والتوسعي.

 

مشروع هذا الحزب الإلهي بكل أبعاده وخلفياته لم يكن في يوم من الأيام سراً أو خافياً على أحد، في حين أن القاصي والداني يدرك هدفه الأساس وهو إقامة دولة لولاية الفقيه في وطن الأرز وجعلها كوكباً خمينياً جهادياً يدور في فلك دولة الملالي الإيرانية الأم، وساحة لتصدير ثورتهم إلى دول المنطقة.

 

ما قام به أمس حزب ولاية الفقيه من ممارسات عسكرية وانقلابية واعتداءات وإرهاب كان معداً له سلفاً بعد أن وصل مشروعه الإيراني إلى نقطة اللاعودة، فإما أن يخضع للدولة اللبنانية ويتخلى عن دويلته وسلاحه ونفوذه، أو ينفلش ويهيمن بالقوة على الدولة المركزية ويجعلها دولته.

 

في هذا السياق جاء الانتشار الكثيف والمنظم لمسلحيه وقطعهم الطرقات، ومحاصرتهم مطار بيروت وتعطيلهم عمله، ومن ثم شنهم الغزوات الهمجية والبربرية على العديد من أحياء بيروت، وعرضهم المقزز لعضلاتهم العسكرية، وكل ذلك بالتزامن مع ارتفاع نبرة ووقاحة واستعلاء قادتهم من شيوخ ومدنيين ونواب ووزراء موزعين التهم بالخيانة ورزم التهديدات شمالاً ويمينا.

 

قالوا إن أبواب جهنم ستفُتح على حكومة لبنان الشرعية إن لم تتراجع عن نقل "زلمتهم" رئيس جهاز أمن مطار بيروت، وإن هي اقتربت من شبكة الاتصالات الهاتفية التي زرعوها في كل أرجاء لبنان وربطوها بالشبكة السورية. وقبلاً كانوا ربطوا مصير سلاحهم ببقاء الإنجيل والقرآن، وقالوا بأنهم سيقطعون أيدي، وينحرون رقاب، ويفقرون بطون، كل من يقترب منه، ووصموه بالقداسة.

 

هذا الحزب الدموي الغريب عن النسيج اللبناني بفكره وممارساته وثقافته، لم يكن مقاومة لبنانية ولا عربية، ولا حتى إسلامية، في أي يوم من الأيام، بل جيشاً فارسياً ارهابياً وأصولياً تابعاً مباشرة من ألفه ليائه، وعلى كافة المستويات والصعد للحرس الثوري الإيراني. جيش ميليشياوي أصولي مهمته تنفيذ أوامر الملالي الخمينيين بالخطف، والقتل، والاغتيالات، والتجارة بالممنوعات، ونشر عقيدة ومفهوم ولاية الفقيه. بدايته كانت سنة 1982 بسلسلة من أعمال الإرهاب والخطف والإجرام الموصوفة في كل من لبنان والكويت، كما في السعودية والأرجنتين، وأماكن أخرى كثيرة لاحقاً.

 

في ظل الاحتلال السوري البغيض للبنان أقام دويلته وتمدد سرطانياً داخل المجتمعات الشيعية في بيروت والجنوب والبقاع جاعلاً من مناطق سكنهم كونتونات مستقلة لا وجود فيها للدولة اللبنانية ولا لمؤسساتها، وكان الاحتلال "الأخوي" استثناه من بند حل الميليشيات الذي جاء في اتفاقية الطائف وفرضه بالقوة على اللبنانيين تحت مقولة المقاومة الكلامية والدفترية الكاذبة. من هنا لم يكن هناك في يوم من الأيام اجماعاً على "مقاومة" حزب الله المزعومة هذه، ولا من يحزنون، بل جمعاً وتجميعاً سورياً بالوعيد والتهديد والإرهاب والقوة.

 

اليوم ورغماً عنا، لقد وصلنا إلى حالة المواجهة المصيرية مع حزب الله الإيراني، وهي مواجهة لا مفر منها شئنا أم أبينا. إنها واقعة، واقعة لا محالة، إن لم يكن اليوم فغداً أو بعد غد.

 

من هنا، المهم جداً، ومن أجل حرية وهوية وكرامة وسيادة واستقلال وتاريخ وحضارة وتعايش وسلام لبنان واللبنانيين أن يحزم حكام وطن الأرز وسياسيوه ورجال الدين فيه أمرهم، وأن لا يتراجعوا ولو قيد أنملة عن قرار الحسم النهائي مهما كانت التضحيات، ومهما استلزم الأمر من إجراءات وقرارات شجاعة وغير اعتيادية، قد يكون في مقدمها طلب المساعدة العسكرية الدولية والإقليمية.

 

من أولويات المواجهة هذه الطلب من مجلس الأمن وفوراً، نشر قوات "اليونيفيل الدولية" على الحدود السورية اللبنانية، ومساعدة الجيش اللبناني في لسيطرة على معسكرات سورية الثلاثة في لبنان، الناعمة وقوسايا وحلوة واغلاقها، ومن ثم أن تتولى هذه القوات مباشرة أمن المطارات والموانئ والمرافق اللبنانية.

 

هذا وإن لزم الأمر ميدانيا وعسكرياً، لا يجب أن تتأخر الحكومة اللبنانية، ولا أن تتردد، تحت أي ظرف بطلب المساعدة العسكرية من الحلف الأطلسي، حيث أن وضع لبنان الحالي لا يختلف كثيراً عن الوضع السابق في أفغانستان والعراق وغيرهما من الدول التي كان للحلف فيها إنجازات عسكرية تحريرية ناجحة.

 

ما هو ايجابي ومبشر وسط كل هذه الفواجع أن معظم قادة ومفكري وسياسيي ومواطني لبنان قد شربوا حليب السباع مؤخراً وخرجوا من جحور الذمية والخوف والتقية وراحوا يسمون حزب الله بما هو عليه حقيقة: مافيا، عصابة، حزب الشيطان، حزب مقاومة لبنان واللبنانيين، حزب تحرير لبنان من أهله، عدو السلام، جيش إيران في لبنان، الحزب الشمولي والإرهابي والخ.

 

يبقى أن تعلن الحكومة اللبنانية وقبل فوات الأوان أن حزب الله هو جماعة مسلحة خارجة على القانون وإرهابية تابعة مباشرة لإيران وسوريا وتنفذ أوامرهما.

وبما أن حزب الله كباقي الجماعات الإرهابية والأصولية والشمولية لا يفهم إلا لغة القوة وأسلوب الحسم، نتمنى من القلب رحمة بلبنان الرسالة والكيان والإنسان، أن تكون الحكومة اللبنانية وعقب كل عثراتها والأخطاء والخطايا قد أصبحت الآن مقتنعة بضرورة التحادث مع هذا الحزب باللغة الوحيدة التي يفهمها، وإلا فالأفضل لها أن تعترف بعجزها وتعلن لبنان دولة منكوبة أمنياً وغير قادرة على حكم نفسها.

 

 لقد بات واجباً وطنياً ملحاًً من وعلى حكام وسياسي لبنان أن يقوموا بعملية كشف علني لكل ممارسات وكفر وتعديات وخروقات وانتهاكات حزب ولاية الفقيه، كما أمسى لزاماً عليهم أيضاً مكاشفة اللبنانيين دون لف أو دوران بكل هذه الحقائق مهما كانت فاضحة وموجهة.

 

يجب أن لا ننسي أن العلاج الشافي في بعض الأحيان لا يكون إلا بالكي الموجع، كما أن الأورام السرطانية علاجها هو الاستئصال، وأيضاً الحروب هي غالباً ما تكون وسيلة مكلفة ودموية لاستعادة السلام والحريات حين تتمادى قوى الشر بغيها والكفر.

 

ونختم بقول الإمام علي: "الساعي بالخير كفاعله، أما الساعي بالشر ومحاربةِ الخير فهو عدوّ الله والبشر."

 

*الأمين العام للمنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

 

تورنتو/كندا/ 8 أيار 2008

عنوان الكتب الالكتروني phoenicia@hotmail.com