إلى متى استهداف الأقباط في مصر؟

بقلم/الياس بجاني*

 

جمهورية مصر الـ 70 مليون نسمة وما يزيد هي أكبر دولة عربية، كما أنها مخزن غني للحضارات والتاريخ وقد سميت "بأم الدنيا" وب "أرض الكنانة"، فهل يليق بحكمها وحكامها وبمثقفيها وبمجتمعها المدني وبمؤسساتها التعليمية والدينية وبموقعها الإقليمي والدولي أن توصم بالعنصرية والتطرف والأصولية والبربرية والهمجية؟

 

الواقع المحزن والمخزي في آن يقول دون أي التباس إنها في مقدمة دول العالم "العنصرية" التي تضطهد المسيحيين الأقباط بكافة مذاهبهم وهم من سكانها الأصليين الأقحاح، في حين تشرعن مباشرة ومواربة قتلهم وإذلالهم وتعذيبهم ودفعهم للهجرة، وشن الغزوات ضدهم، والتعدي على اعراضهم وممتلكاتهم وقراهم وبلداتهم وأحيائهم، وتقيد وتقونن تشييد الكنائس وتعرقل حتى صيانتها عملاً بالقانون العثماني المملوكي المعروف ب "الخط الهمايوني" (أصدره الباب العالى فى أوائل شهر جمادى سنه 1272 شباط 1856م) الذي يُقر مُعاملة المسيحيين كأهل ذمة ولا يعتبرهم مواطنين متساوين بالحقوق.

 

يكاد لا يمر يوم لا نسمع فيه قصة مأساوية وهمجية وبربرية يتعرض له اقباط مصر من مثل تعديات سافرة على كنائسهم، وقتل عشوائي لأفراد منهم لمجرد أنهم أقباط، وانتهاك لحرمات أديرتهم وإهانات لرهبانهم ورجال دينهم، وخطف لبناتهم وتزويجهن من مسلمين واجبارهن على الأسلمة ومنع ذويهن من حق استرجاعهن أو حتى الاتصال بهن، وانتهاكات وإهانات وإذلال وتفرقة رهيبة لمن يخدم منهم في الجيش وفي كافة مؤسسات الدولة، وتطول القائمة.

 

هل هذا يشّرف النظام المصري ويضعه في صوف الدول المتحضرة التي تحترم التنوع الثقافي والإثني والديني وشرعة الحقوق؟ بالطبع لا.!!

وهل الممارسات المعيبة المستمرة ضد الأقباط على كافة المستويات وفي كل المجالات الحياتية ستجبرهم على ترك دينهم واعتناق الإسلام؟ بالطبع لا، وتاريخ الأقباط الإيماني وتعلقهم بدينهم وحضارتهم وتقاليدهم وقيمهم رغم كل انواع الإضطهاد تبين حتى للعميان ببصرهم وبصيرتهم هذه الحقيقة الثابتة. إذا ما الجدوى من الإستمرار بذبحهم ولماذا؟

 

إن المشكلة المصرية المعضلة الموروثة عن العقلية العثمانية الفوقية تكمن في مفاهيم وأسس الثقافة البالية التي لم تعمل مصر على تغييرها واستبدالها بأخرى تكون متحضرة تحاكي العصر والإنسانية والشرائع وتعتمد مبدأ مخافة الله الذي هو محبة ومساواة وحق وعدل. إنها ثقافة التحجر والتعصب التي تقوم على رفض الأخر المختلف بدينه وحضارته وحرمانه من كل حقوقه ومعاملته بدونية فاقعة.

 

هذه هي ثقافة الحقد والكراهية والقتل والإجرام والغرائزية التي تدفع بمواطنين مصريين مشبعين وغارقين بسمومها على حمل اسلحتهم الرشاشة ومهاجمة مواطنيهم الإقباط المسالمين عشوائياً وهم يحتفلون بصلاواتهم وشعائرهم في ذكرى ميلاد السيد المسيح فيوقعون بينهم القتلى والجرحى.

 

الحكومة المصرية بمؤسساتها الرسمية والتعليمية والتشريعية والتنفيذية وبدستورها وبقوانينها العنصرية الجائرة كافة هي مسؤولة بالكامل عن استمرار وقوع هذه الغزوات الجاهلية ضد الأقباط من مواطنيها لأنها تشرعن ثقافة الحقد والكراهية ورفض الأخر، وهي بالغالب تعاقب وتحاكم الضحايا وتبرّئ القتلة.

 

معيبة هذه الممارسات ومهينة لكل من يسوّق لها أو يغض الطرف عنها، وهنا تأتي مسؤولية الجامعة العربية المفترض أنها حامية لحقوق كل المواطنين العرب، فأين هي وما هو دورها في هذا الشأن؟ كما أن الدول العربية مسؤولة أيضاً بشكل مباشر لأنها تلوذ بالصمت وكأن الأقباط ليسوا مواطنيين مصريين وقتلهم واجب. كما أنه لم يعد مقبولاً هذا التقصير وعدم الإكتراث من قبل الأمم المتحدة ودول العالم الحر لما يتعرض له أقباط مصر.

 

أن المحافظة على الوجود المسيحي الحر في مصر وفي باقي دول الشرق الأوسط هو غنى حضاري وثقافي وانساني وإيماني وأخلاقي وقيمي لمجتمعات هذه الدول المتنوعة اثنياً ومذهبياً وحضارة، ومن دونه ستعود إلى العصور الحجرية وتسودها شريعة الغاب.

 

الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 9 كانون الثاني/2010