قوسية قذح النائب جنبلاط

بقلم/الياس بجاني*

 

وزعت وكالة الأنباء الوطنية كلمة النائب وليد جنبلاط التي ألقاها في صوفر بتاريخ 25 تشرين الأول/2009، هذا بعض ما جاء فيها:

*"كنتم انتم أيها الرفاق في الحزب السوري القومي الاجتماعي السباقون في عمليات المقاومة، في شارع الحمرا، وفي غيرها من المناطق".

*"لن نتوقف كالغير من دول اكبر منا بكثير، لم نتوقف عند مضائق. غيرنا عبر ووقف أمام المضائق وكانت المضائق اكبر مصيدة ودخل في ما يسمى بالتسويات الانفرادية وضاع وذهب دوره التاريخي العربي الكبير على أمل أن يسترشد ويعود إلى الحضن من خلال بوابة رفح، بوابة رفح فلتفتح ووحدها تستطيع أن تعيد مصر إلى عمقها العربي التاريخي".

*"إننا نتمسك باتفاق الهدنة أي الحرب المجمدة مع إسرائيل، أي حرب مجمدة، لا تسوية، لا صلح، لا سلام، لا مفاوضات، وكل واهم في هذا العالم العربي إذا كان هناك بعد من واهم بأنه من إمكانية تسوية أو صلح أو سلم أو قيام دولة فلسطينية مع إسرائيل فهو إما مجنون أو متآمر"

*"والذي يريد أن يذهب إلى إسرائيل رأينا مصيره كيف انتهى في مزبلة التاريخ وسيذهب وسيدحض وسنذهب إلى العمق العربي الواسع سوريا ومن خلالها العالم العربي".

 

أثار كلام النائب جنبلاط العكاظي غير المنطقي وغير الصحيح وغير اللبناني بامتياز الذي قاله في مسرحية "التصالح  السورية الإخراج والإنتاج والتوزيع" مع الحزب القومي السوري التي عُرضّت في بلدة صوفر بتاريخ 25 تشرين الأول/2009، أثار الكثير من أحاسيس ومشاعر الاشمئزاز المقززة، والكثير من خيبات الأمل المقرونة بالحزن الاكتئابي على تبخر مكونات الثقة والمصداقية والجدية عند سياسي توهم السياديون في ثورة الأرز أنه استقام في مساراته وثوابت الوطن ولن يعود إلى الرقص البهلواني على الحبال.

 

الاشمئزاز جاء من الاستهتار المهين بذكاء وذاكرة ونضال وتضحيات وكرامة وحرية وفكر اللبنانيين ومخزون معرفتهم، ومن استمرار الرجل بالتعامل مع المواطنين بعقلية القطيع الذي يعتقد أنه قادر ساعة يشاء على سوقه وتغيير مساراته طبقاُ لأهوائه ومزاجه ومصالحه الذاتية بنهج ملجمي يميزه التقلب والتلون "والنطنطة" تتغير معه المواقف والتحالفات والشعارات والأصدقاء والأعداء بسهولة تغيير الملابس.

 

كما أثار كلامه الكثير من الحزن الاكتئابي المبكي المخيب للآمال بنتيجة سقوط زعامات إلى ما تحت التحت وانحدارها إلى درك العقلية التجارية الرخيصة البعيدة كل البعد عن القيم والمبادئ والأعراف بعد أن حاولت تسوّيق نفسها في لحظة تاريخية على أنها من الزعامات السيادية والوطنية التي همها الأول والأخير الوطن ومواطنيه، لا حسابات الربح والخسارة الفردية والمناطقية والمذهبية الصرف.

 

محزن ومؤسف ومستغرب أن يُشيد جنبلاط ببطولات الحزب القومي السوري الاجتماعي الذي لا يؤمن بلبنان الدولة والكيان والهوية والدستور، ويتذكر بفخر مقاومته لإسرائيل في حين أنه يتعامى بقرار انتقائي عن الدور المعيب والمخجل لميليشيا هذا الحزب في غزوة بيروت الجاهلية والإجرامية في أيار 2008، والتي تسببت برزم من المآسي والفواجع والفظائع اللاانسانية المستمرة بمفاعيلها وتفاعلاتها المؤلمة.

 

واستهزاءً بعقول اللبنانيين أن يعتبر جنبلاط عودته تائباً ونادماً ومستغفراً إلى سوريا البعث أنها عودة الابن الضال إلى "العمق العربي الواسع"، في حين أن غالبية الدول العربية وشعوبها وفي مقدمهم مصر والسعودية ودول الخليج والمغرب العربيين تحاول جاهدة استرداد نظام دمشق البعثي من حضن ملالي إيران وانتشاله من بين أنياب مشروع الإمبراطورية الفارسية حيث تقوم فيه سوريا الأسد بدور رأس حربة فارسية وتعمل على ضرب الاستقرار والأمن والسلم مباشرة وعن طريق منظمات الإرهاب في العديد من الدول العربية التي كشفت المؤامرة وتتصدى لها ولكن حتى الآن بخجل.

 

أما متاجرة جنبلاط الرخيصة والكاذبة بالقضية الفلسطينية واجتراره للشعارات البالية وتلطيه التملقي وراء لاءات قمة الخرطوم وقوله: "لا تسوية لا صلح لا سلام لا مفاوضات مع إسرائيل" فهي شعارات سقطت وبضاعة كاسدة وتقديمات مردودة لن تجد لها سوقاً حتى في سوريا البعث اللاهثة والمستقتلة للصلح مع الدولة العبرية.  

 

وهل جنبلاط يعيش في المريخ ليغض الطرف عن حقيقة ساطعة كنور الشمس وهي أن حكام الشقيقة الشقية الساعي إلى استرضائهم وتملقهم على حساب ثورة الأرز ودماء شهدائها الأحياء والأموات يتفاوضون منذ سنين وعلى مدار الساعة مع إسرائيل مباشرة وبالواسطة، علانية وبالسر، ولنا في الدور التركي وقبله الأردني والمصري والقطري والأوربي والروسي خير إثبات على عدم صدقية وجدية كلام جنبلاط التملقي والصبياني.

 

ترى هل مصر والأردن وقطر والجزائر دول المغرب والخليج وغيرها من الدول العربية التي اعترفت بإسرائيل مباشرة أو مواربة هي دول متآمرة ومجنونة؟

وهل نظام سوريا البعث، الممتشق شعاري "الممانعة والمقاومة" الكاذبين قد أطلق منذ 30 سنة رصاصة واحدة على إسرائيل وهو الذي سلم جولانه مقابل بقائه في سدة الحكم؟ 

 

كان بإمكان جنبلاط أن يصالح سوريا والقومي وكل من يشاء داخل لبنان أو خارجه، فهو حر في اتخاذ ما يراه مناسباً له ولمن يمثل لجهة المواقف والتحالفات، كما أن خيار التملق والاستجداء لحكام سوريا يخصه وحده، ولكن ليس مقبولاً منه التهجم الإستعدائي والإستفزازي المجاني وغير المبرر لا على مصر وباقي الدول العربية، ولا على أحزاب الجبهة اللبنانية.

قد تكون كل تصرفات وأقوال وقصائد زجل الرجل هي شروط سورية لعبوره إلى دمشق، ولكن هل فعلاً عبوره إلى عاصمة الأمويين يستوجب عليه قطع كل جسوره مع الدول العربية ومع أحزاب الجبهة اللبنانية ومع أهل بيروت الغربية ومع باقي الشرائح اللبنانية التي كانت ولا تزال ضحايا فجور وكفر وإجرام سوريا البعث والميليشيات المحلية التابعة لها؟

 

أما قوله: "والذي يريد أن يذهب إلى إسرائيل رأينا مصيره كيف انتهى في مزبلة التاريخ"، فهو قول مردود لصاحبه على طبق وقائع وأحداث سنوات الحرب اللبنانية التي كشفت عورات وأسقطت أوراق تين ولم تترك مستوراً إلا وفضحته. ولأننا لا نريد العودة إلى تلك الحقبة المؤلمة نمسك عن نبش ملفاتها كونها أصبحت بالنسبة لنا ماضيا قد مضى ولا نريده أن يعود. أما في ما يتعلق بالذهاب إلى إسرائيل وبالتاريخ ومزابله، مؤسف جداً أن يلجأ جنبلاط إلى عملية "الإسقاط" النفسية،PROJECTION  أي قذف الآخرين واتهامهم بما هو عنده وفيه.

 

ونختم بقول السيد المسيح (إنجيل متى 7/3-5): "ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها. أم كيف تقول لأخيك دعني اخرج القذى من عينك وها الخشبة في عينك. يا مرائي اخرج أولا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيداً أن تخرج القذى من عين أخيك". ومن له أذنان صاغيتان فليسمع

 

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 28 تشرين الأول/2009