قوى محور الشر والقرار الدولي رقم 1559

بقلم/الياس بجاني*

 

 مما لا شك فيه أن السوريين لم يبلعوا ويهضموا بعد حقيقة خروج جيشهم من بلبنان سنة 2005 مجبراً بنتيجة تحدي الرئيس الأسد سنة 2004 المجتمع الدولي ومجلس الأمن وقراره رقم 1559 وإرادة الشعب اللبناني ودستور وطن الأرز وتمديده اللادستوري عن طريق القوة والإرهاب للعماد اميل لحود 3 سنوات في سدة رئاسة الجمهورية.

 

يتوهم اليوم الحكم السوري الغريب في استيعاب وإدراك الأمور طبقاً لمعاييره الهجينة أن الوقت قد حان والفرصة سانحة ومؤاتية للانتقام من القرار الدولي رقم 1559 "اللعين" وشطبه متناسياً، بل متعامياً عن سابق تصور وتصميم أن الجهة الوحيدة المخولة متابعة وتنفيذ وتعديل وسحب هذا القرار هي فقط مجلس الأمن الدولي.

 

مدفوعةًً برزم أوهام الاضطهاد والتعالي والشك ومركبات الحقد والانتقام طلبت السلطات السورية رسمياً من السفير اللبناني في دمشق إبلاغ الحكومة اللبنانية أنها تحثها فوراً أن تعمل على كل المستويات لشطب وإلغاء وقتل هذا القرار بحجة أن كل بنوده قد نفذت.

 

وزير خارجية لبنان علي الشامي، التابع للرئيس نبيه بري والذي ولاءه الشامي جينياً وحنيناً على ما يبدو للشام وليس للبنان، قد تخطى فوراً كل صلاحياته ودون الرجوع إلى مجلس الوزراء وزّع رسالة مستعجلة على الهيئات الدبلوماسية الأجنبية المعتمدة في بيروت يعلمهم فيها أن لبنان قرر شطب القرار وسحبه من التداول.

 

هذه الهجمة السورية على القرار رافقها ضجيج إعلامي مبتذل وببغائي لمرتزقتها وأبواقها وصنوجها اللبنانيين. فهؤلاء راحوا يتسابقون ويتبارون في تصاريحاتهم وبياناتهم المطالبة بضرورة شطب القرار "اللعنة" و"الفتنة" و"الشؤم" و"الصهيوني والأميركي". جميعهم كرروا ما قالته السلطات السورية برتابة مقززة مدعين أن القرار مات ولا بد من دفنه.

 

الرئيس بري، وحزب الله، والعماد عون، وحركة أمل، والأحزاب المسماة وطنية، وطابور طويل عريض من "الرديدي والزقيفة" و"الوهابيين والقنديليين" و"المداحين والقداحين" بالأجرة قالوا في القرار ما لم يقله مالك في الخمرة، وهددوا وتوعدوا كعادتهم المزمنة كل من يعصى على الفرمان الأخوي الملزم.

 

قانونياً يعتبر الطلب السوري بدعة وهرطقة وسخافة، وفي هذا الصدد قال أستاذ العلاقات الدولية الدكتور شفيق المصري لجريدة اللواء في 15/12/09 : "لا يمكن لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أن يبحث مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في إمكان سحب القرار 1559 من التداول لأن مجلس الأمن يملك وحده سلطة العودة عن قراره أو تعديله وبالتالي لا يمكن سحب قرار بناء لطلب دولة ما، كما أن القرار  لم يستنفد غرضه بعد لجهة انسحاب القوات غير اللبنانية من الأراضي اللبنانية، فلا تزال إسرائيل تحتل قسما من الأراضي اللبنانية ولجهة البند الثاني الذي ينص على تفكيك ونزع سلاح الميليشيات غير اللبنانية، وبالتالي لا مصلحة للحكومة اللبنانية أن تطالب بسحب القرار".

 

يشار هنا إلى أن الرئيس ميشال سليمان كان نقل للإدارة الأميركية الطلب السوري هذا ملبنناً وعلى طريقته المبطنة، وقال للرئيس أوباما إن كل بنود القرار قد نفذت استثناء أمر سلاح حزب الله وهو سيبحث على طاولة الحوار الوطني التي سيترأسها، مضيفاً، أن حزب الله هو لبناني ومشارك في الحكومة وأن الأمور معه لا تحل إلا بالحوار. مصادر اغترابية مراقبة في الولايات المتحدة ذكرت لنا أن مساعي سليمان لم تنجح وهو لم يقنع بحججه أي من المسؤولين الذين قابلهم.

 

مهمة سليمان في أميركا تزامنت مع مواقف لافتة لوزارة الخارجية الأميركية على لسان السفير فلتمان، ولوزير خارجية السعودية ولنظيره المصري كلها أوضحت أنه لا يمكن أن تقوم الدولة اللبنانية بالمطالبة بشطب القرار على أنه تفذ فيما حزب الله يملك جيشاً أقوى من جيشها ويمنعها من بسط سلطتها على أراضيها ويعطل قراراتها ويتحدى القرارات الدولية ويتدخل عسكريا بالعديد من الدول.

 

بعد عودة سليمان إلى بيروت سربت مصادره إلى الصحف تقارير تقول إنه لم يطلب من الأميركيين شطب القرار 1559، إلا أن هذه التقارير كان نقضها بالكامل تصريح وزير الدولة عدنان السيد حسين المحسوب من حصته الوزارية والذي كان صرح خلال وجود سليمان في واشنطن بأن: "القرار 1559 أصبح من الماضي ونفذ بكامله، وهو مفخخ في أصله بسبب التدخلات الخارجية ولم يبق منه سوى النقطة المتعلقة بسلاح المقاومة الذي وضع في خانة سلاح الميليشيات وهو أمر خلافي على الساحة الوطنية وسيترك لطاولة الحوار الوطني".

 

نذّكر هنا أن بنود القرار السبعة لم ينفذ منها سوى البند الخامس المتعلق بانتخاب رئيساً للجمهورية. خمسة بنود لم ينفذ منها شيء أما البند السابع فهو خاص بالتقرير الدولي الأول حول القرار. البنود هي:

 

البند الأول: "يكرر (مجلس الأمن) نداءه إلى الاحترام الكامل لسيادة لبنان ووحدة أراضيه، واستقلاله السياسي، تحت سلطة الحكومة اللبنانية وحدها في كل الأراضي اللبنانية".

هذا البند لم ينفذ فسيادة لبنان غير ناجزه أو محترمة من قبل إسرائيل وسوريا وإيران وحزب الله والفلسطينيين وسلطة الحكومة لا تطاول أجزاء كبيرة من الوطن ( يكفي مثالا أن حزب الله قتل الطيار سامي حنا لأنه حلق فوق أراضي دولته).

 

البند الثاني: "يدعو (مجلس الأمن) كل القوى الأجنبية الباقية إلى الانسحاب من لبنان".

هذا البند لم ينفذ  فالإسرائيلي لا يزال يحتل مزارع شبعا وتلال كفر شوبا والقسم اللبناني من قرية الغجر، في حين أن جيش إيران الذي هو حزب الله يتحصن في دويلته ومنفلش في الجنوب والبقاع ويقيم قواعد عسكرية ومخابرتية له في الشمال وجبل لبنان وبيروت ومناطق متفرقة من لبنان. كما أن الجيش السوري وتحت علم فلسطيني لا يزال يحتفظ بمعسكرات الناعمة وحلوة وقوسايا والسلطان يعقوب. إضافة إلى أن العشرات من الميليشيات ومنظمات الإرهاب الفلسطينية وغير الفلسطينية لا تزال مسيطرة على 13 مخيماً فلسطينياً لا سلطة للدولة اللبنانية على أي منها (ومعارك نهر البارد مثالا بسيطا منها).

 

البند الثالث: "يدعو (مجلس الأمن) إلى تفكيك كل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها".

هذا البند لم ينفذ فحزب الله وحركة أمل والحزب القومي والحزب البعثي لا يزالون يحتفظون بمليشياتهم وأسلحتهم وكان هذا الأمر تجلى وفضح في غزوتي بيروت والجبل السنة الماضي. كما أن كل الميليشيات التي تسيطر على الـ 13 مخيماً فلسطينياً لا تزال تحتفظ بسلاحها ولم تفكك.

 

البند الرابع: "يدعم مجلس الأمن مد سلطة الحكومة اللبنانية إلى كل الأراضي اللبنانية".

هذا البند لم ينفذ والدولة اللبنانية لا سلطة لها على دويلة حزب الله ولا على أي من مربعاته الأمنية المنتشرة في الجنوب والبقاع ومناطق متفرقة من لبنان، كما أن المخيمات الفلسطينية الـ 13 لا تزال خارجة بالكامل عن سلطة الدولة.

 

البند الخامس خاص بانتخاب رئيس للجمهورية وهو البند الوحيد الذي تم تطبيقه.

 

البند السادس: "يدعو (مجلس الأمن) الأطراف المعنية إلى التعاون التام والعاجل مع مجلس الأمن الدولي من أجل تطبيق هذا القرار وكل القرارات ذات الصلة بإعادة أراضي لبنان وسيادته الكاملة واستقلاله السياسي".

هذا البند لم يطبق فإسرائيل وسوريا وحزب الله الإيراني والفلسطينيين لا يتعاونون من اجل تنفيذه، لا، بل على العكس ها هي سوريا ومعها إيران يسعيان لشطبه بالقوة.

 

بناء على ما أوردنا فإن القرار لم ينفذ ومسؤولية شطبه هي منوطة فقط بمجلس الأمن الدولي، وبالتالي كل قول غير هذا هو خبط وهراء وانتهاك لحقوق اللبنانيين وتعدياً على سلطة دولتهم واستهزاء بالقانون الدولي وبعقول المسؤولين في حكومات العالم.

اضغط هنا لقراءة نص القرار باللغة العربية  http://www.clhrf.com/unresagreements/1559.arabic.pdf

اضغط هنا لقراءة نص القرار بللغة الإنكليزية  http://www.clhrf.com/unresagreements/text_of_resolution_1559.htm

 

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 23  كانون الأول/2009