قمة الدوحة: ما هي الحكمة من حماية البشير!!

بقلم/الياس بجاني*

 

"نؤكد على تضامننا مع السودان، ورفضنا لقرار الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية بشأن فخامة الرئيس عمر حسن أحمد البشير، ودعمنا للسودان الشقيق في مواجهة كل ما يستهدف النيل من سيادته وأمنه واستقراره ووحدة أراضيه، ورفضنا لكل الاجراءات التي تهدد جهود السلام التي تبذلها دولة قطر في إطار اللجنة الوزارية العربية الأفريقية وبالتنسيق مع الوسيط المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والتي نؤكد دعمنا وتأييدنا لها من أجل إحلال السلام في دارفور. (بند من إعلان الدوحة الذي صدر في نهاية القمة العربية التي عقدت في الدوحة عاصمة دولة قطر يومي 30 و31 آذار 2009)

 

نسأل بحزن وخيبة أمل أين هي حكمة وبصيرة وجدية الحكام العرب الذين شاركوا في مؤتمر الدوحة لجهة حمايتهم الرئيس السوداني عمر البشير في مواجهة المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت بتاريخ 4 آذار 2009 أمراً بالقبض عليه كمرتكب غير مباشر أو شريك غير مباشر في التهم التالية:

تعمد توجيه هجمات ضد سكان مدنيين، أو أفراد مدنيين لا يشاركون في الأعمال الحربية، باعتبار ذلك جريمة حرب، والنهب باعتباره جريمة حرب، والقتل باعتباره جريمة ضد الإنسانية، والإبادة باعتبارها جريمة ضد الإنسانية، والنقل القسري باعتباره جريمة ضد الإنسانية، والتعذيب باعتباره جريمة ضد الإنسانية، والاغتصاب باعتباره جريمة ضد الإنسانية.

 

هل سأل الحكام العرب الأفاضل أنفسهم كيف سينظر العالم الحر والمتمدن الذي يلتزم شرعة حقوق الإنسان، والقرارات الدولية، والعدل، والقانون، والحريات والديموقراطية، كيف سينظر إلى قرارهم العاطفي والحماسي والديماغوجي والمتهور هذا، الذي ظلل وحمى دون وجه حق، أو منطق، أو مبرر مقنع، متهم بالإجرام والإبادة الجماعية؟

 

الحكام هؤلاء الذين تباروا في إلقاء الخطب الإنشائية والخشبية، وفي بوس اللحى، والمجاملات، والعراضات الإعلامية، هل خطر ببالهم كيف يمكن لهذا العالم أن يأخذهم على محمل من الجد والاحترام في أي مشكلة تخصهم، وكيف يمكن أن يساند قضايا الظلم التي تطاول شعوبهم العربية، وما أكثرها؟

 

وهل في مفاهيم القادة العرب الوطنية والدينية والحضارية والإنسانية أن الدول الغربية والأفريقية هي أحق منهم في الدفاع عن سكان إقليم دارفور بغرب السودان، الذين يقوم البشير "البطل وصاحب ثقافة الجزمة" بواسطة الميليشيات التي شكلها نظامه (الجنجويد) بإبادتهم دون أن يرمش له جفن، وفي ظل صمت عربي مطبق ومعيب، أين منه صمت القبور؟

 

كيف سمحوا لأنفسهم أن يساندوا البشير الذي يجسد بمفاهيمه البالية وممارساته الدموية أبشع نماذج الحكام الجاهليين والبرابرة؟

 

كيف طاوعتهم ضمائرهم أن يحموا هذا الرجل وهم يعلمون أنه طرد وبوقاحة متناهية العديد من البعثات الإنسانية التي تشارك في إغاثة نحو خمسة ملايين إنسان يقيمون في المخيمات من أهالي دارفور؟

 

وهل أخذ قرار القادة في عين الاعتبار المصير الإنساني والمعيشي لسكان إقليم دارفور، الذين لا يزالون في الإقليم، أو المقيمين في المخيمات، وتحديداً الأطفال منهم من جراء فقدان الماء والغذاء، واختفاء المواد الأولية الأساسية للعيش، إضافة إلى غياب المؤسسات الإنسانية؟

 

محمود سويد في مقالة له نشرتها جريدة النهار تحت عنوان "السودان في مهب اللاعقلانية العربية" قال في مهزلة البشير: ("لم يكلف البشير نفسه بالرد الهادئ والحجة الموثّقة على: مَن هو المسؤول عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في إقليم دارفور غربي السودان؟ هذا واجبه إذا كان يحترم شعبه والرأي العام العربي، والمجتمع الدولي. لم نقرأ شيئاً من هذا، بل شاهدنا رئيس السودان باللباس العسكري أو التقليدي الشعبي يصرخ ويلوّح بعصاه، ويرقص أحياناً، ويقذف الشتائم وسط جماهير حاشدة، تفديه ـ طبعاً وكالمعتاد ـ بالروح والدم. "لصوص وجواسيس" "كذابون ومجرمون"، "القرار لا يساوي الحبر الذي كتب به"، "ليبلّوه ويشربوا ماءه". ولاحقاً "هذه المرة سنبلّعه لهم ناشف ولن نعطيهم فرصة لبلّه"، "محكمة الجنايات الدولية وقضاتها ومدعيها وكل من يدعمها تحت جزمتي هذه".)

 

مما لا شك فيه أن الرئيس السوري بشار الأسد القلق جداً على مصيره ومصير أقرب المقربين إليه بعد أن أصبحت المحكمة الدولية التي ستنظر في جريمة اغتيال الرئيس الحريري حقيقة واقعة، لا عودة عنها، ولا إمكانية للهرب من مواجهة سيف عدلها، الأسد هذا كان من أكثر الفرحين بقرار حماية البشير، ومن أكثر الحكام الذين سعوا إلى تسويقه ودعمه، وذلك على خلفية تورطه المباشر والمؤكد في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتورط أهل نظامه في كل الجرائم البشعة التي طاولت قياديين ومفكرين وسياسيين ورجال دين لبنانيين.

 

إن عجز الجامعة العربية العملاني المستمر منذ أن تأسست، وحتى يومنا هذا، يطرح بقوة مسألة مشروعية استمرارها في إطارها الحالي. فهي لم توفق في حل ولا قضية واحدة من قضايا الدول والشعوب المنضوية تحت جناحها، وقد اقتصر دورها على إدارة الأزمات، لا حلها.

 

في كل قمة من قمم الامعة ال 21 كانت المصالحة بين قادتها في أولوية بنود اجتماعاتها التي تنتهي ببيانات لا يلتزم بها أحد وتبقى حبراً على ورق، ومَن أكثر منا نحن اللبنانيين معرفة بهذه الحقيقة المرة؟

 

يبقى أن الانجاز الأهم لمؤتمر قمة الدوحة في الشواذ تجسد في إعلان الرئيس الليبي معمر القذافي "الطاووسي" عن رزمة ألقابه التي خلعها هو على نفسه، وهي:

قائد ثورة الجماهيرية الشعبية العربية العظمى، وملك ملوك إفريقيا، وإمام المسلمين، ورئيس الاتحاد الإفريقي، وعميد الحكام العرب.

 

وإن استمر حال الحكام العرب على هذا المنوال، وهو لا محالة سوف يستمر، هذا إن لم يزداد سواداً، فمن المؤكد أن القذافي سيخلع على نفسه في القمة العربية ال 22 المقبلة ألقاباً جديدة، فهل من اقتراحات؟ ومن تجود قريحته بها فليتصل بملك الملوك الليبي.

 

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 5 نيسان/2009