ميشال عون: نفاق واسخريوتية وانتهازية وجحود

بقلم/الياس بجاني*

 

ميشال عون في 07/09/02: ("نحن نكن كل صداقة للشعب السوري، ونتمنى له الخلاص من نظام إرهابي، لأنه هو الشعب الذي كان أول ضحية للإرهاب. ولا ننسى أن حماة هي أول نموذج للإرهاب ففي 24 ساعة قتل النظام السوري ما يزيد عن 30 ألف مواطن لأنهم معترضين على حكمه. هكذا نظام لا أعتقد أنه يعطي العالم نموذج خير، ونموذج وفاق، ومجتمع سلام").

 

كلام عون هذا عن الحكم السوري كان "مودال" 2002 ، أما مواقفه من نفس النظام اليوم هو "مودال" 2011 وقد تغير كلياً عن المودال القديم. العالم يتطور والبشر يتطورن والعماد أيضاً يتطور ولكن إلى الوراء  وإلى أسفل، فالرجل أعلن يوم الثلاثاء الماضي من الرابية، في يوم "النتاق والهرار" أنه مع سلاح حزب الله إلى أن تُحل المشكلة العربية الإسرائيلية وعن

وعن الأحداث في سوريا، لفت عون إلى أن "رجل الأمن له الحق في الدفاع عن نفسه عندما يتعرض لإطلاق نار، وهذا ليس قمعاً للتظاهرات إنما قمع للشغب"، مشيراً إلى أنه "عندما تكون التظاهرة سلمية عندها نتحدث عن اعتداء"، وأكد أنه "مع الشعب السوري لناحية إجراء الاصلاحات". واعتبر أن "هناك غاية دولية في الأحداث الحاصلة في سوريا لأنها تشكل المفتاح"، مشيراً إلى أن "حقوق الإنسان هي عنوان تجاري".

 

إن نموذج خيارات ميشال عون الفاقعة في الانتهازية والأنانية والجنوح والشعبوية والاحتيال والدجل والنفاق يجسدها ويعريها موقفه المتناقض والحربائي من مجزرة حماة التي اقترفها الرئيس السوري الرحل حافظ الأسد، كما موقفه من المجازر التي يقوم بها حالياً ابنه الرئيس الحالي لسوريا بشار الأسد ليس فقط ضد حماة ولكن ضد كل الشعب السوري، مجازر وصفتها جمعيات حقوق الإنسان العالمية ومعها العديد من قادة العالم المتحضر بالغير مسبوقة في وحشيتها والهمجية.

 

ولأن النظام في سوريا لم يتغير لا في رجاله وحكامه، ولا في فكره وإجرامه، ولا في مخابراته ومؤامراته، ولا في إرهابه وممارساته ونمط تعاطيه المحلي والإقليمي والدولي، ولا فيما يخص أطماعه التاريخية في لبنان، ولأن الذي تغير هو ميشال عون على خلفية المصالح الشخصية والهوس بالسلطة، فإن محاسبة عون من قبل الشعبين اللبناني والسوري واجب ليكون أمثولة لكل سياسي وعامل في الشأن العام يستهزئ ويهين معرفة وعقول الناس وينقلب عن العهود والوعود ويكفر بدماء الشهداء.

 

مما لا شك فيه أن ظاهرة عون ستنتهي مع نهاية النظام السوري إلا أن المحزن والمبكي في هذه الظاهرة المرضيّة يكمن في نوعية القطعان من البشر المغرر بهم الذين لا يزالون يؤيدون عون ويسيرون في خياراته "المجنونة"، وفي نفس الوقت يدعون الوطنية وحبهم للبنان وخوفهم على المسيحيين. لقد تقمص هؤلاء شخصية عون المتوترة والمتشنجة والرافضة للأخر، كما تبنوا منطقه الشاذ وتحولوا إلى مجرد ببغاوات وصنوج تحركها مركبات الحقد والانتقام والكراهية.

 

في ثقافة هذه القطعان "المُسخِفة" "والمُسطِحة" لذكاء وحرية وكرامات الآخرين، أن كل من أيد العماد قبل سنة 2005، ويعارضه الآن هو مرتش وخائن وعميل، وتركه  لأنه لم يحصل على ما كان يريده. أي أن البشر في مفهومهم المريض "بضاعة" وسلع تباع وتشرى، وأن العماد، "مخلوق مقدس" لا يحق لأي إنسان أن يرميه حتى بوردة، وهو معصوم عن الخطأ، وما يعرفه يفوق إدراك ومعرفة الآخرين. وفعلاَ ينطبق عليهم مسمى "جماعة الوصية رقم 11"، التي تقول لا تجادل عونياً".

 

إن مفاهيم التخوين، وتحليل العنف، ورفض الآخر، وتأليه القائد، وتقديس السلاح، وتشريع الميليشيات، وتسخيف الغير، التي زرع عون بذورها المسمومة في المجتمع المسيحي، هي نتاج ورقة تفاهمه مع حزب الله، وقد أصبحت أعراضها متفشية بين شريحة كبيرة من الشباب التي تعبد الشخص ولا تعرف شيئا عن القضية. 

 

لكل الذين لا يزالون يتوهمون أن عون يدافع عن لبنان الهوية والسيادة والاستقلال والحقوق والمسيحيين، وأنه بدِّل فقط أسلوب تعاطيه مع الأمور بعد انتقاله إلى الحلف السوري- الإيراني، نقول إن التغيير الذي طرأ على خط الرجل هو استراتيجي وأساسي وكياني وجوهري، وباختصار شديد هو نقيض مئة في المئة لكل خطابه السابق ولكل ما هو لبناني وحق وعدل وسلام.

 

في الواقع عون ترك القضية، وترك نفسه، وترك خلفه كل ماضيه وتاريخه. نقض كل وعوده، واسقط كل شعاراته، وتخلى بالكامل عن الخط الوطني اللبناني التاريخي، وانقلب على كل ثوابت وركائز الكنيسة المارونية. وها هو يجاهر بوقاحة بانتمائه إلى المحور السوري الإيراني الإرهابي ويربط مصير لبنان بخزعبلات هذا المحور من دجل مقاومة وسخافة تحرير وتفاهة ممانعة، كما بات يعتبر أن سلاح حزب الله ابدي وأزلي ومقدس. وقد وصل به حال الانسلاخ عن الواقع وعن لبنان قوله خلاله زيارته الأخيرة إلى بلدة "مليتا" الجنوبية حيث أقام حزب الله متحفاً عسكرياً، "إن حزب الله لوى ذراع أميركا وانتصر على إسرائيل التي هي بطريقها إلى الزوال".

 

في ما يلي مضبطة بصوت عون نفسه، تبين مواقف وخطاب وقناعات هذا الرجل يوم كان حاملاً رايات القضية، كما أوهمنا. كل ما نطلبه من القطعان أن يقارنوا بين ما قاله فيما مضى وبين ما يقوله اليوم عن وفي النظام السوري واضعين نصب أعينهم أن النظام السوري الأسدي لم يتبدل، ولا يزال على حاله، لا بل ازداد ظلما وطمعاً بلبنان في حين أن عون هو الذي تبدل وهو الذي ذهب إلى أحضان الأسد ونصرالله والملالي وليس العكس. 

 

يقول عون في مقطع من كلمته حرفياً: "لازم نعرف أن الإرهاب مُتبنى سورياً، وفي نوعين من الإرهاب، وسوريا هي في خط منهما. وإذا جرى أي تنافس أحياناً بينهما، تعطي سوريا معلومات عن الطرف الآخر، ولكنها لن تكون أبداً ضد الإرهاب، لأنه من دون الإرهاب لن يكون لها لا وجود دولي، ولا وجود إقليمي. سوريا دولة ليس عندها القوة العسكرية، وليس عندها القوة السياسية. عندها كل شيء حباها فيه الإرهاب، وطالما الإرهاب مقبول دولياً، سوريا بتنوجد على الخريطة، ولذلك يجب محاربة الإرهاب حتى ترجع سوريا إلى حجمها الطبيعي".

 

في أسفل نص الكلمة، وبصوت عون، وكان في الولايات المتحدة الأميركية خلال لقاء له مع الجالية اللبنانية الأميركية بتاريخ 6/9/2002 وأوضح فيها بما لا يقبل التقويل أو الشك مواقفه من النظام السوري الإرهابي، ومن المنظمات الإرهابية. الكلمة نقلناها بأمانة كبيرة، وهي كانت ألقيت باللهجة اللبنانية.

إضغط هنا للإستماع للكلمة التي مدتها 13 دقيقة/Windows Media Player

http://www.10452lccc.com/audio/aoun.usa7.9.02.wma

 ("مواطني الأعزاء، أصدقاء لبنان،

أنا معكم الليلة بفرح. أولاً أهني التجمع من أجل لبنان لأنه مجمع. اسمكن بالإنكليزي ليبانيس أميركان، يعني أميركيين من أصل لبناني. أتمنى عليكم ما تكونوا أقل من لبنانيين في الولايات المتحدة وبهذه الطريقة قيكم تخدموا لبنان. ما تكونوا أحزاب ولا شيع، ولا تنتموا لا لي، ولا لغيري، انتموا لوطنكم لبنان، وإذا كانت الأحزاب ضرورة لقيام الحياة الديموقراطية، فهي تفتت الجهد في ايام المقاومة. اليوم لازم تكونوا كلكن مقاومين، مش حزبيين. وقت يكون الوطن بخطر ما في أحزاب، في مواطنين صالحين بيدافعوا عنه.

باسم الوطن المحتل، باسم الوطن يلي (الذي) عم يناشدكن تساعدوه، بطلب منكن تكونوا لبنانيين، لبنانيين وحسب، لا أكثر ولا أقل.

أكيد مبارح قسم منكم سمعني عم احكي، ويمكن بعض الكلمات ننجبر نكررها لأنو مش الكل كانوا حاضرين.

لبنان بدكن تساعدوه كيف؟

أولا بدكن تتذكروه إنو محتل، بدكون تتذكرو إنو أهلكن عايشين تحت كابوس الخوف، وتحت كابوس الحاجة.

في مخطط تخريبي للبنان بعدو عم يتكمل.

لبنان قالوا عنو إنو وصل إلى السلام سنة 1990 ، لبنان بلش تخريبه سنة 1990 .عم يخربوا نسيجه الإجتماعي، نسيجه الإقتصادي والمادي، وكتار منكن تركوا بعد سنة 1990، لأن الحاجة دقت ابوابهم. فإذاً لبنان وطن عم ينزف والوقت بالنسبة له مهم كثير. كل شغلي بدل ما نأجلها لبكرا منعملها اليوم، ويلي منعملو بكرا أحسن من بعد بكرا.

أنتم اليوم في الولايات المتحدة، والولايات المتحدة هي مركز القرار الدولي، وهي الدولة العظمى في العالم، وقرارها هو الذي يفرض حاله.

كيف بتساعدوا لبنان في الولايات المتحدة؟ بتساعدوه بأن تخلوا كل أميركاني يعرف أن إدارته (الحكومة الأميركية) السياسية صنفت سوريا "دولة إرهابية"، منذ العام 1978، وهذه الدولة الإرهابية تكافئت  بإعطائها لبنان. فهل يجوز ونحن نحارب الإرهاب أن تعطى الدولة الإرهابية مكافئة على أرهابها؟ أعتقد أنه لا يوجد أميركي واحد عنده الوفاء للمباديء والقيم الإنسانية يقبل أن يستمر الوضع في لبنان كما هو الآن.

كثيرون سألوني لماذا البعض وهم كثر، لا يحبون أميركا؟

يمكن في كثير من الناس لا يحبون أميركا لسبب بسيط جداً، وهو وجود فارق بين السياسة (الأميركية) المعلنة أحياناً، والسياسة المطبقة على الأرض.

يقولون (القيمين على الإدارة الأميركية) أنهم يدافعون عن القيم الإنسانية، ولكن في فئة (منهم) يعتبرونها براغماتية تقول أنه لا وجود للقيم في السياسة الأميركية، بل هناك مصالح، وهؤلاء مع الأسف أميركيين.

بالطبع أميركا الممصالح ضرورية، فالإنسان لا يعيش فقط من الهواء. يعيش (الإنسان)، أيضاً من المادة، ولكن كما أن المصالح المادية للولايات المتحدة الأميركية لها أهمية كبيرة وهي شيء أساسي، فأيضاً للولايات المتحدة صدقية في العالم، وهي مصلحة أميركية كبيرة. إن محافظة أميركا على القيم ومساعدة الشعوب التي تفتقد حالياً لحقوق الإنسان، هي أيضا مصالح أميركية عليا، لأنه من خلال هذه القيم يمكنها أن تحافظ على أمنها الإجتماعي، ولا يحدث عندها هجوم إرهابي كما حصل في 11 أيلول/2001 والذي بعد أيام نصل إلى ذكراه السنوية.

أتأمل منكن أن تكونوا أميركيين 100% مئة بالمئة مع وفائكم لجذوركم في لبنان لأنه لا يوجد أي تعارض بين الحضارة التي تحملونها معكم، والحضارة التي تندمجون فيها. فأنتم تحملون في نفوسكم نفس الإيمان، وتحملون في نفوسكم نفس القيم، ونقس الأهداف الإنسانية.

في الشرق الأوسط نحن بحاجة مش بس (ليس فقط) لنقتلع الإرهاب، فالإرهاب ليس منظمات إرهابية فقط. الإرهاب منو (ليس) منظمات، الإرهاب هو دول في المنطقة. ما في (لا توجد) منظمات مستقلة عن الدول. بيحكوا (يتكلمون) عن حزب الله أنه منظمة إرهابية.

على مستوى الولايات المتحدة لا يجب أن يتكلم المسؤولين عن حزب الله. حزب الله هو امتداد لسياسة دولتين هني (هما) إيران وسوريا في لبنان، وأعماله (حزب الله) هي تحت مراقبة هاتين الدولتين. 

فإذاً، نحن نرفض أن نقول إن المسؤولية تعود بس (فقط) لمنظمة، المسؤولية تعود إلى دول، وعلى مستوى الولايات المتحدة يجب معالجة هذه الدول ليس بمواجهة الأشخاص والأفراد، لأنه إذا تعالجت الرؤوس بتشفى الأعضاء. وبالوقت الذي تعالج سوريا به بيروح (يختفي) حزب الله من لبنان، ولكن إذا ضُرِب حزب الله في لبنان، راح تضل (تستمر) سوريا تورد (تبعث) لنا حزب الله ثاني وثالث ورابع وخامس.

بعض الذين في السياسة الأميركية يبررون سلوك بعض المسؤولين (الأميركيين) يلي (الذين) عم يدافعوا ضد (إقرار) قانون محاسبة سوريا.

يقولون إن سوريا ساعدت الولايات المتحدة، وانقذت حياة أميركيين. بتأمل انشاء الله يكونوا (السوريين) خلصوا أميركيين قد (بعدد) الذين قتلوهم في لبنان أولاً، وثانياً، الإرهاب مسألة أكبر من إعطاء معلومات عن بعض الإطراف المعادين للنظام السوري، لأن سوريا تعطي معلومات صغيرة وهي تساعد حالها (نفسها) فيها، مش عم تدافع فيها عن أميركا، ولا عن أمن أميركا.

لازم نعرف إنو (إن) الإرهاب كمان (أيضا) مُتبنى سورياً، وفي نوعين من الإرهاب، وسوريا هي في خط من هؤلاء. وإذا صار (أصبح) في تنافس أحياناً بينهما، (الخطين)، تعطي سوريا معلومات عن الطرف الآخر، ولكنها لن تكون أبداً ضد الإرهاب، لأنه من دون الإرهاب لن يكون لها لا وجود دولي، ولا وجود إقليمي.

دولة (سوريا) لا عندها القوة العسكرية، ولا عندها القوة السياسية. عندها كل شيء حباها فيه (اعطاها إياه) الإرهاب، وطالما الإرهاب مقبول دولياً، سوريا بتنوجد على الخريطة، ولذلك يجب محاربة الإرهاب حتى ترجع سوريا إلى حجمها الطبيعي.

نحن نفهم (اللبنانيين) الموضوع، لأننا كنا أول ضحية للإرهاب، كنا أول ضحية للإرهاب، ومع الأسف لم تكن الأنظمة الدولية المستهدفة بالإرهاب جاهزة في حينه حتى تساعدنا  نصمد، ولكن الهروب قدام (أمام) الإرهاب وصل (أوصل) الإرهاب إلى ما هو اليوم، ولا شيء يمنع على أن نرجع (نعود) نستعيد كل نشاطنا، نستعيد كل تعاوننا، مع كل الأطراف حتى نرجع (نعيد) وطننا ونرجع حقوقنا.

نكن كل صداقة للشعب السوري، ونتمنى له الخلاص من نظام إرهابي، لأنه هو الشعب الذي كان أول ضحية للإرهاب. وما ننسى إنو (أن) حماة هي أول نموذج للإرهاب ففي 24 ساعة قتل النظام السوري ما يزيد عن 30 ألف مواطن لأنهم معترضين على حكمه. نظام متل هيدا (هكذا نظام)، ما بعتقد راح يعطي العالم نموذج خير، ونموذج وفاق، ومجتمع سلام، ونحن نعمل للوفاء بين البشر وللسلام لنا ولهم وللخير للجميع.

نحن نطالب بحق، ولن يكن وصي علينا إلا إرادتنا، ونرفض أي وصاية آخرى، عشتم وعاش لبنان").

انتهت الكلمة

 بعد هذه الحقيقة الدامغة نريد أن نعرف رأي القطعان الغارقة في الأوهام التي ينسجها لها ميشال عون، ونحن في انتظار تعليقاتهم وردودهم، آملين ألا تقتصر فقط على الشتائم وتهم الخيانة "وقبض" المال من الحريري والسعودية. ومن عنده أذنان صاغيتان فليسمع

 *الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني

phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 06 آب/2011