الخطر الإيراني وتقية الدول العربية

بقلم/الياس بجاني*

 

إنه ورغم الخطر الإيراني الداهم والفاجر الذي وصل على كافة المستويات والصعد إلى داخل العديد من مجتمعات الدول العربية مشجعاً ومحرضاً ومسوقاً وممولاً ومرشداً ومنظماً للتعصب المذهبي والكراهية والفرقة والحقد ونكء الجراح، ونشر ثقافة ولاية الفقيه الهادفة إلى إسقاط الأنظمة العربية وإقامة الإمبراطورية الفارسية على أنقاضها،

ورغم استمرار الاحتلال الإيراني لجزر دولة الإمارات العربية الثلاثة، طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى منذ العام 1971 ،

ورغم تسلل الخلايا المخابرتية والميليشياوية التابعة مباشرة للحرس الثوري الإيراني وانكشاف أمرها ومخططاتها في كل من سوريا ولبنان والبحرين والكويت والسعودية ومصر والأردن والسودان والعراق وقطاع غزة والضفة الغربية،

ورغم وجود جيش إيراني في لبنان هو حزب الله الذي بات يهيمن على البلد وعلى حكمه ويهدد السلم والاستقرار في كل المنطقة،

ورغم التدخل الإيراني السافر في شؤون العراق،

ورغم استمرارية إيران بادعائها ملكية وفارسية كل دول الخليج العربي،

ورغم هيمنة إيران الكاملة على مصادر تمويل وقرار وتسليح منظمة حماس واختطافها قضية العرب الأولى، فلسطين،

ورغم معرفة كافة الدول العربية بأن السلاح الإيراني بما فيه النووي هو ضدهم وليس ضد إسرائيل،

 

إنه ورغم كل هذه الأخطار الإيرانية المخيفة والقاتلة وهي قليل من كثير لا تزال مواقف وتصرفات معظم الدول العربية تجاه إيران رمادية وفاترة وتتميز بتقية لافتة وبتردد وخوف من الصعب على المراقبين والمحللين فهمها. إنها سياسة النعامة ودفن الرؤوس في الرمال الرافضة حتى الآن الإقرار علناً بالخطر الإيراني والمتقاعسة عن واجب الوقوف في وجه هذا الخطر السرطاني والتصدي له.

 

في 12 حزيران/10، كتبت سينثيا جونستون في تقرير وزعته وكالة رويترز: "تشعر دول الخليج العربية التي تستضيف قواعد عسكرية أميركية وغربية بالخوف من أن اكتشاف شبكة تجسس إيرانية مزعومة في الكويت سيجعل من الصعب عليها البقاء خارج حلبة أي حرب بسبب برنامج إيران النووي. وأشارت وسائل إعلام كويتية في أيار الماضي إلى إن السلطات اعتقلت عددا من الكويتيين والأجانب للاشتباه في أنهم يتجسسون لحساب إيران وقالت صحيفة القبس اليومية المستقلة إنهم اتهموا بجمع معلومات عن مواقع عسكرية في الكويت. وحظرت الكويت التغطية الإعلامية للقضية وقالت إنها تحتجز عددا من الأشخاص في تحقيق أمني لم تحدده وإن التفاصيل المنشورة في وسائل الإعلام لم تكن دقيقة ولم توضح الكويت الأمر. وبينما لا تزال المعلومات عن الاعتقالات الكويتية شحيحة إلا أن التوترات الناجمة عنها قد تعمق الاستقطاب بين دول الخليج العربية وإيران غير العربية فيما يحتدم الصراع العالمي بسبب طموحات إيران النووية".  المحزن هنا أن معظم هذه الدول لم تتخذ حتى الآن مواقف تتناسب مع حجم الخطر ولا هي أقله تسمي الأشياء بأسمائها.

 

وفي نفس التاريخ نشرت صحيفة التايمز البريطانية تقريرا تحت عنوان: "السعودية تفتح أجواءها أمام إسرائيل لمهاجمة المواقع الإيرانية النووية"، أشارت فيه إلى أن "السعودية بدأت بالفعل في التدرب على إيقاف وتعطيل دفاعاتها الجوية للسماح بمرور الطائرات الحربية الإسرائيلية عبر أجوائها لقصف مواقع إيرانية نووية". ونسبت الصحيفة، التي تقول إنها تنفرد بنشر الخبر، إلى خبراء دفاع في منطقة الخليج قولهم إن "الرياض، وفي أسبوع فرض عقوبات دولية جديدة على إيران، وافقت على فتح مجال جوي محدود وضيق ضمن أجوائها في شمالي البلاد بهدف تقليص المسافة التي تحتاجها الطائرات الحربية الإسرائيلية للوصول إلى أهدافها في العمق الإيراني في حال تقرر المضي قدما في تنفيذ الضربة الجوية المحتملة". ولفتت "التايمز" إلى انه "من اجل تسهيل مرور تلك الطائرات، قامت الرياض بتدريبات عسكرية لضمان إيقاف عمل دفاعاتها الجوية ومنظومات الصواريخ، على أن تعود تلك الدفاعات إلي عملها فور مرور الطائرات الإسرائيلية". ونقلت الصحيفة عن مصدر أميركي متخصص في شؤون الدفاع أن "السعوديين أعطوا موافقتهم للإسرائيليين، وقالوا لهم إنهم سيغضون الطرف، وان الأمر تم بموافقة وزارة الخارجية الأمريكية والتنسيق معها". كما نسبت "التايمز" إلى مصادر داخل السعودية قولها إنه "بات من الشائع القول داخل أوساط المهتمين بشؤون الدفاع في البلاد أن هناك اتفاق قائم حول الموضوع في حال قررت إسرائيل تنفيذ ضربتها الجوية المحتملة ضد المواقع الإيرانية". وأوضح أحد مصادر "التايمز" أنه رغم التوتر بين إسرائيل والسعودية، إلا انهما متفقتان على بغض وكره النظام في إيران، وان هناك خوفا مشتركا من طموحات طهران النووية، وان هذا الأمر معروف وليس سرا "ونحن سندعهم يمرون، ونغض الطرف".

 

إلا أن السعودية وهنا الأمر المستغرب نفت بسرعة صحة هذا التقرير رغم أن المراقبين العسكريين للوضع الخليجي والخبراء في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية المتابعين عن قرب للوضع الميداني في الشرق الأوسط أكدوا أن التقرير صحيح مئة في المئة، وفي نفس الوقت اشارت مصادر عسكرية أوروبية إلى أن العديد من الأقمار الصناعية رصدت التدريبات السعودية التي تكلم عنها التقرير.

 

وفي نفس السياق "التقوي" وتعليقًا على صدور القرار الدولي 1929 بتاريخ التاسع من الشهر الجاري الذي فرض سلسلة من العقوبات على الجمهورية الإيرانية وبدلا من أن يؤيد القرار ويشجعه لأنه يخدم مصالح بلده المهدد من إيران وأذرعتها حماس وحزب الله قال وزير خارجية مصر احمد أبو الغيط  في 11 من الجاري: إن "العقوبات لا يجب أن تكون الخيار الوحيد لمعالجة أزمة الملف النووي الإيراني معتبرا أنها "لا تخدم" التوجه نحو تسوية سلمية لهذه الأزمة. وأضاف أن "العقوبات لا يجب أن تكون الخيار الوحيد للتعامل مع الأزمة بين إيران والمجتمع الدولي. والتجارب السابقة للعقوبات انتهت دائما إلى تصعيد التوتر والمواجهة وأن هذا الوضع لا يخدم التوجه لتسوية الأزمة بشكل سلمي".  وشدد على "أهمية استمرار العمل الدبلوماسى لإيجاد حل سلمي لأزمة الملف النووي الإيراني بشكل يتيح للمجتمع الدولي التأكد بلا أي لبس من سلمية نوايا إيران في هذا المجال، في الوقت الذي لا يمس فيه بالحق الأصيل لأية دولة في تطوير برامجها النووية السلمية وفقا لحقوقها المنصوص عليها في المعاهدات الدولية المنضمة إليها".

 

هذا الموقف الرسمي المصري لا يليق بدور وسمعة أكبر دولة عربية من المفترض أن تكون قدوة لكافة دول المنطقة في شجاعتها ووضوح الرؤيا السياسية والعسكرية وقراءة الأحداث بواقعية ووطنية وعلم. مصر "أم الدنيا" واجبها تحديد مكامن الخطر الإيراني والوقوف في وجهه ومحاربته والتعاون مع كل الدول التي تسعى لمنع إيران من امتلاك القنبلة النووية لا أن تتبنى سياسة النعامة. أنه للأسف موقف مصري "تقوي" بامتياز يؤذي مصر ومعها كل الدول العربية وهو لا يعبر عن حقيقة النوايا المصرية التي هي ليست فقط مؤيدة للعقوبات، بل تشجع على ضرب إيران عسكرياً، وهنا لب المشكلة التي تحمل عنوان "التقية".

 

قد لا تلام دول عربية صغيرة وضعيفة عسكرياً ومجتمعاتها تتكون من اثنيات ومذاهب وقوميات غير متجانسة أو بعضها مرتبط بإيران إن هي لجأت لمواقف التقية في مواجهة الهجمة الإيرانية وذلك تجنباً لصدامات عسكرية غير متوازنة في القوة أو خوفاً من قلاقل داخلية، إلا أن هذه "التقية" لا يجب أن تمارس من قبل مصر، اكبر وأقوى دولة عربية وهي بدأت تشعر بدون شك بالأيدي الإيرانية في موضوع مياه النيل وغيره من المواضيع الحساسة والمصيرية لمستقبل مصر.

 

باختصار مفيد لا يجب أن يغيب ولو للحظة عن ذكاء وفطنة مفكري وساسة وقادة وحكام وعقلاء كل الدول العربية وتحديداً الخليجية منها أن المشروع الفارسي المذهبي العسكري والتوسعي الساعي  لتصدير ثورة الخميني بالقوة والإرهاب وإلى امتلاك السلاح النووي وكل أنواع السلاح التقليدي الهجومي من صواريخ وغواصات وطائرات وغيرها، هو مشروع أولاً وأخيراً يستهدف دولهم ومجتمعاتهم وأنظمتهم وثقافتهم وشعوبهم وليس إسرائيل، وبالتالي كلما استمروا عن سابق تصور وتصميم في انتهاج سياسة التقية وفي تقليد النعامة في مواقفهم كلما تراجعوا أكثر وخسروا أكثر وتركوا أبواب أوطانهم مشرعة دون حماية للمشروع الفارسي وقد يأتي يوما لا يفيد فيه لا الندم ولا النواح فإسرائيل لن تكبر أكثر مما كبرت ولن يصبح عدد سكانها بين ليلة وضحاها 80 مليون نفس بينما الأمبراطورية الفارسية موجودة فعلا ومن يدري فإن الأمبراطورية العثمانية فد تكون التالية. أيها العرب استفيقوا... 

  

 *الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 14 حزيران/2010