مهازل الحكام والسياسيين في لبنان

بقلم/الياس بجاني*

 

"مسخرة" هي حال أهل السياسة والحكام في لبنان فهؤلاء بغالبيتهم يهينون بشكل يومي، ذكاء وسعة اطلاع ووطنية وكرامة مؤيديهم خصوصاً، وابناء لبنان عموماً. لقد سخفوا "وبهدلوا" العمل السياسي والشأن العام ومراكز الحكم فانحدروا بهم ومعهم إلى درك هو تحت التحت، فأمسى حضورهم غيابأ، وغيابهم نعمةً.

 

مؤسف إن هذا الطاقم الهزيل المأجور يدّعي زوراً وبهتاناً تمثيل المواطن اللبناني وهو عرى المدلولات من فحواها ومن الفضيلة والرجولة والنهي واثبت من خلال مواقفه الحربائية وممارساته الكرنفالية والتهريجية المخجلة واسخريوتيته الفاقعة أنه يفتقد إلى أبسط مقومات الذوق السليم والأخلاق والوطنية والصدق.

 

طاقم ذمي وتبعي تعوّد الركوع والخنوع والإستزلام وقبلته مصالحه والنفوذ والثروات. لا ذمة ولا ضمير ولا ثبات في قاموسه ويتاجر ويساوم على كل شيء ويعرض للبيع لقمة عيش المواطن وأمن الناس وكراماتهم واستقلال الوطن ومؤسساته وثوابته وهويته.

 

في هذا السياق الإنزلاقي للقيادات والحكام نحو الهاوية نسأل الرئيس التوافقي، العماد سليمان، الذي يوافق على كل ما يريده ويقوله الرئيس السوري، وعلى كل ما يأمر به حزب الله، نسأله أي مصداقية تبقى له وهو رئيس الجمهورية "الماروني" المؤتمن على الدستور عندما يقول في مقابلة له مع جريدة السفير بتاريخ 30 آذار/2010 : "المقاومة نحن نحفظها برموش العين، نحن بحاجة إليها، وحاجتنا ما زالت ملحة لها، وأي كلام يصدر خارج هذه الحاجة للمقاومة ليس أكثر من حديث استهلاكي ولا أهمية له".

 

يا فخامة الرئيس "التوافقي" هذا كلام خطير جداً ومخالف لقسمك ولكل بنود الدستور المفترض أنك حاميه، ولو كنت في بلد غير لبنان لكان القضاء استدعاك وحقق معك في فحوى تصريحك. أتعني بكلامك أن طاولة الحوار التي تترأسها هي للاستهلاك ولا أهمية لها، وهل أنت غير مدرك أن غالبية الشرائح اللبنانية لا تقول قولك؟

 

أما كلامك يا حضرة العماد تعليقاً على مقابلة الرئيس بشار الأسد مع تلفزيون المنار فهو الأكثر غرابة، فأنت قلت: "لقد عبر الرئيس الأسد عن الموقف بكل ثقة ووضوح، الموقف الاستراتيجي تجاه القضية العربية وخاصة قضية فلسطين، والموقف من المقاومة *ودعمها، لقد وضع النقاط على الحروف، وما قاله أكثر من ايجابي وأنا أتبناه".

 

نلفتك إلى أن الرئيس السوري أعلن أنه مع المقاومة، أي أنه ضد الدولة التي أنت رئيسها، وهو لا يوافق على ترسيم الحدود بما يخص مزارع شبعا ولا يريد أعطاء لبنان ما يثبت لبنانيتها، وهذا يعني أنه ضد القرارات الدولية!! فهل شرحت للبنانيين ازدواجية مواقفك كونك تعلن بشكل يومي أنك مع الشرعية الدولية ومع قرارات مجلس الأمن؟

 

وعن حال النائب وليد جنبلاط والثوابت "المقاومتية والعروبية" فحدث ولا حرج. البيك أعلن في موقفه الاسبوعي لجريدة الانباء الصادرة عن الحزب التقدمي الاشتراكي: "ان زيارة دمشق اكدت على الثوابت السياسية القديمة- الجديدة وأعادت التواصل الطبيعي وساهمت في وضع الاسس الجديدة للعلاقات اللبنانية- السورية".

 

بالتأكيد، للنائب جنبلاط كما لغيره من السياسيين كامل الحرية في أن يتحالف مع سوريا وحزب الله والقومي وناصر قنديل ووئام وهاب والمير وحبيب قلبه عاصم قانصو ورفيقه المقاوم زاهر الخطيب وأبو موسى ومعسكراته وغيرهم، كما أن من حقه معاداة من يريد ولكن ليس من حقه ابداً استغباء ذكاء اللبنانيين وتعمية بصرهم وبصيرتهم والإقتراب من "الثوابت" لأنه والثوابت خطان متوازيان لا يلتقيان أبداً. فليسامحنا البيك و"يخيط بغير مسلة الثوابث". ففي أدراجه شعارات كثيرة منها القديم البالي ومنها الجديد "المسورن" "والمقاوم" والعروبي" وهي كلها غب الطلب والحاجة والظروف فلينفض الغبار عن أي منها ويسوّق لها، أما الثوابت فليتركها لغيره.

 

في القاطع الآخر فقد قرر النائب المُنِظر والمفوه نواف الموسوي "مشكوراً" أن يهزم أميركا وأن يحرر لبنان واللبنانيين من هيمنتها معتبراً أن هذا "هو زمان تصفية الهيمنة الأميركية على لبنان"، وهو بالطبع يقصد أن حزبه الإيراني والأصولي مستمر بجهاده لتحرير لبنان من اللبنانيين، كما كان حرر سنة 2000 الجنوب من أهله، وطمأننا الموسوي إلى أن لا معنى للوحدة الوطنية إلا إذا كانت بخدمة مقاومته: "أن عملنا من أجل الوحدة الوطنية ومن أجل الوحدة الإسلامية هو في سبيل تدعيم أولوية المقاومة، وبالتالي إذا دار الأمر بين المقاومة وبين أي شكل من أشكال الوحدة فإن الأولوية ستكون للمقاومة".

 

فأنعم وأكرم بهكذا مقاومة جبارة وعالمية، ويا فرحتنا ويا سعدنا فبعد أن "هزمنا" إسرائيل شر هزيمة سنة 2006 ، ورمينا "الصهاينة" في البحر، وأعدنا القدس وطردنا منها الكفار، ها هي جحافل المجاهدين التابعة لحزب الله تستعد لغزو أميركا وربما أوروبا أيضاً، ولمَ لا؟ فالإخوة أصبحوا أصحاب خبرة متقدمة جداً بعد غزوتي بيروت والجبل وتحريرهما من سلطة الدولة والتمرس بتصفية المدنيين.

 

يبقى أن علة ومأساة لبنان الحالية تكمن في تعجرف وخلاعة ودناءة نفوس السياسيين والحكام ونحن من المؤمنين بقوة بأن تظهير شذوذهم وارتكاباتهم وهرطقاتهم وألاعيبهم مهما علا شأنهم هو فعل صلاة، فدعونا معاً نزيد من صلاتنا هذه ولا نمل أبداً وذلك عملاً بالقول الكريم: "من رأى منكم اعوجاجاً فليقومه بيده فإن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"

 

ونختم بما جاء في سفر حزقيال (34-3 و4) عن حال القادة والرعاة الضالين: " أنتم تأكلون اللبن وتلبسون الصوف وتذبحون الخروف السمين ولكنكم لا ترعون الغنم.

الضعاف منها لا تقوونها، والمريضة لا تداوونها، والمكسورة لا تجبرونها، والشاردة لا تردونها، والمفقودة لا تبحثون عنها، وإنما تسلطتم عليها بقسوة وعنف"

 

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 07 نيسان/2010