حزب الله وجرم استغباء اللبنانيين!!

بقلم/الياس بجاني*

 

تكمن معضلة قادة حزب الله الأساسية مع اللبنانيين غير المنطوين تحت مظلتهم، والذين ليسوا تحت إمرتهم العسكرية، وخارج سلطتهم العقائدية والميليشياوية، أنهم لا يحترمون ذكاء هؤلاء المواطنين، ولا يُعيرون بصيرتهم وحريتهم وخياراتهم أي اهتمام أو اعتبار، ويتوقعون منهم وخلافاً لكل مآسي وظلم الواقع المعاش الذي يفرضونه عليهم بالقوة المسلحة والإرهاب، أن يكونوا أغناماً وأن يلتزموا كلياً بالمثل الصيني المعروف الذي يقول: أنا لا أسمع، أنا لا أرى، أنا لا أتكلم".

 

من يسمع ويقرأ تصريحات قادة الحزب الإستكبارية والاستفزازية، لا بد وأنه سيهز رأسه أسفاً وحسرة، ويقول لنفسه: "معقولي، ألهذا الحد يستغبوننا ويسخرون من ذكائنا؟".

 

يتكلمون عن المال الآتي من خارج الحدود لشراء ضمائر وولاءات الناس، وهم الغارقين بالمال الإيراني الحلال.

يبشرون بضرورة عدم التبعية والإستزلام، وهم جيش إيراني كامل الأوصاف في لبنان، تمويلاً وقراراً، وثقافة، وقيادة، ومشروعاً.

ينادون بالدولة والقانون وهم الممانعين والمانعين قيامتها واسترداد سيادتها وهيبتها، والضاربين عرض الحائط بقضائها وقضاتها وقوانينها والدستور.

يأخذون على القوى الأمنية الشرعية عدم قدرتها على ضبط الأمن، وهم الذين يعتدون على هذه القوى بشكل يومي ويمنعونها بالقوة والإرهاب من ممارسة واجباتها، ويكاد لا يمر يوم دون تعرضهم لأفرادها أكان داخل دويلتهم في الضاحية الجنوبية من بيروت، أو في باقي متفرعاتها في الجنوب والبقاع.

وتطول قائمة ممارساتهم الميليشياوية.

 

أما قمة استغباء اللبنانيين فجاءت من خلال تصريح لمسؤول في حزب الله نشره موقع "لبنان الآن" الألكتروني بتاريخ 23 شباط/2009  تحت عنوان: "لا علاقة للحزب بحادثة التعرض للضابط الزين التي تركت انطباعاً سيئاً، وعلى أجهزة الدولة القيام بواجباتها سيما في الضاحية التي تعيش حالة من الفوضى" ، وهذا نصه الحرفي: (أوضح مصدر مسؤول في "حزب الله" ان "لا علاقة للحزب بكل من يخل بالأمن العام ويعرض حياة الناس ولا سيما عناصر الأجهزة الأمنية للخطر"، وقال تعليقاً على حادثة التعرض للضابط في قوى الأمن طارق الزين الذي تعرض للخطف في محلة عين الدلبة في برج البراجنة أمس، ان "هذه الحادثة تركت انطباعاً سيئاً واستياءً عارماً في أوساط الحزب الذي عمل مباشرة وبجهد كبير لإطلاق سراح الزين"، داعيًا "القوى الأمنية على اختلافها للقيام بواجباتها في حفظ أمن الناس والسهر على راحتهم في كافة المناطق اللبنانية ولا سيما في الضاحية الجنوبية التي تعيش حالة من الفوضى". المصدر المسؤول في "حزب الله" أكّد أن "الحزب لا يقوم بمهام الأمن في هذه المنطقة، والتي تبقى حصرياً من مهمة القوى الأمنية الرسمية المدعوة لتفعيل دورها والقيام بواجباتها كاملة في هذه المنطقة"، مذكّرًا في هذا السياق بما "سبق وأعلنه السيد حسن نصرالله بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان عام ألفين، عندما قال ان الحزب ليس بديلاً من الدولة اللبنانية وأجهزتها التي دعاها للقيام بواجباتها في حفظ الأمن بشكل كامل ودون تجزئة أو تفرقة"، وختم بالقول: "ان هذا الموقف أصبح اليوم صالحاً أكثر من أي وقت مضى".)

 

جريدة النهار ذكرت أن شقيق مسؤول اللجنة الأمنية لحزب الله كان وراء الاعتداء على الضابط الزين وسائقه في الضاحية، وأوضحت: "إن حادثة خطف وتوقيف الملازم أول طارق الزين وسائقه في عين الدلبة في برج البراجنة، ومصادرة سلاحهما وهاتفيهما الخلويين وسيارتهما العسكرية وإطلاق النار عليها، جاء نتيجة تداعيات مشكلة إزالة مخالفة بناء في معرض للسيارات في منطقة صفير بالضاحية الجنوبية يعود إلى محمد كساب شقيق مسؤول اللجنة الأمنية لحزب الله في منطقة برج البراجنة (النهار 24/2/2009)"

 

ما هذا التناقض القاتل بين ما يقال، وبين ما هو واقع مذري مفروض على الأرض؟

وهل اللبناني بهذه السذاجة ليصدق ما جاء في تصريح مسؤول حزب الله؟

أليس هو نفسه الحزب الذي برر غزوة بيروت الجاهلية ومحاولة احتلال الجبل في 7 أيار/08 بحجة أن "السلاح يحمي السلاح"؟

وأليس هو نفسه الحزب الذي ربط مصير سلاحه بالقرآن والإنجيل، وهدد بقطع عنق، وبتر يد، وفقر بطن كل من يقترب من هذا السلاح؟

أليس هو نفس الحزب الذي اعتدى على الجيش وقوى الأمن في مسرحية أحداث مار مخايل؟

أليس هو نفس الحزب الذي أعلن أمينه العام وملالي إيران أنهم سيهزمون أميركا في لبنان؟

 

معقولي! ألهذا الحد يتوقع المسؤول "الإلهي"، المنسوب له التصريح أن يتعامى المواطن اللبناني عن واقع دويلة الحزب، ويستغبي ويُحقر نفسه، ويشكك بفاعلية حواسه الخمسة، وبقدراته العقلية، ويصدق أن كلام المسؤول هو الحقيقة المطلقة والمنزلة، وإن المأساة المعاشة على الأرض، وكل ممارسات عسكر ومسؤولي الحزب من خطف وقتل وانتهاكات، وتعديات، وترهيب منظم، وهرطقات، هي كلها أوهام لا وجود لها إلا في مخيلة هذا المواطن الصابر صبر أيوب!!

 

ترى هل من مرة دخلت دورية لقوى الأمن إلى الضاحية الجنوبية، إلا وجردت من سلاحها، وأهين أفرادها واعتقلوا وتم التحقيق معهم؟ ومن ثم تتكرم وتتعطف قيادة الحزب وتغفر وتسامح وتتنازل وتطلق سراحهم بعد أن تعيد لهم ما أخذ منهم، وكل هذا يتم عن طريق ما يسمى: "لجان تنسيق أمنية"!!

 

والمحزن المبكي أنه ما من مرة واحدة طاول القانون والعدل أي من المعتدين لأنهم عسكر دويلة ولاية الفقيه، وبالتالي لا يحق لسلطات الدولة تحت أي ظرف أن ترميهم ولو بوردة، فهؤلاء فوق القانون ويخضعون فقط لأنظمة وقوانين الدويلة!!

 

نسأل صاحب التصريح من خطف المهندس جوزيف صادر، وأين هو الآن، ولماذا لا يُسمح لقوى الأمن بتحريره، وهي التي تعرف مكانه وهوية خاطفيه، كما ذكرت عشرات المواقع الألكترونية. هذا وأفادت تقارير غير مؤكدة أن قوى الأمن التي طاردت الخاطفين توقفت عن ملاحقتهم عندما دخلوا حدود دويلة الضاحية، وبررت عدم إكمال مهمتها بزحمة السير.

 

ونسال نفس المسؤول من هي القوى المسلحة التي قامت في 14 من الشهر الجاري بتحويل سير حافلة في منطقة مار مخايل إلى إحدى الأحياء الداخلية، وهي كانت تقل مواطنين بقاعيين من بلدة الفاعور عائدين من الاحتفال بذكرى اغتيال الرئيس الحريري الذي أقيم في ساحة الشهداء؟ ومن الذي اعتدى على ركاب الحافلة بالسكاكين والآلات الحادة والعصي مما تسبب بوفاة أحد ركابها الشاب خالد حمود الطعيمي (20 عاما) في 24/2/2009 متأثراً بجراحه؟

 

مشكلة المسؤول إياه ومعه كل قادة الحزب أنهم يتعامون عمداً عن الحقيقة التي يعرفها كل لبناني، وهي أنه ممنوع على القوى الأمنية الشرعية دخول دويلة الحزب إلا بإذن مسبق من حكامها وقادتها وعسكرها "الإلهيين".!!

 

لسان حال اللبنانيين يقول للمسؤولين في حزب ولاية الفقيه: ولو شو صار بالدني، "الشمس شارقة والناس قاشعة"، قليلاً من التواضع يا سادة، كفاكم استخفاف بعقولنا، ولا تتعاملوا معنا بهذا المنطق الإستغبائي والفوقي، وتذكروا أن لا شيء في النهاية يدوم إلا وجه الله.

 

نختم بقول الإمام علي: "خير المُقال ما صدقَتْه الفِعال".

 

الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 1 آذار/2009