مي شدياق باقية في قلوبنا والضمائر

بقلم/الياس بجاني*

 

أعلنت الإعلامية مي شدياق في نهاية الحلقة التي قدمتها أمس الثلاثاء من برنامج بكل جرأة أنها قررت الاستقالة من محطة تلفزيون الـ بي سي، وأوضحت أن موقفها هذا جاء بنتيجة الضغوطات والعوائق والقيود والمضايقات التي تعرضت، ولا زالت تتعرض لها منذ عودتها إلى العمل عقب محاولة الاغتيال التي طاولتها.

 

مؤسف فعلاً أن يصل حالة محطة تلفزيون البشير، تلفزيون المقاومة المسيحية اللبنانية إلى هذا الحال المعيب من الجحود والعهر والإسخريوتية.

وعار ما بعده عار أن تتحول هذه المحطة التي أوجدتها تضحيات ودماء شهداء المقاومة اللبنانية، إلى بوق مسخر لخدمة مصالح أعداء لبنان، الذين اغتالوا البشير، وأيديهم ملطخة بدماء كل شهداء وطن الأرز.

 

لا، لن يتمكن الأبالسة والكتبة والفريسيون وتجار الهيكل هؤلاء من كم أفواه أحرارنا، ولن ينجحوا في قمعهم وإرهابهم، ولا، لن يحققوا مآربهم مهما زاد بطشهم وقوي نفوذهم في إخافة مفكرينا، وكسر أقلام كتابنا، وإركاع شعبنا الأبي والمناضل.

 

تحية إكبار وإجلال لمي شدياق ولها نقول بصوت صارخ، لو لم تتركي محطة الـ بي سي، وتقولي لا وألف لا لغير الشهادة للحق والحقيقة، لما كنتِ مي شدياق الشهيدة الحية التي وقفت إلى جانب البشير، ونعرفها، ويعرفها كل أبناء شعبنا في الوطن الأم وبلاد الانتشار.

 

أنت تركتي بشهامة وإباء رافضة الذل والخنوع والمساومة والتلون، لأنك مي شدياق الحرة، والبشيرية قلباً وقالباً وفكراً وإيماناً ورجاءً وممارسة، ولأنك هذه الـ مي شدياق المميزة والمؤمنة والعنيدة بإيمانها. نعم تركتي، وهذا مؤسف، ولكنك تركتي ورأسك مرفوع، وجبينك عال.

 

تركتي محطة الـ بي سي، هذا صحيح، لكنك باقية في ضمير ووجدان لبنان البشير، وباقية مع الحلم البشيري، وباقية في قلوب الأحرار والأشراف.

مبروكة لك وقفة العز، ومبروك للبنان إعلاميين أنقياء الذاكرة وأشراف من أمثالك.

 

ترى ماذا يمكن أن نقول للقيمين على محطة الـ بي سي، المسؤولين عن استقالة مي شدياق، غير "يا عيب الشوم عليكم، لا ذمة ولا أمانة". هؤلاء للأسف ضلوا الطريق، طريق البشير، وانحرفوا، وسقطوا في أفخاخ ومهاوي إبليس وشياطينه، وقد تناسوا أن الإنسان وقفة غز، وأن من لا موقف له يتجرد من إنسانيته.

 

لا بد هنا من حك وفرك ضمير وذاكرة ووجدان الذين يقفون وراء ترك مي شدياق لمحطة تلفزيون البشير،  وتذكيرهم إلى أنها وهي الشهيدة الحية، وكما علمها البشير قد جندت نفسها للشهادة للحق، وبالتالي ولا يمكن أن تتوخى غير رضا الوطن، وخدمة قضيته المحقة والمقدسة.

 

نذكّر، فلعل في التذكير بعض الفائدة بما جاء في رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل غلاطية (1-10):

"أتراني أستعطف الناس، أم أستعطف الله؟ ألعلِّي أتوخى رضا الناس؟ فلو كنت إلى اليوم أتوخى رضا الناس، لما كنت عبداً للمسبح".

 

إن لبنان الذي تحدى طوال 7000 سنة عجاف جور وظلم وقساوة واضطهاد وتنكيل كل الغزاة والمحتلين والفاتحين، لن ترهب أحراره ومفكريه وكتابه وإعلامييه حفنة من الإسخريوتيين وتجار الدماء والهياكل الذين باعوا أنفسهم بأبخس الإثمان، وارتضوا الخنوع والذل والإهانة.

مارقون، نعم، لا أكثر ولا أقل، وهم الشواذ، لا القاعدة في مجتمعنا المسيحيي المحب للسلام والمساواة والمؤمن بالعدل والقانون والحريات، والمتجذر في تربة وطن الأرز المجبولة بدماء وعرق وتضحيات الأباء والأجداد؟

 

يا أيها الكفرة بدماء شهداء وطن الأرز، مع مي شدياق نكرر ما قاله بولس الرسول إلى أهل غلاطية (1-5)

إن المسيح قد حررنا لنكون أحراراً، فأثبتوا إذاً ولا تعودوا إلى نير العبودية".

 

الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكترونيphoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 4 شباط /2009