ميشال عون هو رزمة من العُقَدْ المستعصية

بقلم/الياس بجاني*

المتنبي: "لا يقبِضُ الموتُ نفساًُ من نفوسِهِمِِ إلا وفي يدِّهِ من نتنها عودٌ"

 

محزن جداً هو حال ميشال عون الذي انتحر سياسياً بعد أن ورط نفسه وتياره بمراهنات غبية مبنية على أوهام وأحلام ونرجسية وعُقَّد نفسية، وبنتيجة ارتباطه بتحالفات وخيارات هجينة هي ضد طبيعة كيان وثقافة وطن الأرز وتخدم مخططات جماعات محور الشر الهدامة. الأعداء الذين تزوجوا تياره زواج متعة واخذوا منه كل شيء ولم يعطوه شيئاً عانقوه حتى خنقوه ومن ثم همشوه بعد أن لفظه الوجدان المسيحي وعاقبه شر عقاب وسحب منه التفويض الشعبي الذي نقضه باستكبار قارب الجنون.

 

لقد مني تيار ميشال عون وخيارته السياسة بهزائم مدوية في انتخابات جبل لبنان وبيروت والبقاع، في حين أن الآتي من الجنوب والشمال سيكون بالتأكيد أعظم وأشد وقعاً. إن خياراته مناقضة لكل ما هو لبناني من هوية وثوابت وتاريخ وأعراف وقيم ومبادئ ورسالة ومجتمع مدني وعلاقات إقليمية ودولية وثقافة وحضارة.

 

إلا أن عون "الزعيم الأوحد"، "وديغول الرابية"، "وبطريرك مسيحيي المشرق"، وصاحب رُزم الألقاب الوهمية التي خلعها عليه وديعة حزب الله في تكتله النائب عباس الهاشم، عون هذا لم ينزل بعد من برجه الوهمي، ولم يخرج من قوقعته الخيالية وهو مستمر في سماع صوته فقط رافضاً الخسارة ومدعياً الربح.

 

في سياق عقاب الشارع المسيحي لعون وتياره أشار المحلل والكاتب السياسي الياس الزغبي يوم أمس إلى الحقائق التالية: "إن ما جرى في بيروت وفي زحلة وقبلهما في ستة أقضية في جبل لبنان, يؤكد علمياً وبالأرقام أن نسبة التمثيل العوني في البيئة المسيحية تدنت إلى 11 في المئة، لنأخذ مثلاً: خمسة مخاتير في الأشرفية والصيفي والرميل من أصل 28 و450 عضو بلدي في جبل لبنان من أصل 3300 عضو، ومئة مختار من أصل 250، و4000 صوت في زحلة من أصل 26000 مع ما في هذه الأصوات من أرمن وشيعة ومن أصوات نالها المرشح العوني المنفرد على سبيل حرق بعض الأسماء من اللوائح الثلاث"

 

وأضاف الزغبي: "إن التدني في شعبية التيار كان منتظراً بشكل واقعي وموضوعي والسبب سياسي في الأساس لأن أي حزب سياسي يفقد عنوانه وأهدافه, يفقد توازنه الشعبي، وأن المسألة في جوهرها تتصل بالخروج الكامل عن الخط السيادي والاستقلالي التقليدي للتيار العوني الذي فقد الدنيا والآخرة خصوصاً أنه انزلق تحت تقدير خاطئ جداً من الزعامة إلى ما سمي بالاستفتاء, فجاءت النتيجة صاعقة وصادمة في الشطر المسيحي من بيروت وفي زحلة، فسقطت كل الشعارات التي على أساسها جرى هذا الاستفتاء".

 

من جانب آخر مناقض كتب الصحافي غسان سعود في جريدة الأخبار تعليقاً سياسياً أمس تحت عنوان: "عقدة اسمها ميشال عون"، اعتبر فيه أن عون هو سبب عُقَدْ لكثيرين في مقدمهم القوات اللبنانية. سعود مثله مثل كل الذين يدافعون اعتباطاً عن عون تنفيذاً لتعليمات قوى محور الشر وخدمة لمشروع ولاية الفقيه لم يتناول أي موضوع محسوس ذي شأن يبني فرضيته النفسية هذه عليه وتجاهل كلياً نتائج الانتخابات.

 

في الواقع المعاش داخل المجتمع المسيحي اللبناني هناك مُعقد اسمه ميشال عون، وليس عُقدة عند أحد اسمها ميشال عون. الرجل متلون بامتياز ومنافق سياسي كبير وديماغوجي محترف، هذا ولم تعرف الساحة المسيحية في تاريخها المعاصر سياسي انتهازي وحربائي ووصولي وشعبوي مثله.

 

لقد وجد ربع محور الشر ضالتهم المسيحية في مكونات شخصية عون والعُقد فاستعملوه أداة، مجرد أداة للهدم والفرقة والنميمة داخل المجتمع المسيحي وبوقاً وصنجاً للدفاع عن مشروعهم المناقض كلياً للكيان اللبناني ولمبدأ التعايش فيه لا أكثر ولا أقل، وها هو الرجل وبعد أن فقد ذاته قد تعرى حتى من ورقة التوت ولم يحصد سوى 11 بالمائة من أصوات المسيحيين في بيروت والجبل والبقاع.

 

وبتعبير أدق لقد أصبح عون في الشارع المسيحي في حالة "عراء كاملة" علماً أن النسبة المتدنية والخجولة جداَ هذه جاءت من أصوات مقترعي الطوائف غير المسيحية في كثير من الأماكن عموماً، ومن حزب الطشناق الأرمني في الأشرفية تحديداً. فكفى جريدة الأخبار وباقي أبواق سوريا وإيران الإعلامية في لبنان نفخاً بهذا البالون الذي "نُفِس" وانتهي مفعوله والصلاحية.

 

هل يدرك جماعة المرتزقة أن عون انتهى مسيحياً وأمسى شعبياً بوزن ناصر قنديل عند الطائفة الشيعية ووئام وهاب عند طائفة الموحدين؟ عون لن يستعيد موقعه الشعبي الذي تربع عليه يوم كان يحمل شعارات القضية اللبنانية الحقة ويحاكي ضمائر ووجدان أحرار وطن الأرز. الرجل وقع في تجربة العفاريت والأبالسة وانتهي والعوض بسلامتكن وكل يوم تقام جنازة لزعامته المنتهية في أماكن متفرقة من مناطق المسيحيين.

 

مؤسف حقاً أن ينتهي عون سياسياً بهذا الشكل المعيب والمحزن في آن. إلا أن هذه هي نهاية كل من يكفر بالقيم والمبادئ ويرضى أن يكون تابعاً للغير مقابل أثمان دنيوية علماً أن القضية اللبنانية مقدسة لأنها مسقية بدماء وتضحيات الشهداء.

 

إن التاريخ يعيد نفسه مع كل مرتد ويرده إلى الحضيض مهما ارتفع وينهيه في قاع القاع وها هو عون يرقد سعيداً تحت القاع بطبقات وطبقات بعد أن انحدر التأييد المسيحي له من 74% سنة 2005 إلى 11% في الانتخابات الأخيرة.

 

يبقى أن أي نقاش موضوعي ومنطقي مع الذين لم يخرجوا بعد من فخاخ وأوهام عون هو عمل عقيم لا يؤدي إلى أية نتيجة ومضيعة للوقت، وفالج لا تعالج.

 

نختم بما قاله القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل فيلبي 04: "وبعد، أيها الإخوة، فاهتموا بكل ما هو حق وشريف وعادل وطاهر، وبكل ما هو مستحب وحسن السمعة وما كان فضيلة وأهلا للمديح".

 

الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com

*ورنتو/كندا في 13 أيار/2010