ثقافة رفض الآخر واخضاعه بالقوة والإرهاب

بقلم/الياس بجاني*

 

نشرت أمس الأربعاء العديد من المواقع الألكترونية والصحف تحت عنوان: "مسافر شيعي يحاول منع شرب الكحول على متن رحلة لشركة الميدل ايست"، الخبر التالي: "(11شباط 2009/"نشب عراك مساء امس الثلثاء على متن رحلة طيران الشرق الاوسط رقم 212 القادمة من باريس الى بيروت بين راكبين على خلفية شرب احدهما للكحول. وفي التفاصيل ان احد الركاب المنتمين الى حزب اصولي شيعي حاول منع راكب اخر من شرب الكحول خلال الرحلة، ما ادى الى نشوب عراك بين الاثنين تطور الى تبادل للشتائم وتدافع، وحاول مضيفو الطائرة التدخل لفض الاشكال. ولكن الملفت في الامر انه لدى هبوط الطائرة في مطار بيروت تجمهر عدد كبير من رجال الامن في المطار لمناصرة الراكب المعترض على شرب الكحول").

 

يكاد لا يمر يوم دون أن نقرأ في الصحف اللبنانية، وعلى العشرات من المواقع الألكترونية رزم من التقارير الإخبارية التي تتحدث عن تعديات واعتداءات مسلحة سافرة، وعن عنتريات وسرقات وممارسات شوارعية وأرهابية متنوعة، وفي وضح النهار، تطاول ليس فقط مواطنين عزل ومسالمين، بل أيضاً رجال أمن وموظفين حكوميين خلال تأديتهم واجباتهم الرسمية. وليس سراً أن معظم هذه الأحداث تقع في مناطق هي تحت سيطرة حزب الله المباشرة أو غير المباشرة.

 

كم من دورية لقوى الأمن كانت تطارد مطلوبين أو متهمين، وردت على أعقابها، وبالقوة المسلحة ساعة دخلت الضاحية الجنوبية من بيروت، حيث مقر دويلة حزب الله، وكم من تقرير موثق أفاد أن مسلحي حزب الله اعتقلوا رجال أمن وحققوا معهم بعد تجريدهم من سلاحهم الشرعي، وفي بعض الأحيان ضربوهم وأهانوهم وهددوهم. وكم من جابي من جباة فواتير الكهرباء والماء قد خُطفوا وضُربوا وأهينوا في الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع، وفي باقي المربعات وشبه المربعات الأمنية التي يتحكم بمفاصلها الحياتية كافة، وبمصير وحركة سكانها حزب ولاية الفقيه!!

 

من المعروف للقاصي والداني أن هذه التعديات "البلطجية" لا تقتصر على اللبنانيين فقط، بل طاولت في الكثير من الأحيان صحافيين ودبلوماسيين وسياسيين ورجال دين وزوار وسواح عرب وأجانب، بعضهم كان على مستوى رسمي عال جداً. ومن المعروف أيضاً أن الدولة بقيت عاجزة عن فرض القانون، وكانت ولا تزال ترضخ لإبتزاز سلاح حزب الله، وما من حادث من آلاف الحوادث المشينة هذه وصل مرتكبوه إلى القضاء.

 

وكانت قمة "البلطجة" هذه في اقدام حزب الله على اسقاط مروجية للجيش في محيط بلدة جزين وقتل طيارها النقيب سامر حنا واتهامه بالتجسس وبدخول منطقة عسكرية محظورة على الجيش اللبناني، وحتى الآن لم تتم محاكمة أي من قتلته.

 

المخيف والمرعب هنا، ليست الأحداث بحد ذاتها، وإنما الثقافة والعقلية والمفاهيم التي تؤدي إلى وقوعها، وهي كلها مبنية على مبدأ رفض الآخر، وإعطاء الذات حق ممارسة الإرهاب والعنف لإخضاعه وتطويعه ومصادرة حريته وسلبه حقوقه وممتلكاته.

 

هذه هي الثقافة التي يربي عليها حزب الله محازبيه، وهي نفسها التي يفرضها بالقوة على كل المؤسسات التعليمية التي يسيطر عليها داخل حدود دويلته. إن سرد وذكر الأحداث الدموية التي تأتي في هذا السياق الإرهابي والهمجي يحتاج لمجلدات. اشعال حزب تموز 2006، ومحاصرة السرايا الحكومية، وتعطيل مجلسي النواب والوزراء، واحتلال الأسواق التجارية، واجتياح بيروت، ومحاولة احتلال الجبل وغيرها الكثير الكثير يندرج في هذا الإطار الثقافي الموروب.

 

هذا المسافر الأصولي المشبع بثقافة رفض الأخر والتحجر، وبعقلية "مد الإيد" لم يتردد للحظة في محاولة فرض ما يريده على المسافر الآخر وبالقوة متعامياً ومتجاهلاً عن سابق تصور وتصميم عن أن ما يحكم العلاقات بين الناس هو القانون والأنظمة، وليس القوة والفرض والإرهاب.

 

هذه الحادثة تبين خطورة الثقافة المدمرة التي ينشرها حزب الله في لبنان، والتي هي أيضاً وبائية. وفي حال لم يتم وقف ترويجها سوف تعيد لبنان ودول الجوار إلى القرون الحجرية، وإلى مبدأ شريعة الغاب.

 

أعراض انتشار هذه الثقافة الوبائية والمعدية ظاهرة بوضوح تام في خطاب العماد ميشال عون "الإلهي"، المميز بأوهام العظمة القاتلة، وباستعمال مفردات وأدبيات التخوين والوعيد والتهديد والاتهامات وقطع الألسن وبتر الأيدي، والزنانير والرُكب والصبابيط (الأحذية) وغيرها الكثير من مفردات الهمجية ورفض الأخر، وهو العسكري الذي كان قبل "ورقة تفاهمه" مع حزب الله وتبنيه ثقافته، يحمل لواء الدولة الواحدة، وسلاح الدولة الواحد، وينادي بالدستور، وشرعة حقوق الانسان، والحضارة والتوع والديموقراطية، وسبحان من يُغيّر ولا يتغير.

 

على هذه الخلفية جاءت تحذيرات غبطة البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير الأخيرة من جسامة الأخطار المدمرة التي سوف تصيب لبنان في كيانه ورسالته وسلمه وحضارته وفرادته في حال فوز حزب الله والملحقين به من المسيحيين تحديداً في الانتخابات النيابية المقبلة.

 

من هنا فإن واجب كل لبناني مؤمن بالتعايش والتنوع والحريات واحترام الأخر وقبوله أن يقترع في الانتخابات المقبلة للمرشحين الأحرار الذين لا يدورون في فلك إيران وحزب الله وسوريا، وذلك حتى لا يندم حيث لا يفيد الندم.

 

والأهم أن يحترم هذا اللبناني في خياراته نفسه، ويكون صادقاً مع ذاته، وأن يُغلب مصلحة الوطن على مصالحه الشخصية، وأن يتعامل مع الإستحقاق الانتخابي بشفافية وصدق وشجاعة، وأن يقول علانية وبصوت صارخ: لا لثقافة رفض الآخر، ولا لمنطق القوة والفرض والقهر، ولا لغير لبنان الرسالة والحضارة، ولا لمحور الشر ولأدواته الإرهابية.

 

ونختم بقول الإمام علي:" لا تكن ممن ينهي ولا ينتهي، ويأمر بما لا يأتي، ويصف العبرة ولا يعتبر، فهو على الناس طاعن ولنفسه مُداهن.

 

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكترونيphoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 12 شباط /2009