التهجم على الرئيس سليمان مسرحية أم حقيقة؟

بقلم/الياس بجاني*

 

إن المتابع عن قرب لنهج وعقلية وثقافة وممارسات النظام السوري البعثي الإستخباراتي منذ أن اغتصب السلطة عن طريق القوة المسلحة المفرطة، يدرك أن أجهزته الأمنية التي تثقفت وتدربت على أيدي جهابذة جهاز الاستخبارات الروسي "كي جي بي" موكل لها تأمين استمراريته والقضاء المبرح على كل من يعارضه أو يشكل خطراً عليه. وهي بالتالي مخولة بتفلت مطلق من أية ضوابط قانونية أو إنسانية أو رقابية أو مساءلة ومجاز لها اللجوء إلى استعمال كل وسائل الإجرام والتصفيات الجسدية والتغييب والتعذيب والتنكيل والاضطهاد والسجن وفبركة الاتهامات ووسائل الإعلام والصحافة بما تراه يخدم ويحقق مهمتها.

 

هذه الأجهزة الستالينية والمافياوية حكمت لبنان بالنار والحديد والإذلال والإرهاب والفساد طوال حقبة الاحتلال السورية البغيضة وكانت تختار بدقة متناهية وطبقاً لمواصفات معينة بعيدة كل البعد عن الكفاءة والوطنية والأخلاق والقيم نوعية السياسيين والعسكريين والنواب والوزراء وكبار موظفي الدولة، وهي لم تستثنِ أية مؤسسة مدنية أو عسكرية من "سلبطتها" وتداخلاتها، كما أنها لم توفر غالبية المرجعيات الدينية.

 

كانت حصيلة ما يقارب الثلاثين سنة من الاحتلال السوري للبنان "تفقيس" جيل لبناني تبعي وفاسد من السياسيين والعسكريين والحزبيين والنقابيين والدبلوماسيين والموظفين لا يجيد غير الخنوع والركوع وتنفيذ الأوامر بعد أن تربى وترعرع على معالف استخبارات "الشقيقة الشقية"، وقد امتهن هذا الجيل من "المرتزقة المسورنين" التبعية العمياء وأمسى أفراده مجرد أدوات وأبواق وصنوج يحركها جهاز الاستخبارات السوري عن بعد كيفما يشاء وفي أي وقت يريد.

 

من المؤسف أن هذا الجيل الممسوخ وطنياً وأخلاقياً هو القابض حالياً على معظم مفاصل مؤسسات وأجهزة الدولة اللبنانية من القاعدة حتى القمة، ولا يزال يعيش حقبة الاحتلال في جبنه وعقله ونفسيته وممارساته، كما أنه مستمر بتلقى التعليمات من أسياده وبتنفيذها. من هنا فإن الثقة بأفراد هذا الجيل في أي موقع وجدوا هي شبه معدومة، وبالتالي من حق اللبناني الحر والسيادي أن يشكك بكل مواقفهم وألاّ يصدق ما يصدر عنهم من تصريحات حتى ولو كانت في ظاهرها وطنية.

 

بناءً على ما ورد يتداول العديد من المحللين السياسيين الأحرار في لبنان وبلاد الانتشار سيناريوهات مختلفة كلياً عن تلك التي تناولت إعلامياً أهداف ومرجعيات وظواهر حملة مهاجمة الرئيس سليمان التي أناط المخرج السوري دور البطولة الأولى فيها بالسيد وئام وهاب.

 

الخلفية التشكيكية هذه مبنية على رزم من الخيبات والتجارب المؤلمة والأحداث المأساوية المشبوهة من مثل حرب مخيم نهر البارد وما لفها من غموض وتمويه وتناقض والتباس في مواقف المسؤولين وتغاضٍ عن ارتفاع عدد الشهداء من العسكريين وما تبع تلك الحرب من اغتيالات لعسكريين وأمنيين، وغزوة 7 أيار والمواقف التي طاولتها، واحتلال الأسواق التجارية وما رافقها من تخلي القوى العسكرية عن دورها، وأحداث الشياح التي عطلت دور الجيش، ومؤتمر الدوحة ونتائجه وغيرها الكثير.

 

يرى المشككون أن "استخبارات الشقيقة" هي التي أعدت وأنتجت وأخرجت مسرحية الوهاب –الرئاسية بكاملها، ويعتقدون أن الشخصيات التي قامت بأداء الأدوار تم اختيارها بعناية كبيرة وهي لم تقتصر فقط على الذين أُنيطت بهم أدوار المهاجمين الذين تصدرهم "الموهوب" وئام وهاب وعاونه علناً كل من عمر كرامي وعبد الكريم مراد، ومن وراء الستارة ميشال سماحة والعماد عون والرئيس بري وحزب الله، بل أن المُستهدف بالهجوم نفسه كان أيضا من ضمن هذه الشخصيات "المشخصاتية".

 

ترى هل كان الهدف السوري الخبيث من هذه المسرحية المبتذلة استنهاض حالة من العصبية المذهبية والوطنية تحتضن الشخص "المُستهدف" بالهجوم من خلال مواقف مؤيدة له وللموقع الذي يتبوأه ليتمكن بعد أن تُسدل الستارة من اتخاذ موقف أو مجموعة من المواقف لم يكن قادراً على اتخاذها دون احتضان وتأييد قادة ملته وباقي روافد 14 آذار؟

 

المشككون هؤلاء يرون أن التأييد والاحتضان الذي حظي به "المُستهدف" قد يكون هدفه تغطية قرار خطير للغاية سيتخذه لجهة توريط الجيش اللبناني في حرب مدمرة مع إسرائيل ليتم إضعافه وتهميشه فيصبح حزب الله القوة الوحيدة على الأرض فيكمل عندها ودون عوائق مخططه الهادف إلى إطباق سيطرته المطلقة على كل مفاصل الدولة!!

 

يتم حالياً في أوساط لبنانية وعربية متعددة وبشكل جدي التداول بأهداف مسرحية "الوهاب والرئاسة الأولى" السورية التأليف والإنتاج والإخراج كما يراها المشككون من الأحرار وذلك بعد أن تم رصد مؤشرات كثيرة تصب في هذا الاتجاه.

 

قد يكون من المفيد أن يأخذ النافذون من السياديين في لبنان سياسيين ومراجع دينية وأحزاباً هذه الفرضية التحليلية على محمل من الجد.

 

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 25 آذار/2010