سجناء الجهل والحقد والكراهية

انتقدنا بشدة أحد الأصدقاء من الذين لا يزالون يؤيدون العماد ميشال عون على توزيعنا مقابلة السيد كميل دوري شمعون وتسويقنا المركز لها واعتبر أن دوري شمعون أصبح نائباً بفضل وليد جنبلاط وأنه لولا العماد عون لكان الحريري اشترى لبنان وهجر المسيحيين. ويقول إن كميل دوري شمعون "ما بيفهم بالسياسة وموظف عند الحريري"، واستغرب انتقاد هذا الأخير  "لأكبر رجال الشرق الذي هو العماد عون" وأفاض "برباعيات" "وقصائد الزجل" و"العكاظيات" التي نسمعها من المدافعين عن خيارات عون.

في أسفل ردنا عليه

الياس بجاني

 

إلى الصديق العزيز

24  شباط/2010

 

يا أخي المشكلة كما يتبين من كلامك هي أنك لا نرى غير ميشال عون الماضي، عون الشعارات وعون أيام قصر بعبدا والمنفى. أنت غير قادر على رؤية عون الحالي، عون الخيانة والخداع والنفاق والديمغوجية. عون رافع شعارات "رمي إسرائيل في البحر"، والمقاومة والتحرير بمفهوم حزب الله و"الشيطان الأميركي والاستكبار العالمي"، وعون نعيم قاسم وعباس الهاشم ومحمد رعد، وعون باقي ربع السورنة والملالي، ومثلك للأسف كثر يرفضون بعقلهم اللاوعي الخروج من فخ وشباك هذا الرجل الذي باع كل شعاراته وكفر بكل القيم وأمسى الإسخريوتي صغيراً جداً مقارنة بأفعاله وارتكاباته.

لا اعتقد انك كنت قريباً من هذا الرجل قرب العشرات الذين اكتشفوا كذبه وكفره في الوقت الصحيح وخرجوا من مصائده ولم يلتحقوا بأحد، بل حافظوا على خطهم الوطني وعلى قناعاتهم والثوابت.

بالطبع هذا لا يعني أن الآخرين من طاقم السياسة النفعيين والوصوليين والمتلونين هم أفضل حالاً من عون لأن من تربى على التبعية يموت وهو تبعي وذليل، ولكن 100 شيطان وشيطانة لو تزوجوا لا ينجبون ملاكاً واحداً. ورزمة من الأخطاء لا تنتج صحاً واحداً.

المشكلة انك ومعك كثر قد سجنتم أنفسكم في فخ مفهوم النظرة النفقية Tunnel Vision  ولم تعودوا قادرين على رؤية ما هو خارج النفق المظلم. هذا هو نفس المفهوم الموروب الذي كان السوري يفرضه على شعبنا طوال سنوات احتلاله لوطننا: "من ليس مع سوريا هو مع العدو الصهيوني" ولم يكن في تلك المعادلة الاستعبادية والاحتوائية للفكر والمنطق أي ذكر للبنان. أنت وأنا وعون وكل السياديين كنا نرفض ذلك المنطق وقلنا بعناد "نحن مع لبنان ولسنا مع سوريا ولا مع إسرائيل".

اليوم يا صديقي نحن والمفترض أن تكون أنت من ضمن هذه الـ "نحن" لا زلنا مع لبنان ومع القضية اللبنانية ولسنا مع الحريري وجعجع وجنبلاط كأشخاص ولا مع عون ولا مع أي سياسي آخر. نحن ما زلنا مع القضية ومن هو معها كأن من كان نحن وهو معاً في خندق واحد طالما بقي معها ومعنا. مواقفنا من الآخرين يقررها بعدهم وقربهم من القضية وليس شخصهم.

القضية هي الوجود الحر والسيادة والدولة والقانون والحريات والمجتمع الدولي والكرامات. نعم القضية أكبر من الجميع ومن المؤسف أن يتقزم بعض الأحرار ويسجنوا أنفسهم بين هرطقات عون وبين تفاهات من يعاديه أو العكس وينسوا أن هناك قضية أهم هي المواطن والحقوق والحريات والوجود.

ترى هل من العدل بمكان أن تُكِفر وتخوّن من كان ضد القضية وعاد إليها، وفي نفس الوقت تبجل وتعبد من كان مع القضية وتركها؟

إنه فعلاً منطق انغلاقي يجعل من صاحبه عبداً لشخص أو لمجموعة ويخرجه من لب وجوهر القضية.

أكان السوري مجرماً يوم عاداه عون وأمسى قديساً بعد أن التحق به ولبس عباءته وطالبنا أن نعتذر منه؟

أكنا فقط كرمى لعيون عون نسمي الاحتلال السوري احتلالاً واليوم كرمى لعيونه أيضاً أصبح هذا الاحتلال تجربة شابتها بعض الأخطاء كما جاء في "ورقة تفاهم" عون وحزب الله؟

أكنا نوافق عون أن النظام السوري هو مجرماً وارتكب جرائم ضد الإنسانية لأنه هو قرر ذلك فقط، واليوم تراجعنا عن هذا الأمر لأن عون راجع حساباته وغير رأيه؟

أكان حزب الله إرهابياً ويريد القضاء على الدولة يوم كان عون يقول ذلك، وأمسى مسيحياً ومبشراً بالمسيحية اليوم بعد أن التحق عون بمشروعه وتماهى مع إرهابه وكُلف دور البوق والصنج المسوّق لإجرامه وإرتكاباته؟

أكنا ضد الميليشيات يوم حاربها عون، وأصبحنا معها وضد الدولة بعد أن التحق بها عون؟

أكنا مع القرارات الدولية يوم كان عون ينادي بتنفيذها واليوم نحن ضدها لأن عون غير رأيه بها؟

بالله عليك كيف نقول اليوم إن حزب الله حرر الجنوب وكنا مع عون نقول إن حزب الله لم يحرره بل أخر تحريره 14 سنة وهو حرره فقط من أهله؟

أكانت مزارع شبعا كذبة يوم أراد عون ذلك وأصبحت اليوم قضية لأن عون بدل موقفه منها؟

أكانت أميركا أم التحرير والحرية يوم استقبلت عون في مجلس نوابها وأصبحت اليوم الشيطان الأكبر والعدوة لأن عون غاضب عليها بسبب عدم وصوله إلى كرسي الرئاسة؟

أكان هناك وجود لملف معتقلين اعتباطاً في السجون السورية يوم كان عون يحمل لواء هذا الملف، ولم يعد له وجود بعد أن نكره عون؟

أكان أهلنا الموجودين في إسرائيل في مصاف الأبطال يوم كان عون يقول ذلك وأصبحوا في خانة العملاء لأن عون باع قضيتهم لحزب الله وتنازل عنها؟

يوم عادينا السنة السياسية كانت ضد لبنان ومع العروبة ولكن كيف نبرر الاستمرار بمعاداتها بعد أن عادت إلى لبنان وأصبح لبنان أولاً شعارها؟

عادينا جعجع يوم وافق على الطائف وحارب الجيش، واليوم نتحالف مع حزب الله الذي لا يقر بلبنان أصلاً وقد ألغى الجيش كلياً وأقام لنفسه دويلة تحكم الدولة.

عادينا بكركي والبطريرك بسبب الطائف الذي فرضته سوريا علينا، ونحن اليوم مع سوريا ضد البطريرك وضد بكركي ونحن نعلم أن البطريرك ثابت على مواقفه وهي نفس المواقف التي استغلها عون للوصول إلى قلوب الناس ومن ثم باعها وانتقل إلى قاطع المسورنين من أمثال كريم بقرادوني وايلي الفرزلي واميل رحمة ووديع الخازن واميل لحود وزاهر الخطيب وعمر كرامي وسليم الحص ونجاح واكيم والقومي والبعثي وتطول القائمة.

بربك كيف يقبل عقلك أن يُمثل عون في الحكومة ببعثي وقومي سوري؟ هل أُعطي المنطق إجازة؟

يا صديقي إن الحر هو من يؤيد قضية ولا يتبع غنمياً شخص كأن من كان هذا الشخص.

القضية هي ليست كره جعجع أو الجميل والحريري أو جنبلاط أو غيرهم، بل القضية هي الثوابت الوطنية والتاريخ والهوية ودم الشهداء، ويوم يعود أي شخص لرحاب القضية نرحب به ولا تجعل من الحقد قضية جانبية تلغي القضية الأساس.
عون نجح في تهميش قضية الوطن وسجن من سار معه في سجون الحقد والشخصنة وجعل من نفسه مسيحاً، ولكن على مثال المسيح الدجال.

احزن على شخص مثلك له ماضي مشرف ونضال وبصر وبصيرة يسجن نفسه في سجون وأهواء أشخاص قبلتهم السلطة والنفوذ وغارقين في أفخاخ الأحقاد والكراهية.

نظرتك إلى الأمور نفقية أي باتجاه واحد فقط. فأنت ترى أن شمعون وصل إلى النيابة بفضل جنبلاط وقد يكون هذا الأمر صحيحاً، ولكنك لا ترى أن غالبية كتلة نواب عون هي من صنع سوريا وحزب الله؟ عجيب أمرك وغريب تفكيرك!!

مشكلة الوطن هي بمواطنين قزموا فكرهم وفصلوه على مقاس أشخاص على خلفيه مركبات الحقد والشخصنة وقصر النظر.

هنا لا بد لي من أحيي (فلان ......) الذي ثبت على مواقفه وتمسك بقناعاته وهو لم يلتحق بأحد وبقي ضنيناً على الثوابت.

ليتك تتشبه به وتأخذ العبرة من نضاله وشموخه.

أخيكم الياس بجاني