هرطقات دول ومنظمات الممانعة الإلهية!!

بقلم/الياس بجاني*

 

ما أبرع الحكام والسياسيين المشرقيين عموماً، واللبنانيين والسوريين والفلسطينيين منهم تحديداً في ابتكار وتركيب المسميات اللغوية الكبيرة والرنانة، واختراع وإطلاق الشعارات العاطفية والوهمية الشعوبية، وفبركة وتفصيل القضايا الكاذبة، واللعب على أوتار الديماغوجية الرخيصة، وخوض المعارك الدونكيشوتية، والمتاجرة في أسواق النخاسة بمصير وأمن ولقمة عيش ناسهم وأوطانهم.

 

تجار دم ودمار، ومتعهدو تهجير وإفقار، وما من مرة حققوا أي انتصار أو إنجاز، إلا وكانت الضحايا هي شعوبهم وقضياهم الإنسانية والمعيشية والوطنية.

أسلحتهم الخساسة والغدر والنرجيسية، وهم يجيدون التلون الحربائي، والزحف على بطونهم، ومرمغة جباههم على أعتاب أولياء نعمهم.

يعبدون السلطة والنفوذ والمال، ومعدومي الوجدان والضمير.

أما مفردات الكرامة والعزة والصدق والعنفوان والتضحية والوطنية والرجولة والشهامة والوفاء والعطاء فلا وجود لها في قواميسهم.

 

منذ قيام دولة إسرائيل في الأربعينيات وحكام وساسة وأحزاب الأنظمة الدكتاتورية والعسكرية والمذهبية في شرقنا التعيس يخيرون شعوبهم بين أمرين، أما الولاء الغنمي والأعمى والمطلق لهم والسكوت عن كل ممارساتهم القمعية، وإما اتهامهم بالعمالة لإسرائيل وبالخيانة.

تفننوا في أساليب التعذيب والقمع والإضطهاد، وتخصصوا في فبركة الإتهامات والإجرام.

قتلوا روح المبادرة وسطحوا الحس النقدي عند الناس وعملوا على نشر ثقافة الجهل والتعصب والانغلاق والحقد والكره ورفض الآخر.

 

هذا الطاقم من الحكام والسياسيين والأحزاب يرث ويورث السلطة وقد قاد شعوب المنطقة من هزيمة إلى أخرى، وهو لا يزال يمارس نفس الأساليب الألعوبانية، ولنا في النظام السوري البعثي خير مثال. فقد ابتكرت عبقرية حكام دمشق شعار "الممانعة"، وهؤلاء الحكام منذ 30 سنة عجاف يمانعون ويحررون ويقاومون وينتقلون من نصر إلى آخر، ولكن "بالمقلوب".

 

من ابتكارات بعث الشام اللغوية شعار "الممانعة". ونعم سوريا البعث هي دولة ممانعة كما يتبجح بوقاحة الأبالسة حكامها القرداحيون.

ترى ماذا يمنعون، ومن هم الذين يمنعونهم، وعما يمنعونهم؟

 

بالواقع لا علاقة لأمر الممانعة هذا في كل ما يخص دولة إسرائيل، إلا لما هو لصالحها، ولمصلحة حكام سوريا انفسهم.

حكام سوريا يمنعون عن شعبهم الديموقراطية والحريات والحقوق والمساواة والعدل ولقمة العيش الكريم.

حكام سوريا يمنعون معظم شرائح مجتمعهم متعدد الحضارات والإثنيات من المشاركة في الحكم.

حكام سوريا يمنعون جيشهم من اطلاق رصاصة واحدة على إسرائيل من جولانهم المحتل منذ عام 1967.

حكام سوريا يمنعون ويمانعون في قيام السلام العادل مع إسرائيل، وهم عن سابق تصور وتصميم يريدون ابقاء الحال مع الدولة العبرية على ما هو عليه ليتمنكنوا من البقاء في السلطة، وليستمروا في قمع شعبهم وفرض الأحكام العرفية علية بحجة "الممانعة" الكاذبة.  

 

حكام سوريا يمنعون الأمن والإستقرار والسلام عن العراق، وقد حولوا بلدهم إلى معسكرات وممرات للإصوليين والبن لادنيين والمهوسين المذهبيين الذين يتسللون من سوريا إلى العراق ليقتلوا المدنيين العراقيين ويفجروا المؤسسات والمراكز ويعطلوا قيام الدولة العراقية.

 

حكام سوريا يمنعون الوحدة بين الفلسطينيين، ويمانعون في قيام الدولة الفلسطينية، وهم بالتعاون والتكامل والتنسيق مع ملالي إيران وحزب الله يستعملون منظمة حماس لضرب الشعب الفلسطيني وتدمير غزة وباقي المدن الفلسطينية.

 

حكام سوريا يمنعون قيام الدولة اللبنانية، ويمانعون في ضبط حدودهم مع لبنان، وفي وقف تدفق الأسلحة عبر حدودهم لحزب الله، والحزب القومي السوري، وحركة أمل، وإلى عشرات المنظمات الفلسطينية التي تتحكم ب 13 مخيماً داخل لبنان لا سلطة ولا وجود فيها للشرعية اللبنانية.

 

حكام سوريا يمتنعون عن اعطاء وثيقة للإمم المتحدة تثبت لبنانية مزارع شبعا، ويمانعون في ترسيم الحدود مع لبنان.

 

حكام سوريا يمانعون في تجريد 3 مخيمات عسكرية فلسطينية داخل الأراضي اللبنانية تابعة مباشرة وكلياً لمخابراتهم، وهي الناعمة وقوسايا وحلوة.

 

حكام سوريا يمانعون في أطلاق سراح مئات المعتقلين اللبنانيين اعتباطاً في سجونهم، ويمنعون المنظمات الانسانية من تفتيش معتقلاتهم ويمانعون في تسليم جثث من قتلوهم من هؤلاء المعتقلين.

 

حكام سوريا ومعهم حزب الله وحماس وملالي إيران هم فعلا ممانعون وبإمتياز، ولكن ليس لممانعاتهم هذه أية علاقة أو صلة بإسرائيل لا من قريب ولا من بعيد.

هم ممانعون لأمن واستقرار كل الدول العربية.

هم ممانعون لإستقلال وحرية وسيادة لبنان.

وهم ممانعون لقيام الدولة الفلسطينية واحلال السلام في الشرق الأوسط.

 

هم باختصار ممانعون لكل ما هو حضارة وثقافة وحقوق ومجتمعات مدنية.

أما التحرير فحدث ولا حرج، فالممانعون "الإلهيون" هؤلاء يريدون تحرير الأوطان من مواطنيها.

 

نتضرع للعلي القادر على كل شيء أن يوقف أذى وشرور وأجرام هؤلاء الأبالسة "الملجميين"، من الزواحف وضواري الحقول، وينجي شرقنا الغالي وشعوبه من كفرهم وأجرامهم.   

 

ترى هل ستستفيق الشعوب الشرق أوسطية من غيبوبتها لتدرك بالعقل أية ممانعة سرطانية تمارسها كل من سوريا وإيران وحزب الله وحماس وكل من لف لفها؟

نتمنى ذلك، وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح.

 

*الكاتب معلق سياسي وناشط لبناني اغترابي

*عنوان الكاتب الألكتروني phoenicia@hotmail.com

*تورنتو/كندا في 14 كانون الثاني/2008