هل قتل المصلين ورجال الدين داخل المعابد عمل بطولي؟

الياس بجاني

19 تشرين الثاني/14

 في عالمنا الحالي المضطرب تسود الفوضى والحروب المذهبية والقبلية عدداً كبيراً من دوله، كما أنه يعاني من تفكك وسقوط أنظمة حاكمة فيه لتحل مكانها عصابات وجماعات من التكفيريين والمجرمين والإرهابيين. في خضم هذه الإضرابات الخطيرة تسود منطقتي الشرق الأوسط والأقصى وبعض الدول الأفريقية ثقافة شرعة الغاب حيث انقلبت المعايير القانونية والدستورية وشوِّهت معاني القيم والمبادئ الدينية وضربت كل مقومات احترام الإنسان وصون كرامته وحقه وحريته في الصلاة في بيوت العبادة بأمن وسلام دون اضطهاد وتعديات.

على سبيل المثال لا الحصر تتعرض في باكستان والعراق وسوريا ونيجيريا وإيران والسودان ومصر وغيرها من دول العالم الثالث مجموعات عريقة وتاريخية كثيرة من الأقليات الدينية والمذهبية للاضطهاد والتهجير والإبادة كما تدمر معابدها.

والأخطر في وسط هذه المعمعة الدولية أن الوقاحة والصلافة والجلافة وصلوا عند البعض من حاملي رايات التحرير والمقاومة والممانعة إلى حد إسقاط صفات البطولة على أعمال القتل والتفجير التي تطاول حتى أماكن العبادة وقتل مصلين ورجال دين بداخلها، كما كان الحال يوم أمس واليوم حيث تبنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الهجوم الإرهابي على معبد يهودي وقع في القدس يوم أمس الثلاثاء واعتبرته عمل بطولي ومقاوم واستشهادي. هذا وعلت بعض الأصوات النشاز في لبنان وغزة وبعض الدول العربية ممجدة الهجوم الإجرامي هذا بامتياز الذي أودى بحياة 4 من رجال الدين اليهود ورجل أمن إسرائيلي عربي- درزي وجرح عدد كبير من المصلين.

حماس والجهاد الإسلامي وحزبي البعث والقومي السوري كانوا من أبرز الجماعات والمنظمات والأحزاب العربية التي رأت في العملية انجازاً بطولياً وهنأت من قاموا به وخلعت عليهم نعوت الشهداء والأبطال والمقاومين والجهاديين.

في المقابل صدر بيان استنكار للجريمة وإن كان خجولاً ولكنه غير مسبوق من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ذكرت الصحف الإسرائيلية أن وزير خارجية أميركا جون كيري ضغط عليه لإصداره. كما صدر بيان استنكار مشترك ولافت من وزيري خارجية تركيا والبحرين.

في هذه الأثناء وفي القاطع الإيجابي قام اليوم في القدس رجال دين مسلمين ويهود ومسيحيين ودروز بصلاة مشتركة أمام المعبد الذي كان هدف العملية الإرهابية يوم أمس مؤكدين على الحق والحرية للجميع في التعبد دون قيود أو اضطهاد واستنكروا كل الأعمال الإرهابية.

السؤال الملح هو لماذا لم تصدر بيانات استنكار رسمية وعلنية ومباشرة عن الدول العربية كافة تدين وترفض عملية القدس خصوصاً وأن الجامعة العربية قبل ثلاثة أيام رحبت رسمياً بوضع دولة الإمارات العربية 80 منظمة عربية وإقليمية ودولية على قوائم الإرهاب لديها من بينها منظمات أميركية إسلامية معروفة بصلاتها الوثيقة مع جماعات الإخوان المسلمين.

إن تردد أكثرية الحكام ورجال الدين والإعلام والمثقفين في الدول العربية والإسلامية بمواجهة انحرافات وإرهاب وثقافة جماعات الأصولية والتكفير والمذهبية كان وراء بروز وتمدد وانفلاش داعش والنصرة وباكو حرام والإخوان المسلمين وحماس والجهاد الإسلامي وغيرهم العشرات من المنظمات الإرهابية التي تعيث فساداً واجراماً وتدميراً في العشرات من الدول خصوصاً في سوريا والعراق ولبنان ونيجيريا ومصر وباكستان وأفغانستان والبحرين والسعودية واليمن وغيرها الكثير من الدول.

إن المطلوب من الدول العربية والإسلامية كافة التحلي بالشجاعة والوطنية والوقوف بوجه كل المنظمات والجماعات التكفيرية والأصولية التي تسوّق لإعمال الإرهاب وتحلل القتل وترفض الأخر وترى في جرائم تفجير حتى أماكن العبادة وقتل المصلين ورجال الدين بداخلها، أعمال استشهاد وبطولة.

في الخلاصة، إن ما أقدمت عليه دولة الإمارات العربية مؤخراً بوضعها 80 منظمة أصولية وتكفيرية ومذهبية على قوائم الإرهاب لديها، يجب أن يعتبر نموذجاً فاعلاً وصحياً وشجاعاً تحتذي وتلتزم به فوراً الدول العربية والإسلامية كافة دون تردد أو مسايرة، وفي نفس الوقت تعيد النظر بمناهج التعليم لديها في جميع مؤسساتها التعليمية ومنها الدينية أيضاً بحيث تكون متطابقة ومتوافقة مع مستلزمات الحضارة والتقدم وكل بنود شرعة حقوق الإنسان.

 

الكاتب ناشط لبناني اغترابي

عنوان الكاتب البريدي

Phoenicia@hotmail.com