نص اللقاء الهاتفي الذي أجرته جمعية الطلاب اللبنانيين الكنديين في جامعة أوتاوا

مع دولة الرئيس العماد ميشال عون في 23/1/‏1999 تحت شعار "تصورات للبنان أفضل حر موحد وقوي.

النص هو من إعداد مسؤول لجنة الإعلام في المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية الاستاذ الياس بجاني

 

شارك في اللقاء إضافة إلى الطلاب العديد من الفاعليات اللبنانية في أوتاوا وممثلين عن الأحزاب والتجمعات السياسية اللبنانية.

في بداية اللقاء رحب رئيس مجلس إدارة مجلس المنظمات اللبنانية، المهندس جهاد داود بالحضور باسم التيار الوطني الحر في كندا، وشكر القيمين على جمعية الطلاب اللبنانيين الكنديين على رعاية اللقاء، ثم ألقي  كلمة التيار التالية:

يتوجْهُ التيار الوطني الحر في كندا الممثل بمجلس المنظمات اللبنانية الكندية في مدينة أوتاوا بالشكرِ والتقديرِ لجمعيةِ الطلابِ اللبنانِييَن الكندييَن رئيساً، وأعضاءَ، ومجلسَ إدارةٍ، ولكلِ مَنْ سَاهَمَ فْي إتاحَةِ هَذهِ الفُرصَةِ لِحَشدٍ مِنْ أبناءِ جَاليتِنا الكريمةِ لِلتحدُثِ مَعَ دَولَةِ الرئيس العماد ميشال عون عبَرَ الهاتف. أولاً لِمعرفَةِ مَواقِفِهِ مِنْ مُخْتلَفِ التطوُراتِ الجاريةِ على الساحَةِ اللُبنانيةِ بِكافَةِ جوانِبها وَتَشعُباتِها، وَثانياً للإطِلاعِ مِنهُ شَخصياً، عَلْى مَوقِفِ التيارِ الوطنِي الحُرِ مِنْ الحُكمِ القائمِ حَالياً في لُبنان. هَذا الموقِفْ الذي تَميزَ بِبُعدِ الرؤية، والوُضُوحِ، والشجاعةْ، وَتركَ تَساؤلاتٍ كَثيرةً بَينَ أبناءِ جَاليتِنا حَول أهدافِهِ وخلفياتهِ. كَما نَودُّ أنْ نُعرِبَ عَنْ سُرورِنا وَترحِيبنا بِحضوُرِ الآباءِ الإجِلاءِ ومُمثليْ الهيئاتِ السيَاسيةِ والجمعيَاتِ والأنديةِ إلى جَانِبِ الأساتِذةِ والطُلابِ وَكُلِ أصحابِ المروءةِ الذِينَ حَضروا.

أيها الاخوة: إنَ اللقاءَ مَعَ قائدِ مسيرةِ تحرُّرِ الذاتِ، وتحرِيرِ الوطنِ، هو خَلوةٌ حميمةٌ معَ الوُجدانِ، فيها تنقيةٌ للذاتِ، وصفاءٌ للرؤيةِ، وكشفٌ للخداعِ، ووعيٌ للمسؤوليةِ، وتصميمٌ للإرادةِ، وتنشيطٌ للعزيمةِ، وتوثُّبٌ للعمل.

 إن إخلاصَنا للوطنِ، يَفيضُ مِنَ القِيَمِ النبيلةِ التي غذّتْ أَفْئدَتَنا، وتجذَّرتْ في عُقولِنا. فُطِرْنا على جَذْوَةِ الحريةِ تَنفَحُ فِينا أَنفاسَ الحياةِ وتُزوِّدَنا بِطاقةِ إنتاجِ الخيِر، فَلَمْ نُوَفِّرَ جُهداً للبناءِ، وما بَخَلْنا بِتضحيِةٍ لِصونِ عزَّةِ، وسيادةِ، واستقلالِ وطنِنا. لِذا نَحنُ انتفضنا لِرَدِّ الضَّيمِ عن أهلِنا يومَ بدأت الأَطماعُ تُحرِّكُ الجارينِ بالزحِفِ علينا غدراً وعدواناً. ولأنَ القُوْةَ الغاشِمَةَ لا تتخلَّى عن فَريستِها إلا إذا رَفضتْ الاستسلامَ بِمُمانعةٍ عنيدةٍ تستقطبُ صَلابتُها تأييدَ العالم، رفضنا معَ كلِ لبنانٍي أَبِيٍ الاستسلامَ لِقوى الاحتلالِ.

لَقَدْ تمزقَ الوطنُ بيَن مَخالِبِ إسرائيلَ وأنيابِ سوريا. وكانتْ تِسْعونَ  في المايَةِ‎ِ (90 %) حِصَةُ الأسدِ، الرئيسُ السوريُ، سمَحتْ لهُ بالتصرُفِ بِمُقَدَّراتِ ومُؤسساتِ الوطنِ. وبإشارةٍ مِنْ بَنانِهِ كُوفِئَ بِالمراكِزِ مَنْ كانَ طَوْعَ بَنانِهِ، وَكُمَّتْ أفواهُ اللبنانييَن الأصِيلِينَ، فِيما جُنِّسَ مِئاتُ الآلافِ مِنْ غَيرِ استحقاقٍ، تسهيلاً لِتزويرِ التمثيلِ النيابِي، وتمزيقاً للنسيجِ الديموغرافي اللبناني وإمعاناً بِقَذْفِ اللبنانييَن إلى البحرِ  نَتيِجَةَ حَشرِ الأغرابِ في وطنٍ ضاقَ بأهلِهِ الأصليِّينَ. إنها عَمليةُ استيطانٍ خَطيرةٍ هدفُها طَمسُ الهويةِ اللبنانيةِ المميزةِ وتذويبِ الوطن.

بعدَ تِسعِ سنواتٍ من تشريعِ أبوابِ خزائنِ الدولةِ للنهبِ، وتعريِضِ قوانينِها ودُستورِها للانتهاكِ، بِغطاءٍ من ورشةِ إعمارٍ وبنىً تحتيةٍ باذخةٍ، سُحِقَتْ أجيالُ اليومِ والغدِ بِديونِها المهدورةِ والباهظةِ التكاليفَ‎، ارتأى راعيْ الفسادِ ضرورَةَ تغيِّيِر أُمراءِ الغزوِ ووكلاءِ التفلِيسةِ وَجِيءَ بِطاقَمٍ شِعارُهُ "الإنقاذُ والتغييُر".

والإنقاذُ لا يقتصِرُ على مُعالجةِ العوارضِ دُونَ اجتِثاثِ العِلْةِ، ولا على مُلاحقةِ خاطفِ رهينةٍ، ثُمَ الارتهانُ لخاطفِ الوطنِ، لأنَ الحُكْمَ دِرعٌ للمواطنِ، لا غَطاءَ للمحتلِ. فَلْنبقَ دِرعَ المواطنِ وَحِصنَ الوطنِ حتى ننجب حُكماً قادِراً على الوفاءِ بِقَسَمِ الحِفاظِ على السيادةِ والدُستورِ وَوحدَةِ وَسلامةِ أرضِ الوطنِ.

إنَ الإنسانَ العاقِلَ لا يُرحِّبُ ولا يَسمَحُ لِزائرٍ مهما "خَفَّ ظِلُّهُ" أن يتطاوَلَ على حياتِهِ العائلية. فَكيفَ الحالُ بِجيشِ‎ٍ جرارٍ غَريبٍ تسللَ إلى خُصوصياتِ أهلِنا ورَاحَ يُمْلِيَ عَليهم بِكُلِ وسائلِهِ اللوجستيةِ عَقيدةَ قِيادتِهِ وطُقوسَ تَبْجيلِها، لأنَ البَخورَ يُنشيها، والانتقادُ يُثِيرُ غَضَبَها!

أَيها الإخوةُ، إنْ كَانتْ كرامةُ البعضِ سِلعَةً تَستدْرِجُ عُروضاً، فإنَّ كرامةَ أهلِنا لا تُثمَّنُ. لِذا التفَّينا حَولَ دولةِ الرئيس العماد ميشال عون لأنَهُ رَفَضَ بَيعَ الوطنِ في سُوقِ النخاسَةِ. فلنُصغِ إليهِ يُحدَّثُنا بِعفويتهِ وصراحتهِ المعهودتين، وَلنطْرَحْ عَليهِ دُونَ تَحفُظٍ أو حَرجٍ كُلَ ما يَجولُ في الخاطرِ.  عشتم وعاش لبنان حراً محرراً بسعي بنيه المقيمين والمغتربين.

بعد ذلك فتح الخط الهاتفي مع دولة الرئيس العماد ميشال عون الذي رحب بالحضور وافتتح اللقاء بالكلمة التالية: يسعدني في بداية هذا اللقاء أن أرحب بكم جميعاً وأهنئكم على اهتمامكم بالوطن المحتل وعلى مثابرتكم بالعمل الدؤوب من أجل تحريره من الجيوش الغريبة وحكم الوصاية، كما يسعدني أن أتبادل معكم بقلب مفتوح دون حواجز شجون وهموم الوطن ومخاوف أهلنا أكان في لبنان أم في بلاد الانتشار. إننا في الواقع نمر في مرحلة تأسيس وطن كون ثوابت الوطن اللبناني ضاعت بضياع الاستقلال والسيادة. لقد عدنا عشائر وعائلات وبقايا وفتات أحزاب. لقد أصبح من الواجب أن نؤسس وطناً مع الذين يشاركوننا ومع الذين لا يشاركوننا آراءنا السياسية على حدٍ سواء. المهم أن نعيد الاتفاق فيما بيننا كلبنانيين على ثوابت وطنية تكون ركيزة صلبة لإعادة تأسيس وطن نتنافس فيه ضمن أطر الديموقراطية الراقية على خدمته ورفع شأنه. إننا اليوم بأمس الحاجة لتوحيد كل الجهود ليتم التحرير، ويوم يتحرر الوطن يصبح لنا مطلق الخيار في ممارسة السياسة من خلال الأحزاب. أما اليوم وفي ظل الاحتلال وحكم التبعية فالحياة السياسية والحزبية مفقودة في لبنان ولا يعيد لنا الثوابت الوطنية إلا العمل الوطني المتضامن، وهذا ما يدعو له التيار الوطني الحر، لا سياسة اليوم بل عمل وطني بحت لاستعادة الوطن المسلوب. أننا لسنا ضد الأحزاب ولكن إذا كانت الأحزاب ضرورة في الحياة السياسية والديموقراطية فإنها في المراحل التي تضيع فيها الأوطان كما هو حاصل حالياً في لبنان فإنها تصبح أداة لتفتيت القوى. على الجميع أن يلتفوا ويلتقوا حول هدف وطني واحد من أجل استعادة الاستقلال والسيادة والحريات العامة لتأسيس وطن. إن الوضع الحالي في لبنان سيئ للغاية ومساره انحداري ومن سيء إلى أسوأ والذي يزيد من البلبلة هو التضليل الإعلامي المنظم من قبل القوى المهيمنة على البلد وقراره وحكمه. إن وسائل الإعلام في لبنان مُسيرة وليست مخيرة ومسيطر عليها بالكامل وقد فقدت كل مقومات حريتها ولم يبق منها سوى هامش ضيق للغاية متروك بقصد التضليل ولإيهام الناس أنه بإمكانهم ممارسة دور المعارضة فيما الأمور الأساسية لا تقال وممنوع التطرق لها، كما أن الكثير من الوعود التي تطلق هي بهدف الخداع والتمويه ليس إلا، وما تلبث أن تتبخر والناس يُنقلون من صدمة إلى أخرى لإحباطهم وزرع الاستسلام في نفوسهم وعقولهم وابعادهم عن مقاومة الوضع الاحتلالي المفروض من قبل الغرباء بواسطة واجاهات لبنانية خانت ذاتها وشعبها ووطنها.

في ظل هذه الأجواء المربكة والمضللة أخذ التيار الوطني الحر على نفسه واجب التصدي والمقاومة والرفض وقد أنعش حركة المقاومة والرفض في الوطن كما في بلاد الانتشار على أسس لا عنفية، لا فئوية، لا طائفية، لا مناطقية، لا حزبية، بل على أسس وطنية لبنانية صرفة. التيار يطالب اللبنانيين جميعاً بتجديد نشاطهم الوطني وأنا اليوم وفي هذا اللقاء أطالب من خلالكم لبنانيي الانتشار بالترفع عن الأمور السياسية وبالالتفاف حول الطروحات الوطنية التي يحمل لوائها التيار الوطني الحر، تيار كل من يؤمن بسيادة واستقلال ووحدة وحرية وكرامة لبنان واللبنانيين.

أما الآن فأنا في تصرفكم وأرجوكم أن تسألوا أي سؤال يجول في خاطركم دون تردد أو إحراج، ولكن أرجوكم أيضاً أن تكون الأسئلة واضحة ومتعلقة بمواضيع محددة وليست مبنية على فرضيات أو أسس إستنتاجية.

السؤال الأول:

تحياتي دولة الرئيس، أود أن أعرف ما هو رأيكم بالعهد الجديد، خصوصاً وأن على رأس الدولة إنسان هو زميل لكم وخريج المدرسة العسكرية، ورئيس الحكومة الحالي وإن كنتم تعتبرونه في بعض الأوقات خصماً فهو خصمٌ عالم. والخصم العالم هو أفضل من الصديق الجاهل. فما هو رأيكم بالعهد الجديد هذا، وما هي الاستراتيجيات التي ستتغير من قبلكم إزاء التغيير الذي حصل في لبنان مع قدوم العهد الجديد؟ 

جواب الرئيس عون:

 إنني وطبقاً للوقائع الملموسة وللمعلومات المتوفرة لدي والمتعلقة بالأشخاص والظروف التي يعيشها لبنان حالياً فإنني لا أسمي العهد الذي وصل إلى الحكم في لبنان مؤخراً "بالعهد الجديد"، وهو الذي قال عن نفسه وعلناً أنه استمرار لما سبقه، وبالتالي فإن استعمال مصطلح "العهد الجديد" فيه نوع من الالتباس. العهد قال إنه استمرار لما سبقه، وهذا جاء في الصحف اللبنانية والسورية على حدٍ سواء. أما كون رئيس الدولة خريج المدرسة الحربية وضابطاً في الجيش اللبناني فإن مجرد الانتساب لمؤسسة ما لا يعني بالضرورة الالتزام بالقضايا الوطنية. أكيد المدرسة العسكرية هي مدرسة وطنية تتخطى الحزبية الضيقة في لبنان ولكن مجرد الانتساب لها والتخرج منها لا يؤهل وحده بالمطلق أي شخص ليكون في موقع الرئاسة. فالذين يؤيدون الجنرال لأنه فقط جنرال وخريج المدرسة العسكرية ليصبح رئساً للبلاد هم تماماًُ كالذين هم بالمطلق ضد الجنرال ليصبح رئيساً. كما أنه ليس هناك ما يمنع من أن يكون العسكري رئيساً جيداً والعكس صحيح. إن الانتساب للمؤسسة العسكرية لا يعطي أي أولوية لأي إنسان أن يتبوأ أي موقع رسمي، الأولوية يجب أن تكون لمن يتمتع بصفات شخصية ووطنية وخلقية وقيادية محددة. أما فيما يخص الدكتور سليم الحص فنحن نعرف تماماً أنه قام بعمل أشياء كثيرة لا مجال لذكرها الآن. صحيح أنه عالم ولكن في الكثير من المواقف والظروف تنقصه الشجاعة وفي هذا اللقاء لا أنت يمكنك الدفاع عنه ولا أنا يحق لي مهاجمته كونه غير موجود معنا. إن قضايا من هذا النوع تحتاج لمواجهة مباشرة خلال برنامج تلفزيوني بيني وبينه وعندها بإمكان الناس أن تحكم على الوقائع. أما عن العهد المسمى زوراً بالجديد، فهو بالواقع استمرارية لما سبقه والمسار وعلى كافة الصعد ما زال انحداري، فلا يمكننا أن نعتبر أن هنالك تغييراً في الحكم قبل أن تصبح علاقة لبنان مع سوريا موجودة ضمن بروتوكول وليست من خلال احتلال عسكري يفرض أرادته على اللبنانيين دون اعتبار للمصالح والخصائص اللبنانية. وعن سؤالكم عن الإستراتيجيات الجديدة التي ننوي اتخاذها، أقول لا استراتيجيات جديدة لدينا لأن ما نعارضه ونقاومه ما زال على حاله دون أي تغيير، وتغيير الأشخاص أي الواجهات لا يغير من الواقع بشيء. أسلوبنا باق على حاله وهو الاستمرار في تنظيم المقاومة الحضارية اللاعنفية، وتجييش الشعب لينخرط في صفوفها والشهادة للحق وإعلان المواقف بكل صراحة ومع دعوة للسوريين ليغيروا من أسلوب تعاطيهم مع لبنان وشعبه ويتعاطوا ممعنا بمنطق العدالة والمساواة بين شقيقين إذا كانوا فعلاً يعتبرون أن بيننا وبينهم أخوة. إن الأخوة لا يمكن ولا يصح أن تكون أحادية وفوقية واستعبادية، أنها تعاون وتعاضد ومحبة وتبادل مصالح واحترام متبادل واعتراف كامل بالآخر.

 

السؤال الثاني:

دولة الرئيس كما تعلمون ذكر الكتاب أن كل مملكة تنقسم على ذاتها تخرب، وكتب المؤرخ اللبناني المعاصر كمال الصليبي "أن لبنان بيت فيه العديد من الاتجاهات"، فكيف يمكن أن نوحد كل الصروح لبناء لبنان إذا كان البيت الواحد لم يتوحد بعد من الجهة التي تنتمون إليها؟ وما هو العمل الآن لتوحيد صفوف المعارضة والوقوف موقفاً موحداً والنطق بلسان واحد إزاء الحكم وطلب التغيير في لبنان لبناء لبنان ولمصلحة لبنان؟

جواب الرئيس عون:

أنني لا انتسب لأي جهة معينه ولدي خطاب وطني غير سياسي موجه بمحبة لكل اللبنانيين دون تفرقة. فإذا كنت تعتقد أنني ومن خلال خطابي هذا انتسب لأي جهة فسميها. إن العماد عون يعمل ودون كلل على بث القواعد الوطنية التي أوردتها أنت في سؤالك. أشير هنا أن الخطاب الوطني حالياً مُغيَّب في لبنان لصالح الخطاب المذهبي والمسؤولين المنصبين حكاماً الذين نقاومهم هم أنفسهم الذين يسوقون لهذا الخطاب ويشجعون على تفشيه بين الناس. لبنان في إعلامه المسير في ظل الاحتلال يفتقد إلى الخطاب التوحيدي فقد ابتكروا الترويكا وأصبح كل رئيس ومسؤول يخاطب مذهب معين فيما الناس في صراع. المشكلة يا صديقي ليست في تعداد المذاهب الدينية والعلاقة بين الإنسان وخالقه هي علاقة عامودية وليست خاضعة لعقد اجتماعي، بينما العلاقة بين الناس هي عقد اجتماعي. المشكلة أنه ليس هناك من يقوم بتوضيح الأمور هذه للبنانيين وخصوصاً لجهة علاقة المواطن مع أخيه المواطن، لذلك نحاول في التيار إعادة لحمة العلاقات بين اللبنانيين كافة ووضعها في أطرها الإنسانية وليس في أطرها المذهبية. إن لبنان بحاجة إلى خطاب وطني علمي واعي إنساني منفتح يبشر بالمحبة والتعايش والاعتراف بالآخر وباحترام الإنسان وحقوقه بعيداً عن المذهبية والعشائرية والمناطقية والأنانية، وهذا الخطاب للأسف الشديد غير موجود حتى الآن. إن كمال الصليبي محق فهو صور واقع معاش والتيار الوطني عبر خطابه الوطني يحاول إخراج لبنان من هذا الواقع المأساوي. أنا كمسيحي ليست مشكلتي مع الإسلام، فالدين الإسلامي بطبيعته يتقبل التعددية وهو توجه عبر القرآن الكريم إلى المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات حتى أنه أقر الإمام من خارج الإسلام وهو يقول لا إكراه بالدين ولو شاء ربكم لجعل الناس أمة واحدة. نستنتج من كل هذا أن لبنان بحاجة لخطاب سياسي صحيح لمصلحة جميع اللبنانيين يوحد ويقوي ويحصن وهو للأسف غير موجود وغير معمول به حالياً. إن القيمين على الوضع في لبنان حالياً ومن يقف ورائهم يصورون للإنسان اللبناني أن حقوقه يمكن أن تصان فقط من خلال انتمائه لطائفة معينة أو مذهب أو جماعة أو عشيرة أو حتى جيب من عشيرة. لبنان يفتقر إلى السياسة الوطنية البناءة الجامعة ونحن كلبنانيين ما زلنا خاضعين لأعداء كثيرين في الداخل كما في المحيط. إننا بحاجة إلى الثورة على الذات لنحرر أنفسنا من التبعية ومن الإقطاع المالي والمذهبي والعشائري والمناطقي والتقوقعي والأهم أن نحرر أنفسنا من الخوف الذاتي والخوف من الآخرين. إننا جميعا مدعوون للعمل من أجل لبنان الغد الذي هو ملكاً ليس لأهله فقط وإنما لمحيطه كونه رسالة تعايش وواحة حريات ومنارة حضارة وعلم. فالمحيط حالياً يعيش ردات رجعية يعيدنا والمنطقة قروناً إلى الوراء. جميعنا مدعوون للعمل من أجل الوحدة اللبنانية والعودة إلى جذورنا الإنسانية فالتمزق للأسف مستمر والدين يتمذهب والضياع يتفشى أكثر وأكثر بسبب السياسات الخاطئة ولعدم وجود خطاب وطني جامع. إن خطاب التيار وطني صرف ومن صميمه محاربة المذهبية ومن يتابعه عبر منشوراتنا ووسائل الإعلام من انترنيت وغيرها يعلم علم اليقين أنه يهدف لخلق مواطن لبناني لديه انتماء وطني متجذر، يحترم علاقته العامودية مع ربه ويمارسها بإيمان وتقوى، ويعيش عقده الإنساني تحت سقف قوانين نظامنا الحر الديمقراطي ويعترف بالآخرين وبحق الاختلاف والتمايز ولاؤه للبنان وليس لأي بلد آخر.     

السؤال الثالث:

إن الكثير منا كان يتوقع رحيل السيد رفيق الحريري عن الحكم عاجلاً أم أجلاً،  إلا أن طريقة وسرعة ترحيله كانتا مفاجأة، خصوصاً وأن تصرفاته كانت توحي أنه في أوج عزه. برأيكم ما هو سبب رحيله؟

جواب الرئيس عون:

لا أهمية تذكر للحدث، فإن أمر ترحيله أو رحيله بسرعة أم ببطيء لا يعني لنا شيئاً، إنما أُذكِّر بعدة مواقف اتخذتها قبل وبعد أن وليَّ الحريري في الحكم وخلاصتها أنه رجل غير صالح للمنصب وسوف يحرق لبنان ويرهنه ويرهن مستقبل أجياله الطالعة بالديون وأن الربيع الذي وعدنا به أهل الطائف لن يأتي عن طريق هذا الرجل، وقلت كلام كثير في هذا الصدد في حينه لن أكرره اليوم لأن الرجل أصبح خارج السلطة. لكن الغريب في الأمر أن رئاسة الوزراء كانت معروضة على الحريري يوم عين السوريون العماد لحود رئيساً، وأعتقد أنهم وضعوا عليه بعض الشروط والالتزامات لتشكيل الحكومة فلم تعجبه فرفض الاستمرار. أما الأغرب أنه وبعد أن كان الحريري طبقاً لإعلام الطائف المنقذ والفذ والمخلص أصبح وخلال 24 ساعة بعد رفضه ملك الفساد وبدأ فوراً الاقتصاص من الذين زرعهم في مراكز الدولة. نستنتج هنا أن ترحيل أو رحيل الحريري لا فرق لم يكن لأسباب وطنية أو إصلاحية أو أي شيء من هذا القبيل كما شُيع، وإنما لأسباب الخلاف على المحاصصة في المناصب والمغانم. والمضحك المبكي في العرض المسرحي هذا قول البعض أن الأمر هو إعادة اعتبار للموارنة في الحكم. هذا القول كذبة كبيرة لا تساويها إلا كذبة الإدعاء بأن الحريري يمثل الطائفة السنية في الحكم. أما الحقيقة التي يتعامى الكثير عن رؤيتها والإقرار بها هي أن لا المسيحي ولا المسلم مارس الحكم منذ العام 1990، فالحاكم واحد أوحد وهو السوري، وكل قول غير هذا تجني على الحقيقة وكذب ودجل. المنصبين حكام في ظل الاحتلال السوري هم واجهات تستبدل حسب الحاجة وبعد أن تستهلك. الحريري كغيره من الدمى استهلك بالقروض التي استدانها والتي ستؤدي إلى تفجير أزمات اقتصادية خطيرة، كما أن صورته تشوهت وأمست بشعة بسبب طموحاته الزائدة. الحريري رفض الكوتا التي عرضت عليه لتشكيل الحكومة فاستبعد والإبعاد هذا لم يكن لأي غاية إصلاحية أو لبنانية. القضية فوقية وهي تنفذ من خلال واجهات لبنانية ليتحمل هؤلاء الدمى المسؤولية أمام الناس والعالم فيما القرار في الشام.

السؤال الرابع:

دولة الرئيس سؤالي مقسم لشقين، الأول هو ما السبب أو العائق الذي يحول دون إقامة الجنرال عون على الأراضي اللبنانية؟ وهل هناك أي نوع من الضغوط الخارجية أو التهديدات في هذا الشأن، علما أن البعض يقول أن ادعاءات الجنرال عون في هذا المجال هي سياسة بحتة ونوع من "البعبعة". الشق الثاني هو هل هناك من هدف للعودة إلى السلطة أو بمعنى آخر المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة؟

جواب الرئيس عون:

من منا لا يعلم ما يعاني منه الأحرار من أبناء الشعب اللبناني في ظل الحكم القائم، ومن يمكنه أن يتغاضى عما يتعرض له أفراد التيار الوطني الحر وغيرهم من المواطنين الذين يقاومون الوضع الاحتلالي المفروض على لبنان؟ أما لماذا لا أعود إلى لبنان، فالعالمين بهذه الأمور أو بالأحرى الذين يريدون أن يعلموا  يعرفون تماماً لماذا لا يعود العماد عون إلى لبنان. للتذكير فقط فإن الأجهزة الأمنية التي حاولت اغتيالي أربع مرات ما زالت ممسكة بالأمن حالياً في لبنان،  وبعض الذين شاركوا في واحدة من تلك المحاولات اعتقلوا من قبل السلطات القبرصية، والبعض منهم كان معتقلاً وأُطلق سراحه من سجن رومية بعد مجزرة 13 تشرين سنة 1990. إن الأجهزة الأمنية هذه لم تعلن حتى الآن ندمها عن  محاولات اغتيالي وهي ما زالت مصرة على تصفيتي. كما أن الدولة التي تتجاوز كافة القوانين لتعتدي على حقوقي المالية والمعنوية وتصادر حقوقي الشخصية هي دولة لا يمكن أن أشعر بالأمن في ظلها. إن في لبنان حالياً سقف إعلامي محدد وكل ما يطاول الاحتلال السوري لا يبث من خلاله، وكل من يقول كلام ضد السوري ويطالب بخروج قواته وباستعادة القرار والسيادة والاستقلال يعاقب وبكافة الوسائل المعروفة. سؤالي لك هنا أتريدني أن أعود إلى لبنان في ظل الوضع القائم ليزيد عدد الصامتين أو الشهداء واحداً؟ وهل تعتقد أنني لو عدت سأتمكن من الاحتفاظ بحريتي في القول والفعل والتحرك كمقاوم وداعي له؟ أنني أطلب من الذين يسألون عن سبب عودتي أن يطلعوا على الأسباب التي تحول دونها وما ذكرته الآن قليل من كثير. فالسلطات في لبنان تعتقل الطلاب لمجرد أنهم يوزعون النشرة اللبنانية التي يصدرها التيار الوطني على الإنترنت وفي يوم واحد اعتقوا 55 منهم ولولا المواجهة بين السلطات وكافة الجامعات في لبنان لما كان أُطلق سراحهم وفي نفس الليلة. ومن ينسى مسألة مقابلتي مع تلفزيون المر وكيف أن وزير الأعلام منعها قبل أن يعرف محتواها لأنه افترض أنني سأهاجم السوريين وكيف عاد وأضطر للسماح ببثها بنتيجة ثورة الطلاب التي استمرت أسبوعا بكامله. وأُذكر من يهمه الأمر بأن محاميين وطلاب ومهندسين حوكموا لأنهم احتجوا وبأرقى الوسائل الحضارية على منع بث المقابلة. السؤال هو هل عودتي إلى لبنان والدخول في "فم الديب" مرجلة وحكمة، أو عمل من أعمال الهوس؟ أنت كمواطن لبناني وبعد إطلاعك على هذه الحقائق الدامغة ما هو رأيك بعودتي من عدمها؟

أعتقد أن من يصف مواقفي "بالبعبعة" يجهل أو يتجاهل الواقع والحقائق. العماد عون عاش ثلاثة أشهر تحت الأرض وعاش مآسي ومعارك سوق الغرب التي لم يخض مثلها الجيش اللبناني في تاريخه ولم يخف أو "يبعبع" وبقي على قناعاته وبقي حياً قضاءا وقدراً وبالتالي لا يحق ضميرياً لأي كان أن يصف مواقفه "بالبعبعة". فمن في تاريخ لبنان وقف مواقفي، الكل يزحف إلى الشام ليبخر ويتملق ويداهن للرئيس السوري حافظ الأسد، أنا الوحيد الذي وقف في وجهه. بالطبع ليس من أوروبا، بل من لبنان، ويوم كان مدفعه ال 240 مليمتر يحرق بعبدا، ويوم كنت وعائلتي على مرمى مدافع دباباته ولو وضعت في نفس الظروف لكررت ما قمت به فأنا لست بنادم على موقف أتخذته لأن كافة مواقفي تنبع من قناعات وطنية ثابتة وصلبة وهي باقية على حالها مهما تبدلت أو تغيرت الظروف. أتأمل بوجود حس نقدي عند كل مواطن لبناني تهمه قضية لبنان وأرجو أن لا تبنى المواقف الناقدة على جهل وتجاهل. الجنرال عون لن يعود إلى لبنان ما دامت الحريات مقيدة والمسوح به فقط التبخير للسوري والحط من قيمة كل ما هو لبناني. سنتابع عملنا لجهة تنظيم قوى الرفض والعارضة على الطريقة الغاندية  والأيام ما بيننا.

السؤال الخامس:

إن كافة دول العالم أكدت دعمها للحكومة اللبنانية الحالية، وبالتالي نحن كمغتربين لن نتمكن من إقناع أي دولة بأهدافنا هذا على الصعيد الاغترابي، أما على الصعيد اللبناني الداخلي فالتيار الوطني الحر غير فعال داخل الحكومة اللبنانية والشعب "تعبان" بسبب ما مر به من مآسي وبنفس الوقت هو ليس على وفاق مع بعضه البعض. إنه وفي خضم هذه الأوضاع والأجواء السلبية ما هي الخطوات التي اتخذها أو ينوي التيار اتخاذها وماذا برأيكم كانت حصيلة معارضة ثماني سنوات؟ وماذا حقق التيار ليحافظ على الأمل والهدف؟ وباختصار موجز ما هو هدفكم من السير ضد التيار اللبناني الداخلي والعالمي؟

جواب الرئيس عون:

أولاً دعوة التيار للمغتربين وللمقيمين ليس للسير ضد التيار الداخلي أو لمحاربة الدول التي تعترف بالنظام المفروض على لبنان، دعوتنا هي للبنانيين وأينما وجدوا ليسيروا مع أنفسهم وقناعاتهم الوطنية والإنسانية وأن يميزوا بين الصح والخطأ وبين الوطنية والعمالة وبين الاستقلال والتبعية وأن يطالبوا بحقوقهم وحقوق وطنهم. فإذا كنت أنت كمواطن لبناني مقيم أو مغترب لا فرق، مقتنعاً بحقك فأنت اذن مدعو للدفاع عنه وصونه واسترداده إن كان مصادراً من قبل الغير ودعم كل من يحمل لواء الدفاع عن هذا الحق، ومطلوب منك أيضاً وهذا أمر بديهي أن تعارض كل من يحول بينك وبين حقك، وهذه أمور لا تعني مطلقاً أنك في مواجهة مع غيرك في حقوقهم، فأنت تدافع عن نفسك ولا تعتدي على أحد. إن الفرد اللبناني ومهما كبر وعظم شأنه وإمكانياته كفرد لا يمكنه أن يحقق شيئاً على هذه الصعد، وبالتالي فهو مدعو للتعبير عن معاناته والدفاع عن حقوقه بالتعاضد مع أهله وزملاءه وجيرانه وهكذا دواليك. إن التيار الوطني يحاول من هذا المنطلق توحيد الرأي اللبناني حول حقوق اللبنانيين كافة وكل واحد منا يجب أن يسأل نفسه عن الإنجازات التي قام بها في هذا الصدد. هل تعاون مع جاره؟ هل ساند فريق لبناني محدد يرى أنه يعبر عن أمانيه وتطلعاته؟ هل أكتفى بدور المتفرج والمنظر؟ هل هو فعلاً مؤمن بأحقية القضية اللبنانية، قضية التحرير، أم أنه مستسلم وقابل بالاحتلال؟ في البداية يجب خلق الخلية المعبرة وبعد ذلك يكبر حجمها فيصبح بالإمكان عمل أشياء والقيام بأعمال أوسع وأشمل وهكذا دواليك حتى تصبح قوة ضاغطة.

ألفت نظركم هنا إلى أن المشروعية لا يمكن لغير اللبناني أن يعطيها لأي حكم في لبنان، والدول بالتالي لا تعطي مشروعية للحكم اللبناني المفروض على وطننا منذ العام 1990، أنا وأنت وكل لبنان له هذا الحق فقط. ولكن مصيبة اللبناني أنه ينصاع ويستسلم للمشيئة الغريبة فيما بالواقع يتوجب عليه وطنياً وإنسانيا رفض ومقاومة هذه المشيئة. المطلوب اليوم من اللبناني ليس حمل السلاح وإنما الالتقاء بمحبة وعن قناعة في إطار من الالتزام مع من يقتنع بحقه والتعبير معاً عن هذا الحق والمطالبة به. أما المطالبة فهي عملية متواصلة وصعبة وتحتاج لوقت وعلم ودراية ووعي وتضحيات وتجرد وثقة بالنفس والأهم إيمان مطلق لا يتزعزع بهذا الحق. إن تحرير الأوطان ليس نزهة أوعملاً تجارياً أو صفقة تنتهي بين ليلة وضحاها، إنه جهد موازٍ لحياة الإنسان، جهد يومي وتكرار دون كلل لهذا الجهد.

قلت في سؤالك أن اللبنانيين في الداخل مفرقين فهل سألت نفسك من يفرقهم؟ إن التيار الوطني يخاطب اللبنانيين في الداخل ويدعوهم للالتقاء حول جذور الإنسان اللبناني لنتساوى جميعاً في الحقوق والواجبات، نحن لا نفرق بين لبناني وآخر، أننا ندعو الجميع للاستماع بموضوعية لخطابنا الوطني لأنه لهم جميعاً وهدفه التحرير واستعادة الكرامة المهانة والقرار المصادر والسيادة المخطوفة. علينا جميعاً محاربة التفرقة وفضح الذين يغذونها وإلا بقيت هي الأساس ولن يكون عندنا وطن. علينا أن نحارب سلمياً من الداخل كما من الخارج لتحقيق الأهداف النبيلة وغير مسموح مطلقاً لأي منا مهما اختلف في الفكر السياسي أن يقع فريسة النزعة الاستسلامية واللبناني بطبيعته مقاوم وعنيد ولا يقبل بالذل والهوان والتاريخ أثبت هذه الحقيقة. أنني أدعو كل اللبنانيين الذين يريدون أن يكون لهم وطن حر وسيد ومستقل إلى المقاومة ومواجهة المشكلة التي فُرضت على لبنان من قبل الغرباء، أدعوهم للمقاومة بشجاعة وتجرد وإعطاء قضية التحرير الأولوية وعدم الإلتهاء بالأمور الأخرى الجانبية ويوم يتحرر الوطن يعاد ترتيب سلم الأولويات. إن التيار الوطني الحر لا يعمل من خلال أحزاب أو طوائف أو مذاهب وإنما من خلال ثوابت وأهداف وطنية جامعة. إنه يعمل لخلق الإطار الشعبي الجامع المعبر والضاغط انطلاقا من مبدأ يقول إن المصلحة اللبنانية لا يفرضها  السوري ولا غير السوري، المصلحة اللبنانية تنبع من إرادة اللبناني الحر، ونحن خلقنا أحراراً وأحراراً سنبقى حتى الرمق الأخير.

 الدول في العالم تعمل لحماية مصالحها والذين لا يقاومون ويستسلمون لمشيئتها يصبحون خداماً عندها وعبيداً لمصالحها وعلينا نحن كشعب لبنان أن نقرر إن كنا نريد أن نعيش كراماً أحراراً أم خدماً وعبيداً. الجميع مدعو للالتقاء حول الخطاب الوطني وتكوين حركة مطلبية تؤسس لوطن وليس لتكريس الواقع الانهزامي التفريقي المفروض على لبنان حالياً.

أطلب من الجالية اللبنانية في كندا أن تتحد وتحدد الأهداف والأولويات وتلتقي بتجرد حول الخطاب الوطني فتصبح قوة ضاغطة ومؤثرة في محيطها لمصلحة تحرير لبنان وكرامة انسانه، كما هو حال الجالية في استراليا.

السؤال السادس:

حضرة العماد لقد تكلمت عن المحبة بين اللبنانيين وعن التعاون وعن الفرقة والتفريق في الداخل وما إلى هناك. هذا وقد لقد لفت نظري في الكثير من المقالات التي تكتبها أو تلك التي تصدر عن مكتب التيار الوطني في كندا اتهام من يختلف معكم في الرأي بكلام أقل ما فيه العمالة والاستسلام والتطبيل والخيانة والخ، فكيف بعد كل هذا تستطيع يا حضرة الجنرال إقناعي أن أسير معكم في تيار تتهمون فيه من يختلف معكم في الرأي بهذه الصفات وهذه النعوت؟

جواب الرئيس عون:

لو كان الاتهام موجهاً إلى من نختلف معهم في الرأي لكنت أنا الآن من رأيك تماماً ولقلت نفس قولك، ولكن بأي صفات يمكنك وأنت الذي تخالفنا الرأي نعت القوى السياسية والأفراد الذين يتحالفون مع الخارج ضد قوى لبنانية في الداخل وبماذا تنعت الذي يأتي بالسلاح والعتاد من الخارج لينفذ مؤامرة في الداخل؟ وبماذا تنعت الذي يتم استئجاره لاغتيال القادة والمواطنين لخدمة مصالح خارجية وبتكليف من جهات خارجية؟ إن الكلمات يا عزيزي تستعمل في مكانها الصحيح ولها مدلول معين ومحدد،  وأنت ونحن لا يمكننا أن نسمي الزانية عفيفة، فإن لكل عمل مسمى ولكل تصرف صفة.

نعم إن من يتآمر مع الخارج فهو عميل والذي يفضل سيادة أخرى على سيادة وطنه خائن ونعم الذي يربط مصير أرض وطنه بأرض أخرى مأجور، ونعم الذي يتنازل عن ثوابت وطنه وكرامته مرذول.

هل سألت نفسك ماذا تعني الخيانة العظمى؟ القضية ليست قضية خلاف في الرأي إنها أعمق بكثير، إنها خلاف على مقومات الوطن. فكيف يمكن لمواطن أن يشارك مواطناً أخرا بالوطن إذا كان هذا الأخير يعمل على بيع الوطن ورهن قراره والتنازل عن سيادته للخارج. المشكلة ليست في أن الأول يريد الوطن اشتراكياً والثاني يريده يمينياً، إن الخلاف ليس على تسمية شارع أو تنظيم مدني. إن من يبيع أسس الوطن لا يختلف معنا في الرأي، بل يخون الوطن وهذا الأمر ينطبق تماماً على من يقول أن وجود الجيش السوري في لبنان ليس خرقاً للسيادة. فالسيادة لو رضيت أنت بذلك الخرق تخسرها بالتراضي، وإن لم تكن راضياً فالخسارة تتم بالقوة وهنا تحفظ حقك.

إن للكلمات معاني فالاستقلال لا يعني مطلقاً التبعية للآخرين، فحتى يقال أنك مستقل عليك أن تكون حراً داخل بلدك تتخذ القرارات التي تحفظ كرامة ومصلحة بلدك والقوانين المرعية وتحترم الدستور وتصون حقوق الشعب وتحمي حدودك وصناعاتك وزراعتك والخ، وعليك أيضاً أن تحترم مصلحة جارك ولكن ليس على حساب مصلحة أهلك وبلدك. أما أن يلتجئ حكام بيروت إلى دمشق لأخذ التعليمات في الشاردة والواردة وينصاعون لما يؤمرون به كالأطفال فإن أعمالهم هذه لها مسميات ليس أقلها التبعية والاستزلام والانبطاح والخيانة. فالمسؤول الذي يبيع الأرض وما عليها من بشر وحجر وينصاع لمشيئة الغريب ويقبل بمصادرة القرار الوطني فهو خائن ولا يمكن إلا أن يسمى إلا هكذا.

إليك مثال صارخ على التبعية والانصياع، ففي أول عهد السيد الحريري اختلف النواب معه لأنهم أدركوا أن مخططاته الإعمارية والاستدانية ستفلس البلد، إلا أن اعتراضاتهم ذهبت مع الريح الشامي، وبمجرد أن تسلموا الفرمان السوري بعدم معارضة الرجل قالوا سمعاً وطاعة وبصموا بالعشرة. ومن منا ينسى يوم وقف السيد عبد الحليم خدام على درج قصر بعبدا متحدياً وقال للجميع بأن الحريري باق في الحكم حتى سنة الألفين وعلى الجميع التعاون معه لتنفيذ خطته الإعمارية؟ فماذا كانت نتيجة الخنوع للقرار السوري؟ ديون لا قدرة للبلد على تحملها ومشاريع غير منتجة وسلم أولويات لغير مصلحة اللبنانيين وسرقات وسمسرات وفضائح وإفلاس والخ. فإذا كانت كل هذه الهرطقات والتعديات والخيانات لا يحق لنا أن نسميها عمالة وتنازل عن السيادة وانبطاح فماذا تسميها أنت؟ إن العميل عميل وهكذا يجب أن يسمى وهو من ينفذ لسوريا أو لإسرائيل لا فرق على حساب مصلحة بلده. فبربك هل يجوز لطائفة لبنانية أن تعقد اتفاقاً مع دولة غريبة ضد طائفة لبنانية أخرى؟ وهل يمكن تسمية من يقوم بهكذا عمل غير خائن.

إن الشجاعة هي في تطبيق العقد الذاتي وتخطي الماضي إلى علاقات جديدة، وإذا لم نسم نحن الأشياء بأسمائها فإننا نكون بذلك قد خنا الأمانة التي سلمنا إياها المواطن بمنحه ثقته لنا. فيوم قلت وعلناً إن السيد الحريري عراب مافيا عالمي وأنه سيحرق لبنان أتهمني أهل الحكم بالتطرف. ترى من الذي يقول عنه حالياً أنه عراب مافيا ودمر لبنان ورهن مستقبل أجياله؟ إنهم أنفسهم الذين قالوا عني متطرف والذين صفقوا له ووقفوا بجانبه. فبقدرة قادر أصبحوا هم الآن الأوادم ونحنا المتطرفين فيما هم وكما يعرف القاصي والداني يسرقون وينهبون الشعب والبلد ويرهنون السيادة والكرامة واتهاماتهم لبعضهم البعض كافية ووافية، وما المحاكمات الجارية حالياً إلا دليل على صحة سياستنا وصواب خطابنا. إن الشجاعة هي في قول الحقيقة في وقتها وليس بعد أن تكون وقعت الواقعة، وما قلناه منذ اليوم الأول لتنصيب الحريري يقال الآن وقد كتبت الكتب عن فضائح الرجل وعن جماعته. الشجاعة في أن تقول ما تؤمن به وأن تحاول تجنب وقوع الخطأ دون خوف أو تستر ومسايرة لأجل مصالح خاصة، فإن مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار. إن من يختلف معنا في الرأي نحترمه ونجله أما الذي يبيع الوطن ويعمل على ضرب أسسه وثوابته، ويقبل بوجود الجيوش الغريبة ويعمل لمصلحتها ضد مصلحة وطنه فهو عميل وخائن.

متابعة للسؤال السادس:

أحب أن أؤكد أن الخلاف في الرأي على أمور تتعلق بمقومات لبنان، أو على ما هو لبنان؟ أو تحديد لبنان الجغرافي، قد أدت في أكثر من مناسبة لاتهام من قبل أطراف تابعة للتيار الوطني الحر للأطراف التي لها نظرة أخرى حول هذه الأمور بالخيانة والعمالة والاستزلام، وكأن هناك محاولة لنقل الحوار من المستوى الثقافي الفكري التاريخي إلى المستوى السياسي. إن هذا بالتحديد ما طرحته وهو أنه عندما يُحول الصراع الثقافي الفكري إلى تراشق بالاتهامات لا يستطيع التيار الوطني أن يكسب المواطن إلى صفه.

جواب الرئيس عون:

أنا أكثر الناس انفتاحاً على الشرق بصورة خاصة لأنني لست وليد بذرة غربية، إن جذوري بالتأكيد عميقة ومتأصلة في الشرق قبل كل الآخرين ولم أقل مرة إن حدود الأوطان تكون بالمطلق نهائية. بل قلت إنني أتمنى أن أكون في وطن عربي كبير واضح المعالم للإنسان فيه احترامه وحريته ضمن أطر القوانين العصرية الحضارية الديموقراطية العلمانية. منذ سنة تقريباً سئلت هل أنت عربي وعروبي؟ جوابي كان إن مسمى عروبي خرج من لبنان والكثير من اللبنانيين وتحديداً الموارنة منهم هم الذين أوجدوا هذا المسمى وأعطوه معناه. ولكن لنحب المسمى هذا أو نرفضه إننا نطالب بإعطائنا عروبة فيها حق الاختلاف والتمايز، فيها احترام للآخر ولمعتقده الديني وفيها احترام كامل للأقليات ولثقافتهم ولحضارتهم، لا إكراه فيها ولا عبودية، بل ديموقراطية عصرية وحريات والتزام بحقوق الإنسان وبالشرع الدولية، وعندها سنقاتل من أجلها ونكون في طليعة المؤيدين لها وليس تبعيين فيها. أؤكد لك أن عقدتنا ليست الانفتاح على الآخرين أكان فكرياً أو سياسياً أو عقائدياً أو جغرافياً أو حضارياً أو تاريخياً، لكننا ضد ما يفرض علينا حالياً بالقوة وهو شيء ليس في إطار عصره. إن فرض أي عقيدة أو هوية أو انتماء أو معتقد ديني أو حتى حدود جغرافية معينة على شعب ما ضد إرادته وتاريخه وثقافته ومعتقده وحريته هو عمل دكتاتوري يذكرنا بما قام به هتلر وستالين وغيرهم من الدكتاتوريين.

إننا طليعيين في المحيط العربي ولكن دون خلط بين ما يفرض علينا بالقوة والإرهاب وبين ما هو جدل فكري راق حول الأرض أو مساحة الوطن. إن للبنان حدود معترف بها دولياً ولكن هذه الحدود قد تصبح مشكلة يوم يتطور الوضع في الشرق الأوسط، يومها أعتقد أنه يجب علينا أن نحترم قواعد التطور من أجل صيانة المستقبل.

السؤال السابع:

لم أسمع منكم أي كلام عن الاحتلال الإسرائيلي وكأنكم موافقون عليه، كما أنني أُلاحظ أنك شخصياً لا تحاول أن تعبئ أفراد التيار الوطني أكان في كندا أو في أوستراليا أو في لبنان ضد هذا الاحتلال، فما هي خلفيات وأسباب موقفكم هذا؟

جواب الرئيس عون:

أولا من حقك أن تطرح أي سؤال تريد ولكن ليس من حقك اتهامي، فأنت بطريقة صياغة السؤال تحكم علي بالنوايا.

صاحب السؤال يرد أنا لا أتهمكم حضرة الجنرال.

تابع الرئيس عون رده فقال:

لا يحق لأحد أن يزايد على مواقف العماد عون أو على مواقف التيار الوطني حول الاحتلال الإسرائيلي للجنوب. نعم الجنوب محتل وهذا الاحتلال يجب أن يزول لتتحرر الأرض والموضوع هذا لا مشلكة لبنانية حوله وبالتالي لا لزوم لأي تعبئة بخصوصه فاللبنانيون جمعياً متفقون عليه. أما الكلام عن الجنوب للمزايدة ولمجرد الكلام فهذا موضوع آخر التيار يرفض الانجرار إليه. إن مواقفنا من الاحتلال الإسرائيلي واضحة لا لبس فيها واتهامنا بالتغاضي عن هذا الأمر فتجني وهروب من مواجهة الاحتلال السوري. أنا شخصياً لي الكثير من المحاضرات والكتابات والمداخلات حول الاحتلال الإسرائيلي لجنوبنا وأيضاً عن الحق الفلسطيني وحق العودة لكل مهجر ومبعد. إن موقفنا أكرر هو واضح من الاحتلال الإسرائيلي وهو كما قلت منته لبنانياً لأن هناك إجماع تام حوله، أما الاختلاف فهو على الاحتلال السوري ولهذا السبب نركز عليه. نعم إسرائيل محتلة لأرضنا ويجب أن ترحل، أما المشكلة الكبرى والمعقدة فهي مع وجود الاحتلال السوري. إن سوريا تحتل لبنان تحت غطاء الأخوة وتصادر قراره بالكامل وتهيمن على حكمه وحكامه وتقوض مؤسساته وتستخف بهويته وتاريخه وحضارته وتهجر أبنائه وتزرع الفرقة بين شرائح شعبه وتعتقل مواطنيه دون وجه حق في سجونها ووتغير ديموغرافيته وتدمر بيئته وتضرب نظامه التعايشي وبديمقراطيته واقتصاده الحر وصناعته وزراعته. هذا الاحتلال يقول البعض من اللبنانيين إنه وجود وليس احتلالاً ولا ينتقص من السيادة. ترى ما هو تعريف الوجود العلمي في هذا المضمار؟  فالوجود العسكري الأميركي في ألمانيا وإسبانيا وبريطانيا وغيرها من الدول له قواعد ومنظم في أطر اتفاقيات تحدده وتحدد مهامه وصلاحياته. فأميركا من خلال وجدودها العسكري في تلك البلاد لا تتدخل مطلقاً في شؤونها الداخلية ولا في صناعتها ولا في انتخاباتها ولا في سياستها الخارجية ولا تعتقل مواطنيها وتنقلهم إلى سجونها ولا تسمح للملايين من العمال الأميركيين بالهيمنة على أسواق عملها ولا تقيم الحواجز العسكرية على مفارق طرقها وفي مدنها ولا تقيم تماثيل للقيادات الأميركية في ساحاتها ولا تحمي اللصوص والمفسدين وتضع صور رئيسها في مطاراتها ولا تبعد قياداتها والخ. أما الوجود السوري في لبنان فهو مختلف لأن سوريا تهيمن على البلد بالكامل وتحكمه مباشرة من خلال واجهات لبنانية. هذا ما نركز عليه وهذا ما نعارضه وإننا ندعوا اللبنانيين ليجمعوا عليه كما هم مجمعون على الاحتلال الإسرائيلي. هذا هو موقفنا من الإحتلالين ونحن ضدهما بكل فخر واعتزاز وعلى المكشوف. إن ما نريده من سوريا أن تكون في سوريا ومن إسرائيل أن تكون في إسرائيل ولبنان فقط في لبنان دون سواه، فهل في هذا ما يُعيب؟ إن المعيب أن يتغاضى البعض عن الاحتلال السوري ويتملقه ويخدم مصالحه ويركز فقط على الاحتلال الإسرائيلي بهدف المزايدة وللهروب من مواجهة الاحتلال السوري. إننا نرفض أن يكون لبنان كوندومنيوم تحت سيطرة إسرائيل من جهة وسوريا من جهة ثانية، فهناك تفاهم سوري إسرائيلي حول احتلالهما للبنان وكلامي هذا مبني على حقائق وليس على فرضيات. تقول بأنني لا أعبئ ضد إسرائيل، السؤال هنا هل كان بإمكان سوريا أن تكون في لبنان لو لم يكن هناك تفاهم تام وكامل بينهما، والذي يجهل هذه الحقيقة فإما لا يتابع الأحداث أو أنه لا يريد أن يعرف. إن الاتفاق السوري الإسرائيلي الذي دخلت سوريا إلى لبنان بموجبه يتضمن عدة شروط منها:    

1-     عدم قيام سوريا بأي عمل ضد إسرائيل انطلاقاً من أماكن تواجدها في لبنان.

2-      عدم استعمال الطيران السوري الحربي للأجواء اللبنانية فيما يباح استعماله ودون قيود للطيران الحربي الإسرائيلي. أما المرة الوحيدة التي سُمح فيها للطيران الحربي السوري بدخول الأجواء اللبنانية فكانت يوم قامت سوريا بقصف قصر بعبدا لإسقاط الحكومة الشرعية سنة 1990 يوم كنت فيه، بموافقة وإشراف إسرائيلي.

3-      عدم قيام البحرية السورية بدوريات على الشواطئ اللبنانية فيما يسمح بذلك للبحرية الإسرائيلية.

4-      عدم تعرض سوريا وإسرائيل لبعضهما البعض فوق الأراضي اللبنانية. وهذا الاتفاق طبق حرفياً وما زال معمولاً به، والقوات السورية الموجودة في لبنان لم تتصدى ولو مرة واحدة  للجيش الإسرائيلي خلال اعتداءاته الجوية والبرية والبحرية المتكررة والمستمرة على لبنان، علماً أن سوريا فرضت على لبنان من ضمن العديد من الاتفاقات الجائرة اتفاقية دفاع مشترك بقيت حبراً على ورق. فلا هي نفذتها خلال عملية تصفية الحسابات ولا خلال عملية عناقيد الغضب ولا خلال أي تعد إسرائيلي على لبنان وما أكثر التعديات، إن رصاصة سورية واحدة لم تطلق من لبنان على الجيش الإسرائيلي فكفانا تكاذب ودجل على بعضنا البعض. إن سوريا تريد تحرير الجولان عن طريق جنوب لبنان وهنا أتحدى السوريين أن يعلنوا عن تفاصيل الاتفاق الذي تم من خلال وزير الخارجية الأميركية هنري كيسنجر عام 1974 حول الجولان. إن من يجهل الحقائق لا يحق له اتهام الآخرين بمواقفهم والتيار الوطني الحر مواقفه الوطنية واضحة ولا نقبل بأن يزايد علينا أحد بقضية الاحتلال الإسرائيلي. إن أي مواجهة للحوار البناء المبني على الحقائق تكون محلها يوم يتجرأ أي مسؤول سوري كبير أن يحاورني علناً من خلال برنامج تلفزيوني يبث مباشرة دون أي نوع من الرقابة ويومها يمكنكم سماع الأخذ والرد حول هذه المواضيع الحساسة.

السؤال الثامن:

هل إسرائيل موجودة في لبنان بطلب من سوريا؟

جواب الرئيس عون:

إن سوريا وإسرائيل متفاهمتان تماماً على تواجدهما الاحتلالي في لبنان والاحتلال الإسرائيلي ليس بمشكلة لسوريا. ففي كل مرة تعرض إسرائيل الخروج من الجنوب والبقاع العربي وتطلب من سوريا ضبط الوضع ترد سوريا بأنكم أنتم الإسرائيليون مسؤولون عن الوضع في الجنوب اللبناني. إن هذا الأمر كان واضحاً للغاية في الجدل الذي دار مؤخراً حول القرار الدولي 425. وإلا ماذا يزعج سوريا لو انسحبت إسرائيل من لبنان وتسلم اللبنانيون الأمن على أرضهم؟ وهل فعلاً أن مسؤولية تحرير القدس وباقي فلسطين هي مسؤولية حزب الله الموجود في جنوب لبنان؟ فأين الدول العربية والإسلامية التي تطالب وباستمرار بتحرير القدس ومنذ 25 سنة؟ وهل أُطلقت رصاصة واحدة ضد إسرائيل من الجولان المحتل ليشعر اللبناني أن سوريا معنية بالواقع بتحرير أرضه؟

السؤال التاسع:

إن لبنان وكما نعلم يعاني من العديد من المشاكل وحلها يأتي طبقاً لسلم أولويات، والأولوية هي لتحرير الجنوب. إلا تعتقد أنه في حال تم حل مشكلة الجنوب يمكننا بعدها وبهدوء الالتفات إلى باقي المشاكل في الداخل؟

جواب الرئيس عون:

لنفترض أنك على حق، فمن هو الذي يمانع في حل قضية الجنوب؟

جواب  السائل وسؤال أخر على صلة بالسؤال السابق نفسه:

أرى أن المقاومة في الجنوب اللبناني هي الموجودة وحدها في الساحة فيما يجب أن نكون كلنا معها يداً واحدة، وبالطبع هذا شيء غير حاصل على الأرض، فلماذا؟

جواب الرئيس عون:

إن لكل مقاومة هدف لأنها ليست فقط هدر دماء وزيادة في عدد الضحايا. إن الهدف من المقاومة في لبنان هو تحرير الجنوب، وعندما تقبل إسرائيل بالقرارات الدولية وتعرب عن استعدادها لتنفيذها والانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة فهذا يعني أن المقاومة بلغت حدها وحققت أهدافها. السؤال هو لماذا لا يتم التفاهم مع إسرائيل حول الانسحاب وتنفيذ القرارات الدولية؟ وأنا كوني خارج السلطة لا يمكنني الجواب، إن المطلوب من أحد الرسميين في الحكم في بيروت توضيح هذا الأمر. أنا شخصياً اطلعت على العرض الإسرائيلي الأخير وهو صحيح وجاء عن طريق الأمم المتحدة، ولكن سوريا فرضت إرادتها على لبنان وأجبرته على تبني هرطقة تلازم المسارين، وهذا يعني ببساطة متناهية التضحية بلبنان من أجل مصلحة سوريا. ولكن لو أرادت سوريا فعلاً وقولاً تلازم المسارين فلتتفضل وتفتح جبهة الجولان أمام المقاومة أسوة بجبهة الجنوب اللبناني. أنا معك الأولوية يجب أن تكون لتحرير الجنوب ولكن يجب أن تعرف ويعرف كل لبناني أن ربط الجنوب بالجولان لن يؤدي إلى تحرير الجنوب والبقاع الغربي لأن للجولان وضعاً إسرائيلياً خاصاً وقرارات دولية غير تلك الخاصة بالجنوب اللبناني هي القرارين 338 و 242 فيما الوضع في الجنوب محكوم بالقرارات 425 و426 و520 . والقرارات هذه مختلفة كلياً عن بعضها البعض ودمجها القسري المفروض من قبل سوريا على حكم بيروت لن يوصلنا إلى أية نتائج عملية على الأرض ولن يتحرر الجنوب.

السؤال العاشر: حضرة الجنرال ما هو الفرق بين التيار الوطني الحر والحزب؟ وكيف يمكن تنفيذ المشروع الوطني من دون أحزاب، وقد برهنت التجربة أنه بغياب الدور الحزبي غابت السيادة في لبنان؟

جواب الرئيس عون:

إن الأمر في منتهى البساطة فكل من يريد استرجاع الوطن المسلوب وتحريره يمكنه أن يكون في التيار الوطني الحر وليس بالضرورة أن يكون يمينياً أو يسارياً لأن المشكلة الحالية ليست في نوعية النظام، ولكن في أن الوطن غير موجود. فمقومات الوطن من سيادة واستقلال وحرية وسلامة أرض ووحدة شعب ودستور ومؤسسات دستورية وسياسة خارجية مستقلة وحقوق وغيرها كلها مغيبة وغير موجودة بظل الاحتلال وحكم الواجهات. إننا في مرحلة تأسيس وطن والتأسيس يتم بالتعاون مع جميع اللبنانيين الذين  يريدون عودة الوطن والكرامة ولهذه الغاية النبيلة فإننا نتعاون حتى مع الذين نتنافس معهم سياسياً.

إن اليمين واليسار عادةً يتنافسان ديموقراطياً على نوعية النظام في ظل وجود وطن ودولة واستقلال والكلمة الفصل تترك للشعب ليختار. أما في وضعنا الحالي فالأولوية هي للتحرير ضمن الطرح الوطني البعيد عن أطر الأحزاب ولهذا لا أطلب من الذين في التيار الوطني أن يكونوا يمينيين أو يساريين، أطلب منهم أن يعملوا للتحرير، ويوم يتحرر لبنان وتخرج منه الجيوش الغريبة ويستعاد الوطن بكل مقوماته، يومها يصبح العمل الحزبي مقبولاً لمن يريد، وربما خرج عندها الكثير من أفراد التيار ليؤسسوا أحزاباً أو ليلتحقوا بأحزاب قائمة فهذا الأمر متروك لهم. بعد التحرير يصبح التنافس على نوعية النظام عملاً مقبولاً ويكون للأحزاب دوراً رئيسياً في التنافس الديموقراطي هذا. الأحزاب بحسب تقديري هي مرحلة لاحقة، مرحلة ما بعد التحرير يوم تصبح الحريات مؤمنة والقرار غير مصادر والشعب له كلمته في ظل نظام ديموقراطي.

إن الأحزاب الموجودة حالياً على الساحة اللبنانية هي أحزاب مفككة ومقسمة ومشرذمة وتستعمل أداة من قبل المحتل لفرض هيمنته على البلد، والأحزاب هذه معظمها ممثل في المجلس النيابي المعين، فأي دور تقوم به داخل المجلس أو خارجه وأي حزب منها يطالب بخروج السوري ويقر بأن الحياة الديموقراطية في البلد معطلة؟ وأي حزب لم يصبح أحزاباً تتسابق لنيل رضى الوالي السوري؟ حتى أن سوريا جمعت كافة الأحزاب هذه في بوتقة واحدة وتحت سقف واحد، ولم يعد هناك فرق بين الحزب البعثي وأي حزب يميني في الممارسات على الأرض. فهل سمعت ولو مرة أن حزباً ما يدافع عن قضية وطنية تتعارض مع تطلعات السوري؟ إن ما يجري في لبنان يتم من فوق الأحزاب لأنهم مع الأسف الشديد مسيرون ومغيبون وأمسوا أداة طيعة في يد السوري لتركيع اللبنانيين.

السؤال الحادي عشر:

صحيح أن الدور الحزبي مغيب حالياً في لبنان، إلا أن كافة أهداف وطروحات التيار الوطني الحر هي تكرار لتلك التي نادت بها الأحزاب في السابق، فكيف تفسر هذا الأمر وبماذا يختلف إذاً التيار عن الأحزاب؟

جواب الرئيس عون:

إن الحقيقة واحدة أبدية سرمدية لا تتغير، ومن يريد أن يعرض عليك أهداف وطروحات جديدة في الشأن الوطني والسياسي فهو بالتأكيد غير صادق. إننا في التيار نعمل من أجل استرداد السيادة والاستقلال والقرار الوطني وخروج القوى الغريبة والمساواة بين الناس واحترام حقوقهم، فإذا كنت قد سمعت نفس الطروحات هذه من قبل الأحزاب فلماذا لم تلتزم تلك الأحزاب بما نادت به؟ الفرق بيننا وبين الأحزاب أننا ملتزمون قولاً وفعلاً بما ننادي به ونحن نرفض المشاركة في السلطة على أساس التبعية والتنازل وفي ظل الاحتلال وحكم الواجهات، أما الأحزاب فهي إما تعترف بالنظام أو تشارك فيه أو تهادن وتتملق. إن من يطرح الأهداف ويلتزم بها أو يتخلى عنها طبقاً للمصالح الشخصية والآنية فهو يخدع الشعب ولا يعمل في الشأن الوطني، بل في التجارة السياسية. إن التيار الوطني الحر لم يخدع أحداً، لا في البداية ولا الآن وبالتأكيد ليس في المستقبل، وهو لم ولن يتنازل عن ثوابته وبإذن الله مستمر في مقاومته وفي رفض الأمر الواقع المفروض بالقوة إلى أن يتحرر لبنان.

السؤال الثاني عشر:

لقد كنت في موقع القرار يوم تم توقيع اتفاقية 17 أيار بين لبنان وإسرائيل في عهد الرئيس الشيخ أمين الجميل، فهل تعتقد أن الاتفاق هذا كان لمصلحة لبنان؟

جواب الرئيس عون:

لم أكن في موقع القرار يوم تم التوقيع على اتفاق 17 أيار، كنت ضابطاً في الجيش، قائداً لوحدة عسكرية، وهو موقع غير سياسي.

السؤال الثالث عشر:

أنا ابن لبنان وإن كنت مغترباً في الوقت الراهن، وأنا أيضاً ابن عسكري وقد عشت الحرب اللبنانية وويلاتها. سؤالي هو هل كان هناك ضرورة وطنية لحرب التحرير التي أعلنتها ضد الجيش السوري في لبنان وقد أوقعت الكثير من الضحايا وتسببت بدمار كبير في العاصمة بيروت وضواحيها؟

جواب الرئيس عون:

إن الحسابات في الأمور الوطنية تختلف كلياً عن الحسابات في الأمور التجارية، والربح والخسارة أمور مهمة في الشأن الوطني إلا أنها ليست بمفردها التي تملي على القيادات قراراتها في مراحل حرجة من مراحل تعرض الأوطان لخطر الزوال والاحتلال. لقد وضعنا في موقع لم يكن لدينا فيه الكثير من الخيارات وكلها مر، الاستسلام أو المقاومة. الاستسلام كان سيؤدي إلى ضياع الوطن والحقوق وفقدان السيادة والكرامة والقبول بالذل والهوان طوعاً وبالتراضي. أما المقاومة ومع أن أكلافها كبيرة فهي واجب وإن لم تؤد إلى تحقيق هدف التحرير فهي حفظت لنا حقوقنا وسجلنا للتاريخ بأننا لم نتنازل عنها طوعاً  ولم نتخل عما هو لنا دون مقاومة، وحرب التحرير، نعم، لقد كانت ضرورية، أقول وبكل راحة ضمير نعم لقد كانت ضرورية، فقد حافظنا من خلالها على المطالبة بحقوقنا ولم نتنازل، ولذلك فرضت القوة علينا أمر واقع ما زلنا نرفضه ونعمل على تغيره، لقد أثبتنا للعام كله أننا لم نبع وطننا وقد دافعنا عنه ببطولة واستماتة وإن كنا لم نربح الجولة تلك فالحروب كما تعلم جولات ومن لا يخسر لا يربح. المهم أننا قاومنا ونحن فخورين بما قمنا به، وإن وضعنا اليوم في نفس الموقع ونفس الظروف فإننا سنكرر نفس العمل. نعم لقد سقط ضحايا ونتج عن المواجهة دمار ولكن من قال أن المقاومة تتم دون أثمان وأثمان غالية؟

السؤال الرابع عشر:

أتعتقد أن الجيش اللبناني ويوم كان يقصف على المنطقة الغربية من بيروت كان يقاوم الوجود السوري في لبنان، أم أنه كان يقتل شعب لبناني متواجد على خطوط التماس في القسم الغربي من بيروت؟

جواب الرئيس عون:

أعتقد أن صيغة طرح السؤال خاطئة، وقد طُرح علي نفس السؤال وأكثر من مرة في لبنان، وأنت بالتأكيد لم تطلع على أجوبتي. فيوم قُصفت الأونسكو في بيروت الغربية طالب الدكتور سليم الحص بلجنة عربية للتحقيق وتحديد الجهة التي قامت بالقصف، أهي الجيش اللبناني أم غيره. لقد وافقت على الطلب فوراً وأصريت على ضرورة معرفة الجهة التي ارتكبت جريمة القصف وإعلانها للناس لأن القذائف التي أصابت الأونسكو مرت من فوق المناطق الشرقية ووقعت في المنطقة الغربية واتُهم الجيش اللبناني بإطلاقها، إلا أن الحص تراجع عن طلبه بضغط من السوري. من في لبنان يجهل أن السوري كان يقصف على المنطقتين الشرقية والغربية لتأجيج الاشتباكات؟ إننا كجيش لبناني بريئين من قصف بيروت الغربية وبريئين من دم الشهداء الذين سقطوا هناك بنتيجة القصف السوري. إنه وفي المرات القليلة التي كنا نضطر فيها لقصف مواقع عسكرية في بيروت الغربية كنا نحذر الناس علناً ومن على محطات الإذاعة والتلفزيون.

السؤال الخامس عشر:

هل ما هو محلل للعرب محرم على اللبنانيين وتحديداً على الجنوبيين في لبنان؟  إن كل العرب، مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية وباق الدول العربية إما اعترفوا بإسرائيل وإما في طريقهم إلى ذلك وهم يفتتحون لها المكاتب  والسفارات في عواصمهم، ومع هذا لم نسمع أي كان يُسمي هؤلاء خونة أو عملاء؟ فلماذا إذاً ابن الجنوب اللبناني الذي أجبر على التعايش مع الاحتلال الإسرائيلي يُسمى خائناً وعميلاً ويُحمل مسؤولية احتلال أرضه؟ وهل يُعقل أن يحاكم المئات من أبناء الجنوب بتهم الخيانة فيما العرب كل العرب يتصافحون ويتحادثون ويفاوضون الإسرائيلي.‎؟ ما هو موقف العماد عون من هذه الهرطقات؟

جواب الرئيس عون:

إن للخيانة مواصفات علمية محددة وقد أوردتها في بداية هذا اللقاء، فمن تنطبق عليه هذه المواصفات يجب أن يحاكم وهذا أمر لا ينطبق فقط على اللبناني المقيم في الجنوب حيث أرضه محتلة ودولته متخلية عنه وتتاجر بمستقبله وهو ومجبر أن يدافع عن نفسه ويؤمن لقمة عيش عائلته، بل ينطبق وبشكل أشمل على طاقم السياسيين الذي قبل أن يقوم بدور الواجهة للمحتل وتحديداً أهل الحكم. إن كل من يتعاون مع دولة أجنبية أو أية قوى غريبة ضد أهله ومواطنيه أو يبيع أرضه ويتنازل عن كرامته فهو خائن ويجب أن يحاكم. التشديد القضائي لا يجب أن يُحصر بسكان الجنوب وإنما يجب أن يشمل كل اللبنانيين الذين يتعاملون مع الغريب ضد الوطن وضد أسسه. أما لماذا هو محرم على ابن الجنوب ما هو محلل لباقي العرب فلأن الدولة اللبنانية متخلية عن الجنوب وعن أهله وقد ربطت مصيرهم ومصير أرضهم بمصير أرض الآخرين والأهم لأن الدولة واجهة للغرباء تنفذ لهم ما يريدون دون أي اعتبار للقضايا اللبنانية، وهذا وضع شاذ لن يتغير ما دام لبنان محتلاً وقراره مصادراً، الجواب والحل هما في التحرير.

السؤال السادس عشر:

هل هناك أي مساعي لإحياء دور التجمع الوطني اللبناني الذي كان يضمكم والرئيس أمين الجميل والسيد دوري شمعون؟

جواب الرئيس عون:

إن التيار الوطني الحر هو تجمع وطني قائم بحد ذاته كونه غير سياسي وبإمكان أي لبناني يؤمن بضرورة وحتمية تحرير الأرض أن ينخرط في صفوفه والتجمع الوطني أنشىء على هذه الأسس ولكن وبعد أن كثرت الفروقات بين قادته لجهة التصرف ارتأينا أن ما يحدث يشكل خطراً على الأسس الوطنية للتيار فاضطررت أن أوقف دورنا في التجمع. إن التعامل والتعاون مع السلطات المنصبة في لبنان هو ضد الأسس التي يقوم عليها التيار علماً أن الطرف الآخر يعتقد أنه على صواب بما يقوم به في هذا النطاق، والأيام وحدها ستثبت من منا كان على خطأ ومن كان على صواب. وللرد على سؤالك أقول للأسف لم يعد هناك وجود للتجمع الوطني، أما التيار الوطني فهو باق وثابت على مواقفه ومن يحب أن يشاركنا نضالنا بناءً على ثوابتنا الوطنية فأهلاً وسهلاً به. إن قلوبنا مفتوحة وأيدينا ممدودة بصدق للجميع، فنحن ليس عندنا عُقد من أحد وليس عندنا فيتو على أحد ومعيارنا الوحيد هو الشأن الوطني. إن التيار الوطني الحر لا يسعى للمشاركة في السلطة القائمة علماً إننا دعينا وندعو دائماً لهذه المشاركة وقد رفضنا لأننا نرفض المشاركة في حكم لا قرار ولا سلطة له، حكم واجهات لا أكثر ولا أقل. أما مشاركتنا في الحكم فستكون يوم يتحرر الوطن ويُسترد الاستقلال وتخرج القوى الغريبة، ويوم يصبح بقدرة الشعب وعن طريق الانتخابات الحرة اختيار من يمثله في الحكم دون إرهاب وتداخلات.  إن ما يقوم على سراب هو زائل وكل ما يقوم في لبنان دون رضى الشعب لا يمكن أن يستمر. إن المشكلة اللبنانية ما زالت دون حل وهي معلقة منذ 13 تشرين 1990 وسوف تبقى هكذ1 إلى أن يعود إلى الحكم من يثق به الشعب. إن كل من يعتقد ولو للحظة أنه وفي ظل الوضع القائم مدعو للمشاركة في الحكم فهو بالتأكيد متوهم لأن الدعوة هي للتصفيق فقط وليس للمشاركة. 

السؤال السابع عشر:

إن مُسمى التيار الوطني الحر يخلق بعض الالتباس، فإذا كان لجميع اللبنانيين كما تقولون، فلماذا إذاً هو محصور في لبنان وفي بلاد الانتشار على فئة معينة من اللبنانيين دون سواها؟

جواب الرئيس عون:

إن خطابنا وطني وهو للجميع ولدينا مناصرين من مختلف الشرائح اللبنانية ومن كافة المناطق وفي جميع بلاد الانتشار. أما نسبة المناصرين في بعض المناطق وخصوصاً الإسلامية منها قد لا تكون مرتفعة وهذا ليس خطأنا، ولكن عندنا مراكز ثابتة في طرابلس وسير الضنية وباقي المناطق اللبنانية وفي قيادتنا الكثير من المسلمين. قد يكون وجود المسلمين في التيار لا يساوي وجود المسيحيين عددياً إلا أنهم موجودون وبقوة ونحن فخورون بذلك. أما الأسباب فقد تكون موروثة كما أن الكثير من اللبنانيين أكانوا مسلمين أم مسيحيين لا فرق لم يطلعوا على خطابنا الوطني بما فيه الكفاية أو أنهم يأخذون المواقف استناداً إلى ولاءات عائلية أو مناطقية أو مذهبية كما أن الكثير منهم لديه معتقدات مسبقة ولا يحاول تصحيحها أو تبديلها. علماً أن البعض يبنون آرائهم على ما يقرأون في الصحف أو يسمعونه من محطات الإذاعة والتلفزيون وأنت أدرى بحال الإعلام المسير في لبنان حالياً وبالدور الاستسلامي الانهزامي الذي يسوق له الإعلام. ولكن وبالرغم من كل الصعوبات فإن الأمور بتحسن والتيار ينفلش ويتوسع أكثر وأكثر وقد يكون التنظيم الوحيد حالياً في لبنان الذي له وجود ولو نسبي على كافة الأراضي اللبنانية ومن كافة الشرائح ولنا ممثلين رسميين في كافة المناطق. أنا لا أنكر أنه قد يكون هناك بعض التحفظ عند المسلمين، ولكن هذه مشكلتهم وليست مشكلة التيار كون خطاب التيار وطني صرف لا طائفية ولا مذهبية ولا مناطقية فيه وهو ليس ضد أحد ولا يتآمر على أحد وما يطالب به ويسعى إلى تحقيقه هو للمسلم وللمسيحي على حد سواء ونحن ليس عندنا عقدة كون المسلمين ليسوا معنا بنسبة كبيرة فأنا شخصياً كباقي قيادات التيار لم نقم بأي عمل ضد المسلمين لا في الماضي ولا في الحاضر وليس عندنا أي نوايا مخفية أو باطنية مستقبلية ضدهم وبالتالي فأي تحفظات عندهم لجهة الدخول في التيار موروثة كانت أو غير موروثة فهي مشكلتهم وليست مشكلتنا.  

السؤال الثامن عشر:

دولة الرئيس سوف اعتذر منك ومن الحاضرين أولاً لأن سؤالي قاس ولكنه يحاكي الحقيقة والواقع اللذين نعيشهما في لبنان، فأنا شخصياً ليست لدي مشكلة مع الإسلام كدين ولا مع المسلم كمسلم، ولكن عندي مشكلة، ومشكلة كبيرة جداً في العيش مع المسلم في لبنان كشريك في الوطن بعد ما فعله سنة 1860  و سنة 1958 وسنة 1975 وسنة 1990 وهو مستمر في نهجه هذا ودائما نحن وهم وكما يقول المثل " دبي وعصري". سؤالي متى سنصل إلى قناعة بأننا لن نتمكن من بناء وطن واحد معهم؟

جواب الرئيس عون:

قبل أن أجيب على سؤالك بشكل مباشر أود أن أشير إلى أنني ومنذ حزيران الماضي أقوم بمجهود كبير لفتح تحقيق دولي حول الجرائم التي ارتكبت في لبنان خلال حروب الآخرين على شعبنا تحت غطاء الطائفية والدين. إنني أحاول إقناع الجهات الدولية المعنية تشكيل لجنة دولية للتحقيق في الحرب اللبنانية وكل ما شهدتها من فظائع وتعديات طاولت كافة المناطق وكل اللبنانيين، أرجو من أبناء الجالية في كندا دعم هذا الطلب وهو سوف يكون متوفراً لمن يريد توقيعه على شبكة الإنترنت. نريد تشكيل لجنة دولية لتقصي أسباب الحرب ومعرفة الذين أشعلوها واستغلوها وشاركوا فيها بكافة مراحلها وبالطبع الجهات الدولية والإقليمية التي وقفت وتقف وراءها. أما جوابي على السؤال فهو أن الحروب في لبنان لم تكن يوماً بين المسلمين والمسيحيين ولم تكن يوماً إلا حروب الآخرين على لبنان واللبنانيين. أنا أرفض بقوة وعن قناعة تامة تحميل المسلمين أو المسيحيين مسؤولية كلية وإجمالية للجرائم الإنسانية التي ارتكبها مسلمون ومسيحيون على حد سواء. إن الأفراد أكانوا مسيحيين أم مسلمين لا فرق ارتكبوا الجرائم واستعملوا من قبل اللعبة الدولية ومن الإعلام لتخويف اللبنانيين من بعضهم البعض وتصوير الحرب على أنها بين الطوائف.

أنا شخصياً ترعرعت في الضاحية الجنوبية من بيروت، في بلدة حارة حريك، حيث يعيش المسلم إلى جانب المسيحي، ومن ثم كانت نشأتي بين مسلمين ومسيحيين في المدرسة وفي الكلية العسكرية وفي خدمتي الطويلة في الجيش، وعلى كافة الأراضي اللبناني في عكار والهرمل وبعلبك وراشيا وصيدا وبيروت وغيرها من المناطق، ولم أشعر يوماً أن لدي مشكلة مع المسلم لأنه لا يوجد في فكري أو نفسي أي خوف وهمي منه. إن الإنسان إنسان مهما كان انتمائه الديني أو لونه وعندما تخاطبه وتتعامل معه كإنسان له كرامته واحترامه فلا بد أن يتجاوب معك كإنسان ويبادلك الجميل بأحسن منه. أطلب منكم أن تضموا صوتكم لصوتي لنعرف حقيقة الحرب اللبنانية من خلال لجنة تحقيق دولية فنزيل الخوف الوهمي المزروع في نفوسنا ونتعامل مع بعضنا البعض كلبنانيين وليس كطوائف. علينا أن نحب بعضنا البعض ويحترم كل منا الآخر ويحترم الاختلاف ما بيننا والقرآن الكريم قال لو أراد ربكم لجعلكم أمة واحدة. إن الذين ارتكبوا الجرائم خلال الحرب كانوا ضمن خلايا تكونت ومُولت وسُلحت من قبل الخارج لخلق أجواء التوتر والفرقة بين اللبنانيين، وإن كان عناصر هذه الخلايا من المسلمين أو المسيحيين فهذا لا يعني مطلقاً إن كل المسلمين وكل المسيحيين يتحملون مسؤولية ما قام به هؤلاء القتلة. علينا جميعاً أن نكشف تلك الخلايا ومن يقف ورائها لأنها جزء من لعبة دولية إقليمية ضد لبنان واللبنانيين. على كل لبناني أن يعي هذه الحقيقة لأن من يجسد للبناني المسيحي أن المسلم هو الخطر أو العكس هو الغريب والمأجور الذي لا دين ولا ولاء له إلا لمصالحه الذاتية.

إن الدين الإسلامي اتساع لكل العالم ودعوته هي للإيمان والاعتراف بالآخر، والمسيحية دعوتها المحبة والتآخي والتعايش والانفتاح والشهادة للحق، وبالتالي فإن المشكلة في لبنان وبين اللبنانيين ليست مسيحية إسلامية. إننا بالواقع لا نرى الحقائق ولا نتعامل معها كما يجب، كما أننا لا نجرؤ على تشخيص المرض وإن شخصناه فلا نعالجه. والآن سوف أعطيك بعض الوقائع لأثبت صحة ما أقول، فالكل يتذكر السيارات التي كانت تُفجر في بيروت الغربية وفي بيروت الشرقية على حد سواء والأعمال الإرهابية والجرائم والمذابح التي كانت ترتكب في المنطقتين بحق المواطنين، فهل منكم من يتذكر أن واحداً من "البابازات" القتلة في الشرقية أم في الغربية استنكر ولو مرة واحدة تلك الجرائم؟ بالطبع لا. إن الجريمة لا دين ولا هوية لها وكذلك المجرم. إن بعض الصور التي كانت تعرض خلال الحرب من على شاشات التلفزيونات في الشرقية والغربية لمواطنين قُتلوا أو شُوهوا أو عذبوا ويقال أنها لمسلمين أو لمسيحيين كانت في أكثر الأحيان هي نفس الصور ومن نفس المصدر الخارجي أو الإقليمي وتعرض لدى الطرفين تحت عناوين وأسماء مختلفة، اللعبة مكشوفة ولكن للذين يريدون معرفة ورؤية الحقيقة.

إن المؤامرة على لبنان لم تكن وليدة ساعتها فقد تم التحضير لها سراً، وأنا أتحدى أن تكون أي جهة دولية أو إقليمية قد أشارت إلى حدوث حرب أهلية في لبنان قبل 13 نيسان 1975.  أنه وفجأة وبعد حادثة "بوسطة عين الرمانة" سنة 1975 بدأت كافة وسائل الإعلام الدولية والإقليمية تقول أن في لبنان حرباً أهلية بين المسلمين والمسيحيين مما يبين بوضوح ما كان يُخطط في الخفاء. لقد كنا وما زلنا ضحية لمؤامرة دولية إقليمية كبيرة والتركيز المنظم على ما يُنسب للمسلمين والمسيحيين من أعمال إجرامية استفزازية هو للإلهاء والتمويه وشحن النفوس بالحقد والكراهية وإيجاد شرخ بين اللبنانيين يتمكن من خلاله الغريب من تنفيذ أهدافه. إنه من واجبنا جميعاً أن نكشف المؤامرة وندعم طلب تشكيل لجنة دولية للتحقيق في كل ملابسات الحرب اللبنانية. إننا جميعاً بشر متساوون لا فرق بيننا من الناحية الإنسانية والباقي زوائد لا تقدم ولا تؤخر.

إن الرب سبحانه تعالى هو الكلية المطلقة ويمكن للإنسان أن يعبده كيفما يشاء وتحت أي أسم يريد، والأديان كافة تعترف بشمولية الرب الذي هو للجميع وليس لفئة أو لدين معين وليس له حزب وهو خلقنا على صورته ومثاله وميزنا عن كافة المخلوقات وأعطانا العقل والبصيرة لنفرق بين الأشياء ونختار بين الشر والفضيلة.

السؤال التاسع عشر:

إن لدى كل لبناني أصيل هدف أساسي وثابت يتمحور حول تحرير لبنان واسترداد استقلاله وتوحيده. إننا كطلاب لبنانيين في بلاد الاغتراب وخلال سنوات سنتخرج أطباء ومهندسين ومحامين وسياسيين والخ. نريد أن نعرف من وجهة نظركم واعتماداً على خبرتكم كيف يمكننا أن نشارك حالياً في بناء لبنان. فهل هذا الأمر ممكن من خلال الحكم القائم وعن طريق المشاريع التي تنفذ هناك والاتفاقات التي تتم بين لبنان الحكم والخارج؟ أو أنه يجب أن نبقى معارضين وغير مشاركين في أي عمل، وهل إذا تابعنا المعارضة هذه سيفوتنا القطار كما يقولون؟  وأخيراً هل يجب تحسين لبنان اقتصادياً ومن ثم سياسياً أم العكس؟

جواب الرئيس عون:

إن هدف التيار الوطني الحر في ظل الظروف الحالية الاحتلالية والتبعية المفروضة على لبنان ليس المشاركة في السلطة بأي شكل من الأشكال، ومن يعتقد أننا ندعو للمشاركة في السلطة فليصحح معلوماته لأننا نرفض المشاركة في السلطة القائمة. أما من يتوهم من اللبنانيين أنه مدعو للمشاركة في الحكم فإنه بالتأكيد لم يفهم فحوى الدعوة لأنها بالواقع دعوة للتصفيق وللبصم لما هو مفروض من قبل الخارج وليس دعوة للمشاركة الفعلية في القرار. إن لبنان الحكم هو واجهة للعبة دولية وإقليمية ضمن لعبة الستائر أو الواجهات، واجهات وستائر لبنانية والقرار غير لبناني. إن المشاركة كما تتم حالياً هي عملية محاصصة على الفتات المتروك للبنانيين ضمن سقف محدد ونحن في التيار لسنا والحمد لله أصحاب محاصصة، وما تعودنا التلهي بالفتات، كما أننا لسنا سلعة معروضة للبيع، ولا ثمن لنا كما للآخرين. إن ما نريده وما نسعى إليه هو القضية اللبنانية، قضية استعادة الوطن المسروق من قبل الأشقاء والغرباء والمتعاونين. نريد استعادة الوطن لنشع في محيطنا لأننا لسنا ضده فنحن منه وعلينا التفاعل معه، ونحن لا نقيس نجاحنا بمشاركتنا في الحكم القائم من عدمه، وإنما بقربنا من تحقيق أهدافنا لاستعادة السيادة والاستقلال والقرار الوطني الحر وخروج كافة القوى الغريبة من وطننا. علماً أننا سنكون على استعداد للمشاركة في الحكم يوم يصبح لهذه المشاركة منافع إيجابية لجهة تحقيق أهدافنا، وبوضوح أكثر، نشارك إذا كان هناك اتفاق واضح ومحدد مع سوريا على خطوات عملية وطنية تؤدي إلى تحقيق ما ننادي به. أما الوجود السوري غير المشروط والعمل تحت مظلته فأمور مرفوضة كلياً من قبلنا وسوف نستمر في المقاومة ولن نشارك في حكم يخضع للوجود السوري أو غيره. أرجو أن لا يمني النفس أي لبناني أنه بالفعل مدعو حالياً للمشاركة في الحكم في ظل الهيمنة السورية وإنما للخنوع والبصم والتصفيق لحكم الواجهات والستائر. إن من يحكم في لبنان حالياً هو السوري واللبنانيين واجهات فقط، وقد تناولت هذا الأمر في مقالة لي مؤخراً عنوانها "حكم الواجهات وسجال الأغبياء". لقد أوهم السوري المسلم بعد العام 1990 بأنه انتصر على المسيحي وعين الحريري الذي رهن البلد، واليوم جاء السوري بلحود لإيهام المسيحي بأنه استعاد ما فقده. أما الواقع فهو لا المسيحي ولا المسلم يحكم والاثنان خاسران لأن الحاكم الفعلي هو السوري والسلطة في ظل الاحتلال السوري محرمة على المسلم وعلى والمسيحي الذي يؤمن بلبنان الحر السيد المستقل الخالي من الجيوش الغريبة والذي يدعو إلى تأسيس وطن. إن السلطة القائمة تعمل لتفتيت الوطن وتذويبه تدريجياً وفي ظل هكذا سلطة لا أمل في إنجاز أي تقدم اقتصادي أو أمني أو فكري والمشاركة تحت أي ذريعة هي بالواقع خيانة.

السؤال العشرين:

نلاحظ أن التيار الوطني الحر يطرح عناوين كبيرة هي السيادة والكرامة والحرية لكنني بالواقع لا أرى برنامجاً محدداً للتيار لجهة إصلاح النظام السياسي في لبنان، وسؤالي هو: هل لديكم طرح في هذا الشأن؟ وكون التيار محصوراً بشخصكم، فإن أخطأت من يحاسبك؟

جواب الرئيس عون:

هذا ليس صحيحاً، فالتيار لديه برنامجاً متطوراً وعلمياً لإصلاح النظام وهو برنامجاً موسعاً وشاملاً ويتناول كل القضايا الاجتماعية والصحية والسياسية والتربوية والاقتصادية والتنظيمية والإنسانية وغيرها، لكن أي طرح لهكذا مشروع في ظل الأوضاع القائمة فإنه برأيي المتواضع مضيعة للوقت وإلهاء للناس. إن الأولوية الآن للتحرير ولتأسيس الوطن واسترداده من مغتصبيه وسارقيه، وبعد التحرير وخروج القوى الغريبة يصبح طرح البرنامج مقبولاً وعملياً. إن برنامجنا واسع جداً ويحتاج للكثير من الوعي والإدراك والرقى للسير في ركابه. إن من أهدافنا الأساسية فصل المذهبية عن المواطنية وطرحنا يدعو لنظام علماني حر وديموقراطي وعناوينه الرئيسية يمكن اختصارها بتشريعات تحترم شرعة حقوق الإنسان، والتقيد بدستور علمي متطور يقره اللبنانيون وينظم العلاقات بين المؤسسات وبين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. أما الصحافة في برنامجنا فهي غير خاضعة لأي رقابة مسبقة ولا لقانون مطبوعات، صحافة حرة بإنشائها وتصرفاتها لكنها مسؤولة ويطبق عليها قانون العقوبات. أما إعادة تنظيم الدولة كما نراه فهو تنظيم مؤسساتي لا يعتمد على الأسس المذهبية لأننا ننادي بدولة علمانية. إن هذه هي عناوين برنامجنا الرئيسة، وإنه ليس من أولويات التيار في ظل الاحتلال وحكم الواجهات الدخول حالياً بجدل حول أمور داخلية والبلد محتل وقراره ومصادر والمواطن لا يملك حتى حرية العودة إلى بلده أو حتى منزله ويُعتقل ويهان إذا طالب بحريته وبخروج القوى الغريبة. إن برنامج التيار جاهز وسوف يعلن يوم يتحرر القرار وعندها سندعو كل اللبنانيين للحوار حوله ولمدة تكفي لتنوير الرأي العام حتى يصبح بعد ذلك مقبولاً لاستفتاء شعبي.   

 أما قولك بأن التيار هو محصور بشخصي فهذا كلام غير صحيح وتجنٍ على الحقيقة لأن التيار حركة شعبية وهو يضم في صفوفه الآلاف من أبناء الشعب اللبناني الحر ومن كافة الشرائح  والطبقات ومن مختلف المناطق، ومن يتابع نشاطاته ومواقفه وممارساته يعلم بأن الديموقراطية والثوابت الوطنية هي التي تسيره وليس شخص العماد عون. أما الصحيح فإن العماد عون هو رمز للتيار، لأن لا تيار في العالم دون رمز، فمثلاً لولا وجود الجنرال ديغول في فرنسا لما كان بالإمكان وجود الديغولية ونفس الشيء ينطبق على الستالينية والغندية وغيرها من حركات التحرير في العالم. أنا لا أريد أن أشبه نفسي بالعظام ولكنني في الوقت عينه لا أريد أن أكون نكرة عند الناس، نعم أنا أمثل التيار وأنا رمزه بكل فخر واعتزاز وتواضع. أنا لست فرداً، بل رمز وإن أخطأت يحاسبني المنتمون للتيار والمؤيدون لطروحاتي الوطنية وتأييدهم من عدمه هو أكبر وأدق مقياس محاسبة. فأنا لم أغلط ولم أبع الجنوب، ولم أغلط وأسلم البلد للسوري، ولم أغلط وأتنازل عن سيادة وكرامة وطني وأهلي ولم أرهن البلد ب 22 بليون دولار دين، ولم أسرق ولم أهدر المال العام ولم أرتشِ ولم أحمِ راشياً ولم أقتل ولم استغل مركزي لمنافع شخصية ولم أحاول أن أغتال خصومي السياسيين. إن المحاسبة يا صديقي هي واجبة لكل من أرتكب هذه الجرائم والمخالفات والعماد عون كفه نظيف وضميره مرتاح، كما أن قرب أو بعد الشعب مني ومن التيار هو المقياس الصحيح لصوابية طروحاتنا ومصداقيتنا الوطنية. 

السؤال الواحد والعشرين:

كيف يقوم التيار الوطني الحر بتمويل نفسه، هل هو يعتمد على الأفراد أم على الجماعات أو على الدول؟ علماً إن من يمول بالغالب له أهداف ومرامٍ خاصة.

جواب الرئيس عون:

أن التمويل في التيار ذاتي وإمكانياتنا المادية محدودة جداً، وما نصرفه أيضاً محدد وهو ضمن قدراتنا. نحن لا نعتمد على أحد ولا على أي جهة معينة لتمويل أنشطتنا. إننا نرى أن يتبرع كل لبناني بدولار واحد ولا أن يتبرع شخص واحد بمليون، لأن من يتبرع اليوم بمليون سيكون على استعداد لبيع الوطن والقضية غداً بثلاثة ملايين. إن التمويل في التيار والحمد لله لا يأتي من أي دولة أو فرد معينين، إنه تمويل فردي وهو أيضاً جهد فردي واتكالنا على العمل التطوعي الفردي. إن الوسائل التي نستعملها من انترنيت ونشرات ومطبوعات واتصالات هاتفية وغيرها هي وسائل غير مكلفة وتمويلنا الذاتي يغطيها.

السؤال الثاني والعشرين:

أريد أن أعرف المبررات التي تحجج بها أهل الحكم في لبنان لعدم بث المقابلة التلفزيونية التي أجراها معكم تلفزيون أم تي في قبل ثورة الطلاب ومن ثم عودة أهل الحكم هؤلاء عن قرارهم مجبرين؟

جواب الرئيس عون:

لقد استنتج وزير الإعلام في حينه بأنني سوف أهاجم سوريا وقال بأنه يرفض أن يكون حصناً يهاجم من وراءه العماد عون سوريا. لقد أجريت المقابلة بعد ثورة الطلاب وقلت ما أردت قوله عن سوريا وغير سوريا وهو نفسه ما كنت سأقوله لو سمح للمقابلة الأولى أن تذاع. قلت إن سوريا تحتل لبنان وأنها تخطف مئات اللبنانيين وتحتجزهم ظلماً وعدواناً ودون أي وجه حق في سجونها وأن هؤلاء مخطوفين وليسوا بسجناء، وإذا كنا في حالة حرب مع سوريا فإن هؤلاء يصبحون أسرى ويجب تطبيق القانون الدولي الخاص بالأسرى عليهم. أما إذا كانوا فعلاً سجناء فيجب أن يكون احتجازهم لأسباب قانونية ويجب أن يحاكموا في لبنان وليس في سوريا لأنهم وأن كانوا ارتكبوا جرائم فعلى الأراضي اللبنانية ويطبق عليهم القانون اللبناني وليس السوري. لقد رفضوا الاستماع إلى الحقيقة مبسطة بهذا الشكل  وليس عندهم رد عليها سوى القهر والكبت والاضطهاد والمنع، إلا أن صوت الحقيقة يبقى أقوى من كل وسائلهم الإرهابية. إن السوري يخطف اللبنانيين ويحتجزهم في سجونه لأنه إرهابي ويريد إرهاب الناس ولا يمكنه قبول المنطق القانوني. لقد احتلوا لبنان وسموا احتلالهم وجود وهم يرفضون إبرام بروتوكول ينظم هذا الوجود ويريدون أن يكون بإمكان مخابراتهم أن تفعل ما تشاء دون ضوابط قانونية. إن السقف السوري المسموح به في لبنان يمنع التطرق إلى هذه الأمور وأنا أرفض هذا السقف وهذه القيود التي تنفذ عن طريق الواجهات اللبنانية المنصبة في الحكم. لبنان لنا ولا يحق لأحد غير لبناني ولإرادة غير لبنانية أن تملي علينا ما نقول أو ما لا نقول. إن السقف الوحيد الذي نلتزم به هو سقف القانون والدستور.

إن الإعلام حالياً في لبنان مؤمم بالكامل ويسوق لفكر واحدة هو الفكر السوري. أنا لا أدعو للحرب ولا للمقاومة المسلحة، أنا أدعو لحرية الرأي، للرأي المسؤول، فإذا قلت أن فلاناً سارق فأنا مسؤول عن قولي وللقضاء الحق في التحقيق معي فإما أكون صادقاً ويعاقب السارق أو أكون كاذباً ويطبق علي القانون المرعي الاجراء. أما إذا كان الحاكم هو السارق فكيف يُطبق العدل وكيف يمكنه أن يقبل بتطبيق القانون، وهذه هي حالنا في لبنان حاميها حراميها.

 إنه وبعد تلك المقابلة منعت السلطات كافة وسائل الإعلام المرئية ليس فقط من بث تصريحاتي بل منعتهم من بث أي صورة لي وهددوا من يخالف بالويل والثبور. أن نسبة عدد المشاهدين الذين شاهدوا مقابلتي مع ال أم تي في هي نسبة لم يعرفها لبنان من قبل ووصلت إلى 89%. أشير هنا إلى أن سعر الوحدة الإعلانية في تلفزيونات لبنان تقدر 2500 دولار، وهذا السعر ارتفع إلى 4000 دولار خلال مقابلتي.

السؤال الثالث والعشرين:

إن السوري يبرر وجوده في لبنان بوجود الاحتلال الإسرائيلي، ألا تعتقد أن التركيز على الاحتلال الإسرائيلي وعلى الاتفاق الإسرائيلي السوري يعطي دفعاً أقوى للتيار الوطني الحر علماً أنك لم تتطرق لهذا الموضوع المهم إلا عندما سُئلت بشأنه؟

جواب الرئيس عون:

إن كل مداخلاتنا العالمية وكل مواقفنا تركز على المطالبة بخروج كافة الجيوش الغريبة من لبنان سورية وإسرائيلية وغيرها وبتنفيذ القرارات الدولية 425 و426 و520، إلا أننا نركز بشكل خاص على القرار 520 الصادر في 15 أيلول سنة 1982 والذي  ينص صراحة ودون مواربة على خروج كافة القوى الغريبة من لبنان وهو يستوعب باقي القرارات الدولية المتعلقة بلبنان وخصوصاً القرار 425. أؤكد مرة أخرى على وجود اتفاق سوري إسرائيلي وهما يحتلان لبنان بالتوافق وبالتالي لا خلاص للبنان إلا بربط الاحتلالين ببعضهما البعض. أما الخلاف الإعلامي بين سوريا وإسرائيل فهو للتمويه فقط ولتبرير احتلالهما لوطننا. إننا من جانب آخر نتطلع إلى إقامة علاقات ممتازة ومميزة مع سوريا ولكن من موقع التكافؤ والاحترام المتبادل والتساوي وضمن أطر السيادة اللبنانية ومصلحة الشعب اللبناني. أما العلاقات السورية المفروضة حالياً على لبنان فهي علاقة سيد وعبد وهذا ما نرفضه ولن نقبل به تحت أي ظرف مهما كانت شدته، إن الطرف اللبناني في العلاقات الحالية ملغى والعلاقة أحادية لمصلحة سوريا في كل شيء وهذا ظلم وتعدٍ واستكراد. إن لا عقد لدينا في التيار من إسرائيل ولا من سوريا أو غيرهما، وبالتالي فلا لزوم مطلقاً للإشارة إلى الاحتلال الإسرائيلي كلما نطقنا أو جئنا على ذكر الاحتلال السوري، لأنه وكما ذكرت في جواب سابق فإن لا خلاف بين اللبنانيين على موضوع الاحتلال الإسرائيلي والجميع متفق على أنه احتلال ويجب أن يزول. إن المعقد من إسرائيل والذي يريد أن يبخر لسوريا ويهرب من مواجهة احتلالها للبنان هو الذي يجعل من الاحتلال الإسرائيلي لازمة تردد بمناسبة ودون مناسبة. إن المشكلة مع البعض أنه يستعمل معيارين مختلفين لاحتلالين لا فرق بينهما على الأرض، فيركز على الاحتلال الإسرائيلي ويتملق ويتزلف للاحتلال السوري. ليكن معلوماً للجميع أن سوريا تحتل لبنان وليس احتلالها هذا بقصد حماية لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، والرئيس السوري نفسه قال مؤخراً إن وجود الجيش السوري في لبنان لا علاقة له بوجود الجيش الإسرائيلي في الجنوب والبقاع الغربي. الموقف السوري هذا صدر رسمياً رداً على طرح إسرائيلي للانسحاب من لبنان من طرف واحد على أن يقابله انسحاب سوري من لبنان. الحقيقة أن سوريا وتحت غطاء الاخوة الكاذبة تخطف لبنان وتعامله كرهينة تماماً لمقايضته بالجولان، فهل يجوز ويحق للشقيق أن يخطف شقيقه ويحتفظ به كرهينة للمقايضة؟ إن إسرائيل بالواقع غير مبالية بهذا الخطف  وهو ليس من أولويات اهتماماتها لأنها تريد الاحتفاظ بالجولان وخروج السوري من لبنان من عدمه من آخر همومها.

أما قضية تلازم المسارين السوري واللبناني في المفاوضات مع إسرائيل المفروضة من قبل سوريا، فهي خطة عسكرية حربية لها اكلافها المادية الباهظة، وبسببها لبنان يسير حالياً إلى هاوية الإفلاس دون أن  يهب لنجدته أحد وخصوصاً سوريا. السؤال هنا من سيمول لبنان ويعوضه عن خسائره بسبب هذه الهرطقة؟ أين الأشقاء العرب وأين مساعداتهم للبنان وهو الوحيد الباقي في الساحة وحامل لواء المقاومة المسلحة؟ بالطبع لا حياة لمن تنادي فالكل وفي مقدمهم سوريا يستعملون لبنان لتأمين مصالحهم، "ومرحبا أخوة".

 

انتهى اللقاء الذي استغرق على ما يزيد عن الساعتين بكلمة شكر من رئيس مجلس المنظمات اللبنانية الكندية للرئيس العماد ميشال عون على صراحته وشجاعته وبشكر خاص لجمعية الطلاب اللبنانيين الكنديين في جامعة أوتاوا على ما قامت به من مجهود لتنظيم اللقاء. الرئيس عون شكر وتمنى أن يجتمع معم وجهاً لوجه قريباً في لبنان وهو حر محرر وخالي من كافة الجيوش الغريبة وحكم الواجهات والستائر.