الحوار مع حزب الله على ماذا؟

الياس بجاني

مسؤول لجنة الإعلام في المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

 

لا بد من أن يتحاور ممثلو كل الشرائح اللبنانية الشرعيين مع بعضهم البعض بصراحة وشفافية وصدق وهم من المفترض قد تحرروا وعادوا إلى كنف الوطن وهويته وثوابته وإلى المفهوم العقلاني للتعايش والتعددية وقبول بالآخر.

 

الحوار الجاد والعاجل هو مطلب حق ملح بعد أن انتهت حقبة الاحتلال التي امتدت لسنين عجاف فرضت خلالها الشقيقة والجارة الجائرة حزب الله وسلاحه تحت قناع المقاومة، حمت سلاح المخيمات الفلسطينية، أبقت على الجزر والمحميات الأمنية، وأنتجت طبقة سياسية من البدائل امتهنت الفساد والإفساد، التكاذب والذمية، التبعية وتشويه الحقائق والخنوع.

 

لم يعد جائزاً ترك الأوضاع الشاذة على غاربها تحت أي ذريعة ومصير سلاح حزب الله في مقدمة ما يستلزم طرحه للحوار الهادئ والهادف مع ضرورة تشريح كل ما يثار حوله من طروحات وتبريرات لا تتوافق مع مبدأ قيام الدولة الواحدة في سلطاتها وقرارها وتوجهاتها، دولة تمثل كل اللبنانيين تلتزم الدستور والقوانين، وتتقيد بشرعة حقوق الإنسان ومواثيق وقرارات الأمم المتحدة وتحديداً القرار الدولي رقم 1559.

 

لقد كان مستغرباً أن يخلو البيان الوزاري لحكومة "السنيور فؤاد" من أية إشارة واضحة وحاسمة إلى كيفية تنفيذ ما تبقى من بنود الـ 1559 لجهة تجريد سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية من سلاحها، نشر الجيش على الحدود مع إسرائيل وبسط سلطة الدولة على كامل أراضها بواسطة قواها الذاتية، إضافة إلى أُطر وآلية إنهاء مأساة أهلنا اللاجئين إلى إسرائيل.

 

أغفل البيان الحكومي التطرق إلى استحقاق الـ 1559 كما تعامى عن حقوق المنتشرين في المواطنية واستبدلهما بعناوين عكاظية مجها الناس من مثل التضامن العربي والمقاومة، الاستراتيجيا والعداء، الأرض المحتلة والتحرير، والحوار الداخلي حول سلاح حزب الله وغيرها من الانشائيات التي لوثت وسائل الإعلام والعقول طوال حقبة الاحتلال وظلم حُكام وسياسيين من إنتاجه.

 

في هذه المقالة سنسلط الضوء على عنوان الحوار المُحكى عنه مع حزب الله تاركين العناوين الأخرى لمقالات مستقبلية مفصلة.

 

نسأل أي حوار تسعى إليه الحكومة مع حزب الله في حين أن قيادته تعتبر أن أي أيدي ستمتد إلى سلاحه هي أيدي إسرائيلية محذرة من عدم استقرار داخلي ومواجهات في حال التعرض للسلاح، هذا ولم يعد الحزب يربط مصير سلاحه بالانسحاب الإسرائيلي من مزارع شبعا ولا حتى من القرى السبعة، وإنما بالصراع العربي الإسرائيلي ذاته.

 

من هنا بات من حق الناس معرفة مواقف النواب والوزراء والقادة والرعاة والتنظيمات والأحزاب كافة من هذا الحوار. أهو حوار يهدف لتشريع السلاح كما تريد قيادة حزب الله وسوريا وإيران وبالتالي الخضوع له كأمر واقع والتعايش معه في ظل استمرار ازدواجية الدولة وقراراتها وبقاء الجزر والبؤر الأمنية على وضعها المزري، أو الحوار الهادف والمقنن من أجل تسليم السلاح للدولة اللبنانية وإنهاء دور حزب الله العسكري وتنفيذ وثيقة الطائف لجهة التقيد باتفاقية الهدنة مع إسرائيل الموقعة سنة 1949، ونشر الجيش على الحدود وتجريد كل الميليشيات من سلاحها، علماً أن الوثيقة هذه لا تلحظ وجود مليشيات مقاومة. كما أن المواقف الواضحة مطلوبة من قبل الجميع فيما يخص البنود التي لم تنفذ من القرار الدولي 1559 حتى الآن.

 

حزب الله وكما هو معلن يريده حواراً محدداً للاتفاق فقط على كيفية حماية سلاحه وطمأنة مخاوف البعض كما أعلن مراراً وتكراراً السيد حسن نصرا لله والشيخين نعيم قاسم ونبيل قاووق وغيرهم من قادة ونواب حزب الله رافضين بقوة مبدأ التخلي عن دولتهم المقامة في الجنوب وفي الضاحية الجنوبية من بيروت وبعض البقاع تحت حجج ومبررات يبدلوها ويغيرونها ويلونوها طبقاً للمعطيات والظروف المحلية والإقليمية وفيها الكثير من التذاكي اللبناني المكشوف والاستهتار المهين لذكاء الناس كما التهديد والوعيد بحصول مواجهات داخلية وحالة عدم استقرار إضافة لاستعارات منقوصة ومشوهة من قضايا خارجية شبيهة من مثل طريقة التعاطي مع سلاح الجيش الجمهوري الايرلندي.

 

إن الموقف الوحيد والواضح المُعلن من أمر الحوار هذا حتى الآن هو موقف دولة الرئيس العماد عون ومواقف نواب كتلته النيابية وقد عبروا عنه في مجلس النواب خلال مناقشة بيان الحكومة بشفافية وجرأة وواقعية، فيما استمر البعض من "اللاجئين إلى ثورة 14 آذار" وجلهم من القداحين والمداحين بالأجرة بالمزايدة والكذب والتقية.

 

 في هذا السياق الواضح لمواقف التيار الوطني الحر نقلت وكالة الأنباء المركزية يوم أمس عن عضو كتلة "الإصلاح والتغيير" النائب فريد الياس الخازن دعوته "حزب الله" إلى توضيح الالتباس حول أوضاعه ككل لأنه من غير الجائز أن ينطلق حوار حول سلاحه وسط غموض في المضامين والأهداف والخيارات. وشدد الخازن على أهمية اعتماد الحوار للوصول إلى نتيجة عبر آلية محددة ومهل زمنية ومضمون واضح "لأن الزمن الذي كان يدعم المقاومة داخلياً وإقليمياً ودولياً تغير، وبات من الملح إيجاد حل لموضوع السلاح ولم يعد من هامش للمماطلة أو التأجيل إلى ما بعد التسويات". وأضاف: "على الرغم من أن الحزب مرتبط عقائدياً مع إيران إلا انه لبناني يشارك في البرلمان وفي الوزارة ومستقبله في لبنان وليس في أي بلد آخر، وبات من الملح توضيح هذه الكمية من الالتباسات التي ازدادت اليوم مع التصريح الإيراني بالدعم وتعزيز قوته. يشار هما إلى أن القيادة الإيرانية اعتبرت أمس خلال استقبالها السيد حسن نصر الله أن كل محاولات تجريد حزب الله من سلاحه هي وهم.

 

المطلوب من جميع اللبنانيين أن يحددوا اليوم مواقفهم من الحوار مع حزب الله دون مواربة وتذاكي ولعب على الكلام. أهو حوار لحماية السلاح وإبقائه حيث هو وبنفس الأيدي وتحت أمرة المرجعيتين الإيرانية والسورية وبالتالي قبول العواقب المحتملة لبنانياًً وإقليمياً ودولياً؟

 

أو أنه حواراً بهدف تسليم كل السلاح للجيش اللبناني وتنفيذ بنود اتفاق الطائف ذات الصلة وما تبقى من بنود القرار 1559؟ 

 

أما مصير أهلنا اللاجئين إلى إسرائيل وهم من الشرائح اللبنانية كافة فهو محك وتحدي بالغي الأهمية لجميع السياسيين والقيادات لأن وضع أهلنا هؤلاء المتسم بالظلم والجور والتخلي منذ أيار 2000 لا يجب ولا يمكن أن يستمر والمعيار الوحيد الواجب إتباعه لمعالجة قضيتهم هو معيار القانون والمساواة مع غيرهم من أبناء الوطن الذين تمت المصالحة معهم. وكفى البعض بهلوانية ولعب على الحبال وحروب طواحين هواء دونكوشتية ومزايدات وعنتريات لم تعد تجدي بعد أن تخطتها الأحداث والظروف التي أبقت لبنان ساحة لحروب الآخرين وأهله رهائن لسنين طويلة.

 

لقد دقت ساعة الحقيقة ومصداقية الجميع أمام التحدي الكبير.

3/8/2005