يوم الجلاء

الياس بجاني

مسؤول لجنة الإعلام في المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

 

يوم عظيم هو الثلاثين من نيسان، سيسطر بأحرف من ذهب في سجل تاريخ نضالنا المرير من أجل الكرامة والحرية. لن ينساه أهلنا والأجيال ستفاخر به. كيف لا وهو يوم جلاء القوى البعثية الظالمة واندحار إفرازاتها الأمنية والمخابراتية بعد أن أمعنت مستبيحة أرضنا والمقدسات والعنفوان سحابة ثلاثين سنة عجاف لم نعرف خلالها إلا أشنع أنواع التنكيل والإرهاب والإفقار وضرب كل ما هو حقوق وقوانين ومؤسسات وكيان وهوية وديموغرافية.

 

مع أفول شمس الحقبة السوداء هذه من تاريخنا وجلاء قوى الجحيم رغماً عن أنف حكام بعث الشام والزنادقة عندنا، نتذكر منذ ستين سنة جلاء الجيوش الأجنبية عام 1942 وانتهاء حقبة الانتداب الفرنسي الحضارية التي إن قارناها بموضوعية مع من ادعى أخوتنا وأمعن فينا قتلاً وخطفاً وتهجيراً وتفجيراً، نترحم على الفرنسيين ونذكرهم بالخير حافظين لهم عرفان الجميل لما تركوه لنا من ثقافة واعمار ومؤسسات.

 

عام 1943 مُنحنا الاستقلال، واليوم في الثلاثين من نيسان عام 2005 نستعيده من أنياب بعث مفترس همجي لم يترك لنا إلا الجراح والأوجاع. لا، لا يستحق هذا البعث إلا لعنات التاريخ التي لا بد أنها ستلاحق رموزه لما اقترفت أيديهم من أخطاء قاتلة وخطايا مميتة بحق أهلنا وما ارتكبت من جرائم وويلات على ساحة وطنا الحبيب.

 

حقبة يخجل منها الزفت انتهت، فلنركز اليوم على ما جرى خلالها لبنانياً. ففي عهود "سفر برلك" العثمانية تعاون لبنانيون كثر مع المحتل التركي علناً وسراً حتى إذا ما انتهت الأربعماية سنة من استبداد الاسطنبول وسلاطينها ورحل عسكرها مهزموماً عام 1918 لم يجد أولئك المتعاونون سقفاً يحميهم ولا شريحة واحدة لبنانية تأويهم، فتشردوا خونة مهزومين منبوذين تماماً كالخونة من الفرنسيين الذين تعاونوا مع نازيي هتلر وقبلوا بحكومة بيتان الصوَرية، فسماهم العالم "بيتانيين"، وهم حالهم حال يوداص الخائن الذي سلم معلمه بقبلة لقاء ثلاثين من الفضة، وتماماً كعبد الرحمن بن ملجم الذي اغتال الإمام علي (كرم الله وجه) وقت الصلاة، فسمي أشباهه "ملجميين" أي خونة ساقطين ديناً ودنيا.

 

إن دم الأبرار من أهلنا الذي أريق على مذبح وطن الأرز ليبق هوية واستقلالاً وسيادة، يفرض علينا فرز كل المتعاونين ونبذهم، كما أنه لا يحق لنا وبعد أن استعيد الوطن من براثن مغتصبيه نسيان أنين وأوجاع الذين سجنوا اعتباطاً ولا يزالون في المعتقلات السورية واللبنانية. وماذا عن غربة وحرمان أولئك الذين أبعدوا قسراً عن جنوبنا وانتهكت كراماتهم واتهموا بمخالفة وصايا الوطنية السُميا؟ هل يُقدَّس الشيطان ويُرذلُ الملاك؟

 

الحق يفرض علينا أن نشير بالبنان على كل الوصوليين الذين تعاملوا مع المحتل البعثي خدمةً لمصالحهم الخاصة والشخصية وصولاً إلى نيابة أو وزارة أو مديرية عامة أو رئاسة حزب أو قيادة نقابة أو وظيفة أو سفارة أو تجارة أو رخصة أو زعامة، أو استقواء أو سيطرة أو ربح قضية أو تشاوف أو ادعاء. فهؤلاء جميعهم معروفين عند القاصي والداني، علماً أن المحتل تعامل معهم بازدراء ولو خدمهم، وباحتقار ولو أوصلهم، ومن منا يمكنه أن ينسى كيف كان بعث عنجر المخابرتي يهين المتعاملين معه من نواب ووزراء ونافذين ورسميين وحزبيين ويبقيهم منتظرين لساعات قبل أن يدخلهم إلى مكاتب الذل والارتهان.

 

اليوم الثلاثين من تموز هو يوم نهاية "البيتانيين" و"اليوداصيين" و"الملجميين"، وكل من استقوى على أحرار شعبنا بسلاح المحتل البعثي ونفوذ إفرازاته من الزنادقة والمأجورين.

 

لا مطرح بين الأشراف من أهلنا للمتعاونيين فليقفوا في العراء أذلاء ساقطين منبوذين مرذولين.

اليوم في الثلاثين من تموز اكتمل تحرير الأرض، يبقى أن تتحرر النفوس وترتفع أصوات الحق مدوية وحاميةً للحرية والسيادة والاستقلال، وليدُم بلد الأرز شعلة بلدان الشرق ورابط الحضارة بالعالم المتمدن.

 

30 نيسان 2005