دولة او لا دولة، كفانا تكاذب!!

الياس بجاني

مسؤول لجنة الإعلام في المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

 

خزيٌ وعارٌ أن يُضيِّع بعض المُمْسكين حالياً بقرارات حُكم وطننا الأم لبنان المعذب فرصة دولية ذهبية نادرة للخلاص. إن واقع "وطن الساحة" علقم مفروض بقوة سلاح الغرباء ومالهم، والبدء بصدق وتفاني وشفافية مهمة تثبيت وتحصين وحماية أسس دولة القانون والحقوق والمؤسسات الحرة السيدة المستقلة هو من الأهمية بمكان.

 

دولة كلِّ اللبنانيين العصرية بشرائحهم المتنوعة اثنياً ودينياً وحضارياً توخَّينا قيامها، دولة طالما سعى الأحرار والأشراف والمناضلين من أهلنا لبلوغها منذ سنين طويلة، عانوا خلالها بصبر وإيمان ورجاء جور وكفر وفجور وإجرام زمن الاحتلال الأعجف برموزه وأدواته من طرواديين وملجميين.

 

لقد قدم الآلاف من شهدائنا الأبرار أنفسهم قرابين لتبقى الجباه عالية والكرامات مُصانة والرايات خفاقة، فماذا نقول لهم ونحن نرى حالة الحكام التراجعية والجبن؟

واللافت أنه بعد خروج سوريا العسكري القسري من لبنان طبقاً للقرار الدولي 1559 عادت، وبِقوَّة، التقية ومعها لغة التكاذب والدجل إلى التداول ولم يعد المواطن اللبناني الحر السيادي بقادر على فهم اتجاه بوصلة حكامه والسياسيين.

 

ففي حين ينادي هؤلاء وعلى مدار الساعة بضرورة نهوض الدولة وبسط سلطتها الذاتية والقانون، نراهم يقبلون راضين أو صاغرين، لا فرق، باستمرار سلطة وتسلط حزب الله وببقاء المخيمات الفلسطينية وسلاحها بؤرا أمنية وقنابل موقوتة بيد سوريا البعث وإيران وغيرهما من القوى الإقليمية والأصولية التي تعودت جعل  "لبنان الساحة" مسرحاً لصراعاتها والحروب.

 

قادة مسخ يطالبون باحترام القرارات الدولية وبتنفيذ بنود اتفاق الطائف، لكنهم في الوقت عينه ينتقون ويستنسبون ما هو على مقياس نفوذهم والمصالح، والأدهى ربطهم الهرطقي مصير ما هو لبناني صرف من القرارات وخصوصاً الـ 1559 بتلك غير اللبنانية. فهُم، وهنا العجب يصرُّون أولاً على تنفيذ القرار 194 لجهة عودة الفلسطينيين إلى بلادهم ومعه كل القرارات منذ تأسست عصبة الأمم ومن بعدها جمعية الأمم المتحدة بما فيها تلك المتعلق ببلاد الماو ماو وغابات الأمازون ومجاهل أفريقيا!!

 

يريدون إنهاء أزمات القارات الخمس قبل القبول بقرارات محقة وعادلة تؤمن استعادة سعادة وسيادة واستقلال لبنان وتحريره من الغرباء ومن أسلحتهم!!

 

أما تغنَّي القادة باتفاق الطائف وبمحاسنه فيكشف زيف لبنانيتهم والانتماء لأن هذا الاتفاق ورغم علله الكثيرة صنف كل المسلحين تحت خانة الميليشيات التي يتوجب تجريدها من السلاح، كما أنه طالب بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل والالتزام باتفاقية الهدنة وبسط سلطة الدولة على كامل ترابها بواسطة قواها الذاتية.

 

يتكلمون عن حوار داخلي مع حزب الله، وهو طرح لا يزال في علم الغيب. حوار يهدف كما يبشرون تسهيل أمر تنفيذ ما تبقى من بنود القرار 1559 توافقياً، كتسليم سلاحه للدولة وتفكيك بنيته العسكرية والانخراط في العمل السياسي، فيما الحزب يعلن ليلاً نهاراً وبلغة واضحة جداً أن سقف هذا الحوار بمفهومه النضالي محدد بـ "كيفية حماية سلاحه" وليس بأي شيء آخر. فتارة يربط هذا الحزب مصير سلاحه بتحرير مزارع شبعا وطوراً بعودة القرى السبعة ودائماً بوجود إسرائيل وحماية لبنان من أطماعها ومخططاتها!! فيما قادة دول العرب كافة، بمن فيهم قادة المقاومة الفلسطينية قد صالحوا إسرائيل، عقدوا اتفاقيات السلام معها أو منتظرين "بالصف" وبفارغ الصبر دورهم.

 

والسؤال إلى متى التدجيل والتقية؟ فالحقيقة الفاضحة والناضحة تقول لا إمكانية ولو بسيطة لقيام دولة لبنانية مركزية واحدة موحدة في ظل بقاء دول وبؤر أمنية خارجة عن نطاق سلطة الشرعية والدستور، كما أن مبدأ قيام الدولة الواحدة يناقضه كلياً ويلغيه وجود ميليشيات مسلحة تصادر دور الجيش وسلطة الدولة على الحدود وداخل الوطن وتتحكم بقرار الحرب والسلم مع دول الجوار، إنه دور مفترض أن يناط بالدولة وحدها وليس بفريق أو بشريحة واحدة.

 

حان الوقت لتحديد مواقف الجميع ودون استثناء من مبدأ قيام الدولة أو عدمه دون "لف ودوران"، والدولة المنشودة هذه لا يمكن أن تقبل بشريك في سلطاتها السياسية والعسكرية والأمنية والمالية والقضائية وفي علاقاتها مع الدول.

 

أما مهمة حماية لبنان من إسرائيل وغيرها من القوى والدول، فهي من واجبات الجيش والقوى الأمنية الشرعية اللبنانية وحدها، وكل ما عدا ذلك من ضجيج وتهديدات وحجج وذرائع ومبررات جهادية مبتكرة ومستوردة بهدف إبقاء وضعية حزب الله والمخيمات الفلسطينية الحالية الشاذة على حالها، فهي خطايا مميتة بحق الكيان وتعدٍّ سافر على حقوق المواطن، انتهاكاً للدستور ولشرعة حقوق الإنسان، استهتاراً بالقرارات الدولية كافة، واستخفافاً بذكاء اللبنانيين والكرامات.

 

يتكلمون عن أمور كثيرة، فنراهم يناورون ويتكاذبون ويدجلون ويزايدون فيما هم يتجنبون بحربائية فاقعة وعن سابق قصد وتصميم التطرق للبّ القضية الأساسية التي هي السلاح غير الشرعي ومبدأ قيام الدولة.

 

يهتمون بأمور كثيرة فيما المطلوب واحد، الدولة ومن ثم الدولة، فهل من يسمع وينتفض فيشهد للحقيقة بجرأة وتجرد ليخلص ويخلّص معه الوطن وناسه!!!

إن حزب الله يعرف ماذا يريد وهو واضح بطروحاته وأهدافه وارتباطاته الخارجية، كما بإصراره المحافظة على وضعيته العسكرية و"الجهادية" والسلطوية الحالية، وخطاب السيد حسن نصر الله الأخير الناري لم يترك أي فسحة للتأويل أو الشك بما تضمر قيادة هذا الحزب، فهل إن قادة لبنان وسياسييه وشرائحه يعرفون ماذا يريدون؟

 

يبقى أن اللبناني لن يغفر لمن يُضيّع فرصة خلاص الوطن المتاحة حالياً من قبل المجتمع الدولي وحاله يقول: "مريم مريم تهتمين بأمور كثيرة فيما المطلوب واحد".

 

30/5/2005