حتى لا نغرق في يقظة  الأحلام

الياس بجاني

مسؤول لجنة الإعلام في المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

 

نود ألا يتوهم البعض أن بمقدوره بيع جلد الدب قبل اصطياده، وحتى لا يغرق البعض الأخر في مستنقع حرتقات ومساومات ومناكفات سياسية رخيصة استجداءً لمواقع ومنافع ذاتية لطالما أعمت بصائر قادة ورعاة، وخوفاً من تفويت فرصة متاحة  لتحرير لبنان من وضعية الرهينة، لا بد من تذكير من يعنيهم الأمر وبعض المعارضة، برزمة من الجهود المضنية والحقائق والمتغيرات التي أعادت القضية اللبنانية بقوة إلى دائرة الاهتمام الدولي والإقليمي، ووضعتها في أولويات سلم السياسات الخارجية لكل من الولايات المتحدة وأوروبا ومعظم الدول العربية.

 

صحيح أنه إثر جريمة اغتيال الحريري نزل الشعب اللبناني إلى الساحات والشوارع مطالباً بخروج جيش الاحتلال السوري وإنهاء حكم التبعية والارتهان بشكل حضاري وسلمي جامع استحوذ إعجاب العالم بأسره، ولكن الصحيح أيضاً أن هذا الشعب عموماً وتحديداً شريحة الشباب منه ما استكانت يوماً عن المطالبة بالحرية والسيادة والاستقلال وخروج قوى الاحتلال، رغم كل الصعاب والعوائق التي مورست ضدها من قهر واضطهاد وخطف واعتقالات وسجن وتلفيق تهم وتهجير وإفقار وتخويف وإجرام، وما آلاف الملفات القضائية والاعتقالات الاعتباطية بحقهم إلا دليل على هذه الحيوية الشبابية.

 

كثيراً ما حث العماد ميشال عون اللبنانيين على ضرورة تمتين جهوزيتهم الوطنية، وعلى رفضهم الوضع الاحتلالي الفاقد للشرعية، وعلى عدم التفريط بثوابت وقيم الوطن بانتظار متغيرات دولية وإقليمية ستكون لمصلحة لبنان. وكثيرا ما طمأن الجميع أن لبنان سيتحرر عندما تتلاقى وتتفاعل ثلاثة عناصر أساسية هي:

 

1-تأمين أرضية صلبة لتلاحم وطني لبناني واعي جامع بعيد عن رواسب الماضي من طائفية وإقطاع وانتهاك حقوق، وقد كان طلاب التيار الوطني الحر حجر الزاوية في هذا الجهد وفي طليعة القوى التي ثبتت مداميك هذه الأرضية بثبات وعناد طوال سنين عجاف أعقبت إسقاط الحكومة العسكرية الانتقالية الشرعية في 13 تشرين عام 1990 واحتلال  سوريا ومليشياتها المناطق المحررة.

 

2- بروز إرادة دولية فاعلة تتبنى قراراً دولياً له آلية تنفيذ ملزمة. وقد تجسدت هذه الإرادة من خلال "قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان" ومن ثم بالقرار الدولي 1559 و تكللت بإصرار كل دول العالم الحر على تحرير لبنان من الاحتلال السوري وعودة الديمقراطية والسلام إلى ربوعه.

 

3-تلاقي المصلحتين الدولية والإقليمية مع ضرورة وجود لبنان سيد حر ومستقل،  وقد ظهر هذا التلاقي جلياً في التوافق الأميركي الفرنسي العربي اللافت على ربط السلام في الشرق الأوسط ونجاح الحرب الكونية ضد الإرهاب بعودة السيادة والحرية إلى لبنان.

 

ناضل دولة الرئيس العماد عون ومعه السياديين الناشطين في الداخل والخارج دون كلل لجعل رؤيا "الفورميولا الثلاثية العناصر" هذه واقع محسوس وحاجة دولية وإقليمية رغم تعرضهم لسهام التشكيك والتجريح والتخوين والتخويف والملفات القضائية المركبة، حتى أمست الرؤيا بفضل نضالهم الحضاري حقيقة ملموسة معاشة، وها هو لبنان الآن بطريقه لجني ثمار نضال السياديين الدؤوب حرية وسيادة واستقلال وتحرر من قوى الاحتلال والاستزلام والإرهاب وسائر إفرازاتها.

 

نذكِّر من نسي أو تناسى إن نفس القوى الدولية والإقليمية التي سهلت دخول الجيش السوري إلى لبنان في إطار اتفاقات وخطوط حمر بات أمرها معروف للجميع، وأوكلت مهمة إدارة شؤونه لحكام الشام خدمة لمصالحها، هي القوى نفسها العاملة اليوم على إخراج سوريا منه بعد أن سحبت منها التوكيل بنتيجة المتغيرات الميدانية المزلزلة التي شهدها الشرق الأوسط والعالم عقب أحداث أيلول الإرهابية في الولايات المتحدة. 

 

لقد جعلت "الفورميولا" من لبنان الحر المستقل والديمقراطي الخالي من الإرهاب حاجة ملحة لمصالح تلك القوى، وتحديداً للمشروع الأميركي الغربي الخاص بنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط واقتلاع منظمات الإرهاب والقضاء المبرم على ثقافة التعصب والكره ورفض الآخر.

 

إن الحكمة والمنطق وإدراك مصالح القوة الأميركية الأحادية المسيرة لشؤون العالم تفرض على القادة عندنا أن يدركوا الحقائق ببصيرة نيرة ليغلبوا المصلحة الوطنية على الخاصة فيتعاملون مع المستجدات بحذر وشفافية دون مساومات رخيصة وتقية قاتلة وذمية بغيضة.

 

عليهم الأخذ بعين الاعتبار وبمنتهى الجدية مكونات "الفورميولا" المتماسكة ككل، في كل تحرك يقومون به، وفي كل كلمة تخرج من أفواههم، وفي كل موقف يتبنونه، وذلك تجنباً لمواجهة خاسرة ومكلفة مع رعاتها، وإلا فالعواقب ستكون وخيمة ومدمرة على لبنان ومستقبله ككيان حر مستقل، علماً أن الفرصة المتاحة اليوم والتي طال انتظارها لن تتكرر في المدى المنظور في حال إضاعتها.

 

المطلوب من القيادات التي تغار على مصلحة لبنان الوطنية وأمن شعبه الكف عن رهانات رخيصة وضيقة المرامي لأن الشعب تحرر من عقدتي الخوف المسايرة وهو الآن ممسك بدفة القيادة بعد أن تراجعوا هم إلى الصفوف الخلفية، وليس العكس كما كان الحال فيما مضى، وبالتالي فالشعب هذا سيلفظ كل قيادي ونافذ وراع منحرف يتاجر بدمه وبمستقبل الوطن والكرامات.

 

أما تنطح بعض أطياف المعارضة والمولاة على حد سواء بشعارات وطروحات تخطاها الزمن تؤسس للقبول باستمرار وجود دويلات داخل الدولة وجيوش غير الجيش اللبناني استجداءً لموقع أو نفوذ فأمر خطير للغاية كونه يتناقض مع تطلعات اللبنانيين التواقين لعودة دولة القانون والمؤسسات والعدل والتحرر من الاحتلال، والأهمً هو تصرف أحمق معادي لمكنونات "الفورميولا" وقد يؤدي إلى عودة الوطن إلى وضعية الساحة.

 

يبقى أن التدخل الأميركي والأوروبي والعربي في الشأن اللبناني بهدف تنفيذ القرار الدولي 1559 بكل بنوده فأمر مشروع  وقانوني يندرج ضمن صلاحيات الأمم المتحدة ومجلس أمنها، وهو بالتأكيد ليس استبدالاً لوالي بآخر ولا تدخلاً سافراً في الشأن اللبناني كما يُسوق فريق لقاء "عين التينة" الموالي للمحتل البعثي. 

 

أما من يتوهم من أركان المعارضة أن بإمكانه الفصل بين بنود القرار الدولي 1559 بأخذ ما يناسب مصالحه منه وإهمال البنود الأخرى وتحديداً بند جمع سلاح المليشيات وحصر هذا السلاح بقوى الدولة الشرعية.

 

3 نيسان 2005