من ليس معي فهو ضدي، ومن لا يجمع يفرق

الياس بجاني

مسؤول لجنة الإعلام في المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

 

لم يتفاجئ الناس بطروحات بعض القادة والنافذين اللبنانيين الساعين إلى تشكيل "فريق ثالث"، لا هو مع المعارضة ولا هو مع الموالاة. إن النيات المبيتة والحقيقية لمثل هذه الطروحات الالتفافية التي يحمل لواءها الدكتور سليم الحص، لم تعد تنطلي على أحد، خصوصاً وأن السواد الأعظم من اللبنانيين تحرروا من عقدتي الخوف والمسايرة وهم الآن يجاهرون بشجاعة وعلى رؤوس الأشهاد بما يريدون للوطن: حرية وسيادة وعدل وحقوق وحكام وسياسيين يختارونهم هم بملء إرادتهم.

 

الدكتور الحص صاحب السجل العتيق في الانتهازية وكما عهدناه منذ أن أدخله المغفور له الرئيس الياس سركيس الحياة السياسية، يحاول باستمرار اقتناص الفرص بغرض تأمين نفوذ أو موقع على خلفية مصلحية صرف، وهو يحاول دون كلل تظهير نفسه بالمعتدل والعاقل والوطني الغيور. لكن الدكتور قد أخطئ في حساباته هذه المرة ولم يتمكن على ما يبدو من استيعاب وفهم المتغيرات الكبيرة التي طرأت على الساحة اللبنانية بعد جريمة اغتيال الرئيس الحريري.

 

في الأيام الأولى لانطلاقة المعارضة الجامعة في وجه المحتل السوري ورموزه عقب اغتيال الحريري حاول الحص بدهائه المعروف المراهنة على الحصان السوري الأسدي متلطياً باتفاق الطائف وبسوريا التضحيات والمصير المشترك كما جاء في الرسالة المفتوحة التي وجهها بهذا الشأن إلى الرئيس السوري. محاولته جاءت جداً مكشوفة المرامي ومنسوفة بالفشل الذريع.

 

بعد أن قويت شوكة المعارضة وهو خارجها, وبعد أن أمسى أهل السلطة في وضع حرج, أحس الدكتور أنه معزول من الأطراف كافة وأدرك بعمق أن فرص تكليفه تشكيل حكومة جديدة هي ما تحت الصفر. هنا تفتقت عبقريته وابتكر طرح "الفريق الثالث" متنطُّحاً ببيان مطول هاجم فيه ما سماه "بغلاة المعارضة"، منتقداً بنفس الوقت أهل الحكم وتحديداً الأجهزة الأمنية. بيد أن المحاولة هذه لاقت نفس مصير محاولته الأولى فلا السوري أعارها أي اهتمام ولا المعارضة اشتمت منها أي نوع من المصداقية، فطلع "لا من دي ولا من دا"، وسلته فارغة. هنا لجأ إلى سلاح طالما استعمله لاسترضاء المحتل السوري وهو سلاح مهاجمة العماد عون واستحضار قصف الاونيسكو، ومرة ثالثة رُد على أعقابه وكشفت أكاذيبه ببيان للتيار الوطني الحر موثق بالتواريخ والحقائق.

 

إن أكثر المصائب اللبنانية ضرراً يكمن في ممارسات ومفاهيم بعض القادة والسياسيين الذين هم من طينة الدكتور الحص المُظهر المحبة المحرورة والمُبطن الحقد الناري. فهؤلاء يقولون غير ما يضمرون، ويتلطون وراء طروحات ظاهرها وطني وباطنها مصلحي انتهازي.

 

في مقابلة أجراها طلاب جامعة أوتاوا الكندية مع العماد عون، يوم عُيِّن الدكتور الحص رئيساً للوزراء في عهد الرئيس الياس الهراوي، وجواباً على سؤال، "لماذا لا تتعاونون مع الدكتور الحص وهو الأكاديمي والفهيم والمعتدل"؟ أجاب عون: "قد يكون الحص اكاديمياً وفهيماً ومعتدلاً، إنما تنقصه شجاعة الموقف". وهنا بالواقع بيت القصيد لأن الرجل ما اعتاد على الشهادة للحق ولا هو دافعَ في يوم عن قضية محقة. أسقطوه في الانتخابات وهو رئيس وزراء واسقطوا معه كل الذين كانوا على لائحته، ولم يتجاسر حتى على الاحتجاج وبقي صوته خافتاً، قتلوا المفتي الشيخ حسن خالد وهو في موقع المسؤولية فطأطأ الرأس ولم يقوَ على فرض تحقيق جدي في الجريمة. أما مواقفه من قادة منظمة التحرير الفلسطينية يوم كانت هذه الأخيرة تهيمن على بيروت الغربية فيعرفها القاصي والداني وهي ليست بمفخرة لأحد.

 

الدكتور المحشور والمعزول يستمر باتهام العماد عون بقصف بيروت الغربية رغم علمه اليقين أن القذائف التي استعملت في القصف لا يملكها إلا الجيش السوري، يتبجح بوقاحة ودون خجل وهو الذي وافق في البداية على التحقيق الذي طالب به العماد عون ثم تجابن وتراجع عنه بايماء من المحتل.

 

إن الخط الثالث الذي يسوِّق له الدكتور الحص، هو خط همايوني وخيالي لا وجود له في الواقع المُعاش لأنه وكما يقول السيد المسيح: "من ليس معي فهو ضدي، ومن لا يجمع يفرق". إن الناس الثائرة على الظلم والظالمين هي إما مع المعارضة الوطنية الجامعة المطالبة بالحرية والسيادة والاستقلال والتحرر من نير العبودية، وإما مع المحتل ورموزه الجاهدين بكل وسائل الإجرام لقمع "ثورة الأرز" وإبقاء لبنان دولة تابعة تدور في الفلك البعثي.

 

إننا لا نرى في "الخط الثالث" إلا مجموعة من الانتهازيين اللاهثين وراء المصالح والمنافع الذاتية وهؤلاء لا يمُتون بصلة لأحرار لبنان، وهم بالتأكيد ليسوا في قاطع المعارضة.

 

إن الحياة موقف عز وشمخة رأس، ومن لا موقف له هو ربيب الذل خدين العار، يرذله الناس، ويلعنه التاريخ، وله صرير الأسنان يوم الحساب.

 

22/3/05