الأستاذ وليد جنبلاط وتقليب المواقف

الياس بجاني

مسؤول لجنة الإعلام في المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

 

ردنا اليوم منحصر في موقف السيد وليد جنبلاط المستجد وقد عودنا تقليب المواقف والتقلب معها، وكما كنا أيدنا وعارضنا مواقف سابقة كثيرة له نستنكر اليوم الموقف الاستفزازي الذي اتخذه مساء أمس عقب انتخابات الشمال ونتمنى عليه أن يُصلح ما أتلف لأننا نريده زعيماً وطنياً وإن كنا لا نتفق معه في معظم خياراته السياسية.

 

لم يتعود الشعب في لبنان قبل هذه المرحلة سماع ما يسمع من تدني في الخطاب عند بعض المدعين أنهم يمثلون في بلدنا الوجه الراقي. بالأمس سمعت "البيك" عبر وسائل الإعلام يتهجم على الرئيس عون وعلى غيره من القادة بشكل لا يليق فحزنت على المستوى الانحداري في لبنان.

 

كيف يسمح لنفسه أن يتلفَّظ بالشتائم والسباب أمام الجماهير والرأي العام ويرشق الكلام النابي فيُنَفِّر الذوق والأدب من أسلوبه. ونتساءل هل هذا التصرف يليق بابن زعيم رصين وربيب بيت سياسي له في السياسة طول باع؟ وهل ما قاله يتناسب مع وضعيته كسليل طائفة كريمة لبنانية أصيلة شعارها العقل وهو يمثِّلها ويتصرَّف بحقد واستهزاء وضغينة؟

 

هل هو نائب يمثِّل الأمة بكل شرائحها المثقفة ويعتقد أنه مشكور على حديثه النازل تحت سقف الشهامة والأخلاق؟

 

كيف يكون نائبا رزيناً وممثلاً لبيت عريق وطائفة نعتز بها ومجتمع متحضِّر ووطن مفدَّى وهو يلجأ إلى تعابير مهينة مشينة تربأ به أن يكون في موقع المسؤول عن القيم والمثُل العاليات في مهد الحضارات؟

 

ثم يتهجم بمنطق الحرب وبذهنية الثورة والحقد وكأنه لم يتخلَّص بعد من رواسب المليشيا وتفكير القبلية وعقد العشائر. أليس الكلام صفة المتكلِّم؟ أليس الإناء ينضح بما فيه؟

 

إن التهجم على العماد عون بهذا الأسلوب الحاقد ينفر كل محبيه وهم كثر ومن كل الطوائف والشرائح. فالعماد لم يُلغِ أحد في الانتخابات وإنما قال الشعب كلمته بصيغة ديمقراطية ولا أشرف. لم يجري في المتن الشمالي وكسروان وجبيل وزحلة أي نوع من التسعير المذهبي والرشوة والاعتداءات.

 

ثم لماذا مسموح للأستاذ جنبلاط أن يفتعل بإرادات الناس في الشوف وبعبدا وعاليه فينحِّي ويولِّي كما يشاء؟ لماذا إذاً هنا طيبة على قلبه غير سائل عمَّن ألغى وبمن احتفظ، ومُرٌّ على غيره وممنوع أن يكون حراً تماماً كما ارتأى الجنرال عون؟ أما كانت أنزه انتخابات في المتن الشمالي وكسروان وجبيل ظفَّرتْ التيار الوطني والرفاق؟ كل مرَّة نتفاجأ عندما يُنمى إلينا أن "البيك" بالزعامة المزعومة يشن حرباً شعواء ويهدد بالطائفية وبالخلاف المستشرس المستشري.

 

هل يعتبر أن اللبنانيين عموماً والمسيحيين تحديداً أغبياء إلى هذا الحد حتى يتهجَّم عليهم وكأنهم لا يعرفون من يختاروا لتمثيلهم ؟ عيب على نائب منتخب يفترض أنه يحمل هموم وغموم البلاد إلى المجلس النيابي، أن يرتدي هذا الطابع العدائي المغلف بالنقمة العارمة التي تلوح على أسارير وجهه تزينه السخرية اللئيمة التي لا يستهويها إلا الكَذَبة والدجَّالون.

 

وماذا أيضا عن المصالحة؟ أين رجوع الناس إلى الجبل و17%  فقط عادوا و22% إلى الآن أمرهم معلَّق؟ ماذا عن تجاوز الممتلكات التي تطاول عليها، وهدمها وغيَّر معالمها وبنى مكانها بالقوة ولم يردها إلى أصحابها، وماذا عن التعديات التي ارتكبها بحق الناس؟ هل كل هذا يشير إلى عزَّة نفس  وإباء ونظافة ونبل ومروءة؟ ثم من كان رمزاً سورياً أكثر منه ولا داعي هنا للدخول في التفاصيل لأن ذاكرة الناس حيه وهي واعية وتعرف المخفي والمعلوم من الأمور.

 

نصيحتنا أن يفحص السيد جنبلاط ضميره قبل التجنِّي على الغير والافتراء البغيض. قبل أن ينحو باللائمة على الجنرال عون أو غيره عليه أن يقشع الخشبة النزيلة في عينيه لا القشة الهزيلة في عينيهم. إنه من العار بمكان الاستمرار في استكمال هذه السُبُل المرذولة العوجاء التي تعيق التلاقي وتجعله مستحيلاً.

 

جُلََّ ما نطلبه هو التهذيب في الحديث والانضباط في السلوك واحترام اللبنانيين ومشاعرهم، والأهم قبول الآخر والخروج من عقلية ومنطق الهيمنة. إن لهجة السيد جنبلاط أمس كانت مُحِطَّة من قدره وقلة احترامه لنفسه قبل الآخرين. أيجوز أن نقول إن هذا هو وجه من يمثل أو بالأحرى هل هذا هو الشخص القائد الذي يمثِّل الأسرة اللبنانية بأكملها في مجلس النواب؟ ويلاه إذا كان هذا هو المظهر السياسي اللبناني. أوَّاه منكم أيها المُتعصِّبون السائرون إلى نهايات ذميمة وخيمة لا تُحمَد عقباها.

 

خلاصة القول: إن شريحة كبيرة من شعبنا بايعت الجنرال وأي تهجم غير مبرر عليه هو تهجم عليها، وهو الذي ما انباع على غرار أولئك الانبطاحيون الحربائيون المترجرجون الذين باعوا نفوسهم لكسب الرضى غير آبهين بمن انتخبهم وأوصلهم إلى الكراسي "المتختخه".

 

اللهم أوفِق الحال، إِهدِ الضالين، أطرد الأرواح الشريرة ممِّن هم على صورتك ومِثالَك؟

أخنق في الباطن الزندقة وحوِّل الاستهتار إلى رشاد والرعونة المُسيئة إلى الكرامات نوراً مبيناً.

 

21 حزيران 2005