تقرير ميليس والمجرم الحقيقي

الياس بجاني

مسؤول لجنة الإعلام في المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

 

يتوافق الجميع في لبنان وفي الخارج على أن ما توفر للمحقق الدولي ميليس من إمكانيات فنية وتقنية وأمنية هائلة غير مسبوقة وتغطية دولية سياسية وقانونية ندر نظيرها لم يتوفر في التاريخ المعاصر ولا الغابر لأي قضية في أي مكان من العالم.

 

من هنا فإن التحقيق في ملف اغتيال الحريري قد خرج كلياً بنتائجه عن سيطرة لبنان وسوريا وباقي دول منطقة الشرق الأوسط، كما أن الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وهي الدول الثلاثة التي أوصلت الملف إلى ما وصل إليه دولياً لم يعد بإمكانها هي الأخرى التأثير على نتائج التحقيق بأي شكل من الأشكال، وبالتالي فإن التقرير الذي سيقدمه ميليس خلال الساعات القليلة القادمة لأمين عام الأمم المتحدة كوفي أنان سيضع الأمور في نصابها ويوجه الاتهام مباشرة إلى من خطط ومول ونفذ جريمة مقتل الحريري.

 

قد لا تكون الأدلة كافية مئة في المئة لإدانة الطرف أو الأطراف التي سيكشفها ميليس ولكن هذه هي طبيعة القرارات الظنية للمحققين التي تترك أمور التجريم أو التبريء للمحكمة التي ستكلف النظر في الملف.

 

إلا أنه ومهما كانت وجهة ميليس الاتهامية فإن الشعب اللبناني بأكثريته الساحقة يعرف تمام المعرفة من هم الجناة الحقيقيين ومن هي الجهات المحلية والإقليمية التي خططت ومولت تنفيذ الجريمة.

 

إنها نفس الأيدي الإبليسية والضمائر المخدرة والعقول المريضة التي طوال خمس عشرة سنة من حكم الدمى جعلت من لبنان عن سابق تصور وقصد وتصميم ساحة لحروب الآخرين، تاجرت بالقومية العربية وبالعروبة حتى أعيتهما، هجرت الناس، دمرت العمران، شرعت الحدود لشذاذ الأفاق، أقامت الدويلات والجزر الأمنية الإرهابية والأصولية، سوقت للتعصب الديني والمناطقي والمذهبي، تاجرت بما يسمى زوراً المقاومة، سرقت أموال الدولة وأوقعت البلد في ديون فاقت ال 42 بليون دولاراً، أقفلت المصانع، بورت الأرض، أيبست الحقول، هتكت الأعراض، قتلت، أرهبت، اغتالت، خطفت ونكلت بالأحرار.

 

ربطت لبنان باتفاقات ذل وخيانة مع بعث القرداحة، عهرت القضاء، قلبت المعايير، ضربت التوازن الديموغرافي ولم تترك جريمة ونكرة إلا وارتكبتها. هي نفسها الجهات التي دنست قصر بعبدا في 13 تشرين الأول سنة 1990 وأسقطت الحكومة الشرعية وهي نفسها التي تغاضت عن مصير معتقلينا اعتباطاً في السجون السورية وهي دون غيرها التي تحول دون عودة مشرفة لأهلنا اللاجئين إلى إسرائيل والتي تقف عائقاً في وجه تمتعنا نحن المغتربين بحقوق المواطنية.

 

لا يهم من هي الأسماء التي سيتهمها ميليس في تقريره لأنه مهما اختلفت هذه الأسماء ومهما تغيرت وجوه أصحابها فإن المجرمين الفعليين هم هم وإن يكن بوجوه مختلفة وأسماء متغيرة.

 

إن المجرم الأساس هو الحكم السوري البعثي بكل رموزه من عسكريين وقياديين المسؤول كلياً عما تعرض له الشعب اللبناني ولا يزال من انتهاكات وتعديات واضطهاد وإجرام منذ العام 1975.

 

أما المجرم الشريك للاحتلال السوري في كل ارتكاباته فهم خوارج وطراودة الداخل بكل فئاتهم وأطيافهم وهم الذين ارتضوا دور الدمى والعبيد وامتهنوا الخنوع والركوع قادة وسياسيين ورعاة رعاع.

 

إن المجرم الذي اغتال الحريري بوجهيه السوري "والخوارجي" - الداخلي هو نفسه الذي دمر لبنان وسبب كل المآسي التي عانى  من ويلاتها ولا يزال شعب اللبناني الحبيب.

 

من قتل الحريري قتل المفتي خالد والرئيسين بشير الجميل ورينه معوض واغتال كمال جنبلاط وجورج حاوي وسمير قصير ورشيد كرامي ورياض طه وسليم اللوزي ورمزي عيراني، وحاول قتل مروان حماده والياس المر ومي شدياق وغيرهم الكثير.

 

هوية الجزارين معروفة إلا أن المشكلة تكمن في أن معظم رموز الحقبة الإجرامية البعثية أولئك من سفاحين ودمى وصنوج وبهلاوانيي سياسة وتجار تحرير ومقاومة وقوميات هم اليوم من الملتحفين عباءات الوطنية والأخلاق والعدل، والأخطر أنهم كذابون ويتحكمون بمصير لبنان الغد. فكيف نؤمِّن لكذاب ونسلمه الوطن "والكذاب والميت سواء، لأن فضيلة الحي على الميت الثقة به، فإذا لم يوثق بكلامه بطل  حياؤه" (الإمام علي)!!

 

من هنا فإن الجريمة بحق لبنان مستمرة ولن تتوقف بمعرفة من قتل الحريري، بل بمحاكمة كل المجرمين دون استثناء وإجراء تحقيق مالي بإشراف مدقيقي حسابات دوليين.

 

20/10/2005