عباءات، اسقاط واستغباء!!

الياس بجاني

مسؤول لجنة الإعلام في المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية

 

بحسرة وأسى سلط غبطة البطريرك صفير مؤخراً الضوء على المضار الوطنية الهدامة التي تسببها مواقف قادة وسياسيين ومواطنين من كل الشرائح المذهبية والسياسية تعودوا تلقي الأوامر وأدمنوا النمط التبعي في ممارساتهم والتفكير، وهم لا يمكنهم تدبير شؤونهم دون ما تعودوا عليه.

 

كلام غبطته يصف حالة من حالات الأمراض النفسية المعروفة باسم "رزمة أعراض ستوكهولم". (Stockholm syndrome) التي هي عبارة عن مجموعة من الأعراض المرضية النفسية والعقلية تتصف بها تصرفات ضحايا الخطف الذين يتعاطفون بعد فترة من الحجز مع خاطفيهم وسجانيهم فيعتمدون عليهم لتدبير شؤونهم حتى بعد تحررهم من الأسر.

 

المصطلح مستعار من حادثة سطو وقعت في العاصمة السويدية، ستوكهولم سنة 1973 حيث قامت عصابة لصوص من اقتحام أحد البنوك واحتجاز عدداً من موظفيه داخل الخزنة. معظم المحتجزين وبعد مرور ستة أيام على احتجازهم قاوموا محاولات إنقاذهم من قبل القوى الأمنية ورفضوا الشهادة ضد خاطفيهم عقب إطلاق سراحهم.

 

إن تصرف العديد من أهلنا قادة ورعاة ومواطنين الذين عفروا الجباه على أعتاب عنجر وقصر المهاجرين على مدار 28 سنة متلذذين بمذاق تبنهما قابلين صاغرين ربط حبال الذل والتبعية حول رقابهم ومسخرين ألسنتهم والضمائر لكل ما هو عكاظي وطروادي وملجمي، هؤلاء الزنادقة أدمنوا الخنوع ففقدوا مساحات الحرية في نفوسهم والكرامات، وأمسوا دمى تُحرك عن بعد فاقدين البصر والبصيرة وهم على ما يبدوا وجدوا لأنفسهم أسياداً جدد بدل أسيادهم جماعة البعث المندحرة.

 

نقلوا البندقية من كتف إلى آخر بسرعة البرق وفي عتمة الليل استبدلوا أقنعة التبعية العنجرية بغيرها ولنا في قول الأستاذ بري الساخر خير برهان على الوضع المرضي لهؤلاء: "إذا كان المطلوب تأجيل الانتخابات فهو عند الفرنسيين والأميركيين، ولم نعد نحن نمون على هذه القضية"!. كلام الأستاذ هذا تناغم مع تصريح لمصدر أميركي رسمي انتقد فيه بيان المطارنة الموارنة، وإصرار كل من ممثل الأمين العام للأمم المتحدة تري رد لارسن وسفراء فرنسا وأميركا والسعودية والفاتيكان على ضرورة إجراء الانتخابات في مواعدها بغض النظر عن نوعية القانون الذي ستجري على أساسها، فيما من المفترض إنه ومهما اختلف اللبنانيون مع بعضهم البعض أن لا يطوبوا أية جهة خارجية مرجعية لهم بعد تخلصهم من المرجعية السورية!

 

بعد أفول حقبة الاحتلال البعثي وتحرير لبنان من رجس احتلال دام ثلاثين سنة عجاف، فإن فريق قوم التبعية من مدعي وتُجار العروبة والقومية والتحرير ووحدة المسار والمصير في الموالاة والمعارضة وباقي أوكار التجارة والمساوامات، وهو القوم المصاب بالمرض الستوكهولمي الذي لا دين له غير دين المصالح، ولا قبلة له إلا قبلة الدولار والريال. هذا القوم لم يجد أي حرج في الانتقال من أحضان رستم عزالي وأسياده إلى الأحضان "الوهابية – الغربية" إذا جاز التعبير، وهو قوم على ما ظهر وبان حتى للعميان على استعداد للارتماء في ما يتوفر من أحضان دافئة بمن فيهم حضن "أولاد العم"!! 

 

أما الظاهرة المرضية الأخرى اللافتة التي جمعت بين أقوال وأفعال معظم أهل "المولاة والمعارضة" على حد سواء بعد الانسحاب السوري فهي ظاهرة الإسقاط(projection)  أي رمي الآخرين بما عندهم من مخزون نقص وأخطاء وخطايا، وقد تجلت هذه الظاهرة بوقاحة ضاربة ونرجسية فاقعة في معظم ما قاله دون خجل أو وجل صاحبي"الخط العربي"!! السيدين وليد جنبلاط وسليمان فرنجية عبر تلفزيوني المستقبل والمؤسسة اللبنانية للإرسال في مقابلتين مطولتين. لقد تناسى القطبين المحترمين أنهما الوحيدين من بين كل أتباع البعث في وطن الأرز اللذين خلع عليهما الوالي الشامي عباءته في كل من المختارة وزغرتا، كما أغفلا أن أمر إستغباء الناس لن يجدي على المدى البعيد لأن الذاكرة مليئة بانجازاتهما الملجمية والطروادية!! نشير هنا أن السيد فرنجية كان صادقاً مع نفسه وواضحاً في قناعاته التي بالطبع لا نقرها ولا هي تبرر ممارساته طوال سنين الاحتلال، أما زميله في الخط الضنين على العروبة وتوابعها !! فهو لم يفاجئ لا محبيه ولا معارضيه بالمواقف التي سوق لها وقد أكدت مجدداً على صوابية صورته العالقة في عقول وذاكرة الناس.

 

نقول بمحبة للقطبين ولغيرهم من القادة والرعاة في لبنان إن هذه المسرحيات مكشوفة وقد ولى زمنها بعد أن تحرر الناس من عقدتي الخوف والتقية. نُذكِّر لعلى في التذكير فائدة أنه مهما طال زمن الظلم والاستعباد والاستغباء فهو إلى زوال أكيد ولهم في انتهاء الحالة السورية المذلة خير برهان وفي سقوط صدام خير عبرة. ليعلم هؤلاء أن شباب لبنان عماد "ثورة الأرز" لن يرحموا من خان قضية التحرير والإصلاح وعمل على قتل أماني وتطلعات الناس واغتيال حلمهم في وطن حر سيد مستقل علماني ديمقراطي.

 

أما الكلمة الأخيرة فستبقى للناس الأحرار، وهم الأكثرية الذين لن يقعوا في شباك وكمائن ومصايد تجار المذهبية ومصاصي دماء المناضلين والناس  هؤلاء سيقولون كلمتهم الفصل والحكم دونما مواربة أو خوف إن لم يكن اليوم فغداً الذي سيكون قريب لناظره وعندها يكون البكاء وصريف الأسنان.

 

قال أحد القادة من المصابين بمرضي ستوكهولم والإسقاط أمس وهو يهاجم بيان المطارنة الموارنة المحق والصارخ في طلب العدل والمساواة: " إن المطلوب اليوم التعقل والرصانة وليس التطرف والجنون". نختم باستعارة الرد من مفكر لبنان الكبير أمين الريحاني: "إنَّ جُنُوناً فِيْ سَبيلِ الحَقِّ والْحُريَّةِ لَخَيْرٌ مِنَ الرَّصَانَةِ مَع العُبُودِيَّة.

16/5/2005