لبنان إلى أين ؟
بقلم الأستاذ/لاحظ حداد

السياسيون، على مختلَف مشاربهم واتجاهاتهم، ينساقون باتجاه وحيد ليس من السهل الخروج منه.‏ الموالاة (بحسب الأنظمة الديمقراطية) تحاول جاهدةً لاستكمال خطة الحكومة لإنقاذ البلاد من ‏الفراغ والتفريغ. ‏المعارضة (إن جازت عليها هذه التسمية ديمقراطياً) تجـر البلاد إلى وضعٍ لن تتمكن من ‏السيطرة عليه. ‏

الحكومة، وقد وُضِعت في موقع الدفاع النفس، تحاول اكمال العمل المنوط بها في البيان الوزاري ‏متجاهلةً تماماً محاسبة بعض أعضائها على استفراد قياداتهم الحزبية في إدخال لبنان ككل في ‏حرب مدمرة لم تراعي في توقيتها مصالح الوطن العليا. ‏

إن عملية الهروب إلى الأمام التي تقودها المعارضة لن تشفع بها حملاتها على الحكومة التي ‏أنقذت، إلى الآن، المعارضة ذاتها من نتائج معارضاتها العشوائية. ‏
‏ إن الحملات التي تقوم بها المعارضة، تحت ستار الدستور، ما هي إلاّ أدوار ومناورات تم ‏توزيعها بإتقان بين أعضائها ومؤخراً تكشفت بشكل مُذهل عن وجود قائد واحد لا همّ له سوى ‏تدمير هذا الدستور. ‏
إن الدستور هو الحامي الوحيد للكيان اللبناني لذلك نرى قائد أوركسترا المعارضة ينشط بين الفينة ‏والفينة في فتح النار عليه لخلخلته وربما للإستغناء عنه فالإستعاضة عنه بدستور دكتاتوري (إذا ‏وجد لها دستور).‏

من المؤكد أن دستورنا بحاجة إلى إعادة نظر شاملة تأمن شروط الولاء والانتماء بشكل أفضل ‏وتمنع التعدي ‏ على الوطن كلما عنَّ لأحد ما أو طائفةٍ ما استغلاله لمصلحته أو مصلحتها ‏الخاصة . لكن هل هذا هو الوقت الملائم لهذه الإعادة نظر ؟ ‏

يغيب عن ذاكرة الجميع، موالاة ومعارضة، أن التعدي على الدستور إنما بدأ على أيدي السوريين ‏وحلفائها منذ الوقت الذي باشرت سوريا تدخلها في الشئون اللبنانية. موالاة ومعارضة، نسوا أو ‏تناسوا أنهم عندما ارتضوا بالطائف "وثيقةً دستورية" كانوا كمن يلحس المبرد، فلا هم أخذوا (أيّ ‏منهم) ما كانوا فعلاً يطالبون به ولا هم نفذوا أقل نسبة من بنوده بل ارتضوا بكل ما فرضته ‏سوريا عليهم جميعاً. ‏

عندما فرضت سوريا التخلي عن تنفيذ مبادئ الدستور لمصلحة تنفيذ بعض فرضيات الطائف، لم ‏يجد الموالون أي إجحاف بحق دستورهم فعقدوا الاتفاقات المجحفة بحق وطنهم لمصلحة سوريا ‏وقبلوا بربط مصير وطنهم بمصيرها وألزموا أنفسهم بمسار النظام السوري الذي أوصلنا إلى ما ‏نحن فيه اليوم. ‏

لم يجد أحد منهم، سوى القلّة، أي مخالفة للدستور في التجديد لرئيسهم الهراوي ولم تقم ثورة ‏وطنية وأيضاً عندما تم التجديد بالقوة للرئيس الحالي، فلماذا إذن تثور المعارضة اليوم عندما تلبي ‏الحكومة مطالب مجموع اللبنانيين، المقيمين منهم والمغتربين، في أجلاء حقيقة اغتيال رئيس ‏حكومتهم ووزيرهم ورفاقهما وعدد لا يستهان به من رجالات وطنهم الذين طالبوا بإخراج سوريا ‏من لبنان بخاصةٍ علماً من أعلام لبنان، جبران التويني؛ هذا حتى لا نذكر محاولات اغتيال وزراء ‏لهم وإعلاميين بارزين في وطنهم وأيضاً عمليات التمير التي ضربة مرافق تجارية وصناعية في ‏عدد من ضواحي بيروت التي كانت تُسمّى شرقية ‏

غريبة هي هذه الديمقراطية التوافقية التي ينادون بها! وغريبةٌ هي هذه المشاركة التي يطالبون ‏بها! ‏
ترى كيف تبيح الديمقراطية لمشاركة المعارضة والموالاة في حكم البلاد وكيف وأين إذن يكون ‏الرادع لتصرفات الحكومة إذا أخطأت ؟ ‏
هل هذه المشاركة المطلوبة سوف تستوفي شروطها إذا ساهمت المعارضة في اقتسام المغانم التي ‏تدعي أن الموالاة تقطفها؟ أم تراهم يرغبون العودة إلى حكم الترويكا السابق وجودها أيام الهيمنة ‏السورية؟ ‏

يتوافقون، موالاة ومعارضة، على قيام حكومة وحدة وطنية فتخرج هذه بيان وزاري يتضمن كافة ‏شروط المعارضة فتقبل وتُمَنح الثقة وبعد قليل ينقلبون عليها ينقلبون عليها ويحاولون إسقاطها، لا ‏لسبب إلاّ هروباً من محاسبة وتهرباً من عقاب. ‏

حزب الله حاشا لله أن يكون له حزباً خاصاً به - ما أشبه هؤلاء بخاصة الله - اليهود الذين ‏يجعلون أنفسهم أصفياء الله وشعبه المفضل)، يقيم الدنيا ولا يُقعِدها إذا ما مسَّ أحداً ملهمه (آية الله ‏نصيرالله ، نصرالله). ‏

بعد فشله في وقف المطالبة بالمحكمة ذات الصفة الدولية، عن طريق اعتكاف فريقه الوزاري لمدة ‏سبعة أسابيع، ولم تفلح ورقة التفاهم بينه وبين قطب العارضة "الثانوي" إلاّ في استعمالها "رافعةً" ‏لاسترداد هؤلاء الوزراء كي يتابعوا تنفيذ مهام معارضتهم الداخلية لحكومةٍ هم، ويا للعجب، ‏أعضاؤها!‏

وبعد أن تبيّن عجز حزب الله في محاورة قادة لبنان من على "طاولة الحوار" وعلى مجابهة طلب ‏اللبنانيين في تسليم سلاحه وانضمامه إلى الدولة التي قدمت له جميع تسهيلات الانضمام فتكون ‏مشاركته حقيقية أكثر فاعلية وقبولاً لدى كافة اللبنانيين حتى منهم من رفض ولا زال رافضاً بقاءه ‏مسلحاً ... أليست هذه دلائل عجزه للدخول في الدولة الحديثة والضامنة والعصرية التي يطالب ‏بها؟ ‏حتى المتفاهِم معه في المعارضة، رغم ادعاءاته، لم يتمكن من إقناعه ففضل القبول بمقولته! ‏ودافع عنها!! ‏
وتهرّباً من المصير المحتوم دولياً ومحلياً، يتحيَّن حزب الله، من الزمن أفضله كي يزاول مهنته ‏المفضلة (الخطف) كي يقوم بتجربته الفريدة في الاستيلاء على الدولة عن طريق تدميرها فكانت ‏نتيجتها: درجة متقدمة لتحقيق حلمه الأساسي الذي انتدب نفسه أو انتُدِب لتحقيقه : الدولة ‏الإسلامية ؟ ‏

ألا يدرك حزب الله أن مناوراته مكشوفة تماماً ؟ وَ ... ألا يدرك هذا الحزب أن تصرفه غير ‏المعقول أو المقبول ومهما كانت ادعاءاته كانت خدمة لإسرائيل وحليفتها سوريا ... ( ننشر لاحقاً ‏أسرار الطغمة الحاكمة ومؤامرتها على الدول العربية المسلمة وبالتالي توازن استراتيجتها مع ‏استراتيجية إسرائيل).‏

المقلق فعلاً أن قطب المعارضة "الثانوي" لا زال يراهن على حزب الله وزاد اليوم ليراهن على ‏حلفاء هذا الحزب ويدافع عنه وعنهم! ونراه مستعداً أكثر للمساهمة في تدمير الدولة عن طريق ‏إسقاط الحكومة الوحيدة التي تمكنت من استقطاب العالم كله من أجل نصرة لبنان وإخراجه من ‏عنق الزجاجة التي تريد سوريا وحزب الله وحلفائها إبقاء لبنان داخلها. ‏

والمرعب فعلاً هو ألاّ يرى هذا القطب، الذي أصبح متشنجاً أبداً، أن مسلسل طلباته من الحكومة ‏التي حمت أبنائها رغم إرادة أحزابهم في ضرّاء ما أسقطتهم فيه من تشريد وترحيل حتى لا نقول ‏تهجير، متسلحاً بحصانته البرلمانية كي يقيم الدنيا ولا يقعدها لإسقاط هذه الحكومة مستعملاً أصغر ‏التقصير لغسل أذهان الناس وإقعادهم عن محاسبة حزب الله عن نتائج ومخلفات حربه المدمرة ‏للبلاد والحاجزة لتقدم العباد حتى باتت تهجماته على كل شفةٍ ولسان. ولنا أن نتساءل هنا ماذا يريد ‏هذا القطب الثانوي من وراء تقديماته غير الموزونة سوى مطالبة حزب الله بترئيسه للدولة؟

‏ونتساءل أيضاً: ترى هل يتمكن هذا القطب الذي يعارض بوضوح قيام دولته الحقيقي من استفراد ‏الشعب اللبناني بأكمله كي يحقق حلمه الذي يعود إلى أيام ترؤسه الحكومة المؤقتة حين رفض قيام ‏الدولة آنذاك بقيامه بحرب التحرير الغريبة التي أدت فيما أدت إلى الطائف وكيف أيضاً رفض ‏ذاك الطائف ما لم يبادر إلى تحجيم دور القوات اللبنانية وضربهم في عقر دار المسيحيين إذ ذاك؛ ‏مقابل وعودٍ له أثبت مقدموها أنهم ليسوا أكثر وفاءً من الانكليز والحلفاء ووعودهم للعرب أثناء ‏طردهم العثمانيين من أرضهم... ‏

ويهددون بالشارع ،،، ذكاء لا بد من الإشادة به لنصرالله. وبالتالي للقطب الثانوي. ‏
الأول - لا يعطي عقاد نافع عن توقيت نزوله إلى الشارع بل يتركه سيفاً مسلطاً؛ فوق رؤوس ‏الحكومة؟ كـلا! بل فوق رؤوس الشعب بكافة فئاته العاملة معطلاً بذلك كل تحرك للشعب البائس ‏والساعي لاستلقاط أنفاسه بعد حربه الكارثية على البلاد، وما همه أن تتأذى الفئة التي يدعي ‏تمثيلها طالما هو يوزع المال الإيراني عليها فتستقيم أمورها آنياً وهو بالتالي لا يعاني الإحباط ‏الذي أصاب باقي الشعب اللبناني التائق إلى الراحة والاستراحة . ‏
الثاني - لا يقدم سوى برامج عشوائية لا تشبع جائع ولا تغني فتيلاً وبالتالي يتخذ من بعض ‏القشور محطات منابرية للتهجّم على الحكومة ويرفض كل حلٍّ لا يناسب تطلعاته.

نتساءل هنا ونسأل الفريقين: ترى ماذا تريدان؟ هلآ قدمتما للشعب برامج مستقبل الدولة التي ‏ترغبون وتزمعون إقامتها والكيفية أو النهج المطلوب. لقد أعلنت الموالاة التي هي الحكومة عنا ‏تقوم به وهي تنفذه أما أنتم فما أعلنتم سوى رغباتكم في إسقاط حكومتكم وتهديدها يومياً . ‏
الغريب والأغرب ما في الأمر هو: في أن الثاني في الفريق يعلن على الملأ رغبته في استلام ‏رئاسة الدولة في حين أن الأول في هذا الفريق لا يعلن سوى تحقيق رغبات ذاك الثاني... أي ‏ببساطة ليس لأحدٍ منهم برنامج سياسي واضح المعالم كي يصار إلى التفاهم حوله. وما اختراع ‏قضية المحكمة الدولية بنظرنا سوى قضية بطلٍ يراد منه حق . فهم يقبلون بالمحكمة وفي آن ‏يمنعون تحقيق نشأتها. ‏

ترى عن من يدافعون؟ هذا السؤال لم يجد إلى الآن سوى جواب واحد ووحيد وهو أنهم يدافعون ‏مرتكبي تلك الجرائم التي سوف تنظر بها تلك المحكمة. ومن أول بالدفاع عن المجرم سوى ‏المجرم ذاته أو الوكيل المكلف أو المنغمس معه في الارتكاب؟ ‏

الحكومة غير المعصومة: ‏
يبدو أن علينا تنبيه هذه الحكومة أنها المسؤولة أولاً وأخيراً، ليس عن أمن المواطن وأنها فقط بل، ‏المحافظة على أمن الدولة ككل. وبالتالي ننصحها، بعد امتلأ كاس التأني ومسح الجوخ أن تباشر ‏العمل الانقاذي المطلوب في مثل هذه الحالة في جميع دول الأرض. ‏

لم يعد من المقبول السكوت عن تصرفات حزب الله وحلفائه المشرأبة أعناقهم أبداً وعن تهديدهم ‏الدائم للسلم الأهلي (تسمية رحمها الله) وبالتالي فإن المثل القائل: لا يفل الحديد سوى الحديد بات ‏اليوم أكثر فعالية بل أكثر من ضروري كي يوضع موضع التنفيذ. ‏

إن السكوت على التهديدات المنصبة على لسان كل عمامة إيرانية ولبنانية خالفت إلى الآن ‏وتخالف كل يوم جميع مبادئ الدستور الذي يتغنون بالحفاظ عليه. لذا من من اللازم أخذ الأمور ‏بكل جدية لمنع مثل هذه التهديدات التي تتغطى بالديمقراطية لتهديم الكيان اللبناني كله وبالتالي ‏توجيه التحذيرات المناسبة، تحت طائلة القانون، باعتقال كل من يهدد السلم الأهلي والدولة، مهما ‏كانت أساليبهم مغطاة الديمقراطية فالديمقراطية لا تسمح بتهديم نفسها من داخلها وإلاّ أمست ‏دكتاتورية. ‏

فالمشاركة في الحكم لا تستوجب ممالئة أية فئة على حساب الوطن وبالتالي إن هذه الفئة أو تلك ‏ليست بحال ممثلة لجميع أبناء من تدعي تمثيلها. ‏

فحزب الله لا يمكن أن يمثل جميع أبناء الطائفة الشيعية الكريمة حتى ولو شملت معها حركة أمل ‏الشيعية. إذ ارتفعت أصواتٌ هامة ومهمة من أبناء هذه الطائفة لتعلن عدم رضاها عن هذا التمثيل ‏المطلق.‏

والقطب الثانوي لا يمكن أن يمثل جميع اللبنانيين في طائفته المسيحية، وإن مثل إنتخابياً، ‏ولظروف معروفة، بعض هذه الطائفة. إذ بينت أكثر من فئة من هذه الطائفة أن تمثيله لها غير ‏واقعي وليس بالتالي مطلق. ‏

وأيضاً فإن الطائفة السنية الكريمة ليست ممثلة بجميع فئاتها في الحكم... هكذا هي دوماً ‏الديمقراطية الحقيقية: موالاة أكثرية في مقابل معارضة أقلية. ‏
فلماذا إذن هذا الافتراء على الحكومة التي تمثل الأكثرية؟ وهل أقطاب المعارضة أكثر تمثيلاً من ‏أؤلئك الذين في الحكومة ؟ سؤال برسم الجواب. ‏

حزب الله وتهديداته ،،، وحلفائه.‏
تهديدات نصرالله يجب أن تقابل بمحاسبته عن ما اقترفت يديه فأعادت البلد سنوات إلى الوراء. ‏وربما مقاضاته أيضاً وحبذا لو كان حل هذا الحزب كما باقي الأحزاب غير اللبنانية التي تعمل ‏على الأراضي اللبنانية. ‏

تهديدات القطب الثانوي يجب أن تقاوم برفض انضمامه إلى الحكومة وإبقائه في صفوف ‏المعارضة لأنه أولى به. ‏
تصرفات وبيانات الرئيس الممدة ولايته يجب ألاّ يجاوَب عليها فهو أثبت بما لا يقبل الشك أنه ‏أصبح قطباً ثانوياً ثانيا في المعارضة... وحبذا لو أمكن محاسبته ومقاضاته.‏
في نظري، على الحكومة أن تعلن حالة طوارئ فورية والتصرف بمقتضى القانون تجاه الجميع. ‏
موقف جريء يجب اتخاذه فهل تتخذه الحكومة وهي التي لديها الغطاء الدولي بأكمله ؟ فهل تفعل ‏؟ ‏
صانك الله ... لبنان ‏

*لاحظ حداد/ناشط وكاتب اغترابي
‏20 تشرين الثاني 2006 ‏