أولاد الأفاعي

بقلم/الأب سيمون عسَّاف

 

إلى متى سكين الانتظار يموغ في جراح أهلي المساكين؟

إلى متى يعرض تجار السياسة بلادي في المزاد؟

إلى متى يغالي فجار الفسق فتنهش مجاعة الفساد جسد أمتي؟

يخجل إباء العيب من سلوك الماسكين مقاليد الحكم في معقل الأحرار.

يكدّ جبين العار عرق اليأس من ممثلي شعبي المعذب المقهور.

كيف نلهج بالخطاب وكيف ننهج للصواب بغية الوصول إلى ميناء الخلاص؟

لا توجد مفردة بذيئة في ناموس الأدب وقاموس اللغة لا تنفر من عنوان 14 أذار في لبنان.

قانون مزيف صنعه الغاصبون وتبنُّوه هم، وفر أكثرية أصوات لا تحظى برضى شرائح العز المغبونة، ربحوا زورا وخسر الوطن. ابتلى بنكبة كرامة فوق نكبة بأشباه الرجال.

عقدوا اتفاقات مع حلفاء وأخلفوا، أبرموا عهودا معهم ونكصوا. لم تعد لدينا حيلة للتفاهم معهم إلا الاستفهام عنهم علَّنا نعرف إلى أين يجرُّون الناس فقراء العقل والدم والحال هؤلاء؟ 

هل من يستوعب هذا التفكير الأهوج وهذا المنطق الأعوج؟

تفترسنا الخيبات من تشبّثهم المتعنت المبتور.

أما إصرارهم على الاستمرار في شلل حركة معيشة المواطنين فيذبح عنق آخر أمل بالبقاء. 

ماذا يُرجى من هكذا مسؤولين استولوا على مفاتيح المعرفة، فلا هم دخلوا ولا تركوا الذين يريدون الدخول؟

حقارة نفوس منها الشرف براء.

لهم عيون ولا يبصرون الأخلاق المنحورة والاقتصاد المتدني والبيوت المدمرة والعائلات المشردة، وأذان ولا يسمعون عويل الأطفال وحشرجات المفارقين وأنين البائسين.

ولوَلَ الوجع من مأساتنا واستحت التماسيح ممن لا يشعرون بالمُعاناة، يرقصون مقهقهين طربا على أسرة البذخ والأبهة لا يبَّكتهم توبيخ ولا يهزهم وجدان. هذه هي مصيبتنا التي بلغت الأوج من الهزيمة.

ماذا ترانا نفعل لتجليس ما احدودب في بلدنا؟

أولاد الأفاعي يبخون السم بفحيح مستديم في حياة ليست والعافية على عناق.

أَمَا كان الأجدر حرقهم علَّ إيمان ينعش يابس الأمنيات بعد  هذا الكفر الأعجف المرذول؟

تتعاقب الأيام والوضع يراوح مكانه بسبب استبداد الأكثرية العاجزة عن إدارة شؤون الدولة المفلَّسة.

من أين نأتيهم بالإحساس المتأوِّه من إذلال؟

أمَا طرقت أبواب دارهم وديارهم  مراثي اليتامى والمحتاجين الذين مزَّقتهم أنياب الفاقة ومخالب العوز بشراسة الكواسر والذئبان؟

ألا يرون الأجيال الطالعة تتدافع على هجران أرض الجدود من أجل تأمين مستقبل أفضل ينعمون فيه خارج بؤرهم المنتنة في مرامي الله الواسعة؟

ماذا فعلوا حتى الآن لتحسين الحِمى وتحصينه ضد غوائل الطارقين وضربات الطارئين؟

حرام أن يفقد لبنان نخب بنيه الثقيف مستبقياً القتلة والجزارين والأغبياء والمجرمين.

أنادي أبناء الأرز الشامخين مهيبا بهم للثورة النارية الآكلة لهذه الآفات اللعينة بجراثيمها الفاتكة. أستصرخ العنفوان الأبي في عروق الشباب كي ينتفضوا على المتربعين فوق تلال الجماجم وعروش العظام، وأن يقلبوا قوائم الكراسي على رؤوس أصحابها، ثم أستنهض الهمم لِخَلقِ غدٍ لا يأسف على ماضٍ تولَّى مليءٍ بالمخازي والريبات.

كيف يقبل سياسيو 14 أدار في لبنان بما هم عليه من انكسار بعد قيامة قاموها ووعد قطعوه بإسقاط الرئيس وإزاحته من القصر؟  لماذا لا يعترفون بالفشل الذريع الذي مُنيوا به فيظهرون كأنهم طواويس وهم كالنعام الخابيء رأسه في رمل التقهقر والفضائح والاندحار؟ لعمري إن هذه الأساليب التي تعاطوا بها، هي أبشع مظاهر السفاهة وقلة الحياء.

إنه من الفضيلة بمكان التسليم بالواقع السافر الشاهد على تعثرهم المرير وتراجعهم الضرير.

لا لم يفلحوا في أي مطرح لإراحة المواطنين وبالتالي لن يمكنهم  استكمال المسيرة على هذا المنوال إلى الآخر.

لِذا ندعوهم بأسى إلى الاستقالة من مناصب شغلوها ولم يبرهنوا للشعب أنهم على قدِّها.

هذه هي حقيقتهم التعسة البائنة للعيان، ولبسوا بحاجة إلى دليل طالما حضورهم الفارغ يدل عليهم وتصرفهم يسخر من مواقفهم.

من هنا يطرح  السوءال نفسه، إلى متى يظل ظل الاستبداد ساطيا رغم الهزال في النِزال؟

هل ذهنية المزرعة ما زالت سيدة تستعبدهم، والى متى؟

والمناسبة عيد قيامة وانتصار على الموت لا بل عيد تجديد لإنسانية الإنسان وللخليقة برمتها، وأيضا عيد قيامة من عالم عتيق وبعث من مهاوي العدم.

هل للبنان قيامة وهل الجبانة تحمل الخلاص؟

نحن لن نقنط لأننا أبناء الرجاء وإنما لم يأتون بالمخلِّص والسماء ساخطة عليهم.

لا لبسوا هم حملة الخلاص.

هيهات أن يتراءى طيف الفداء للبنان في هذه الهنيهات العصيبة.

ومع هذا الضباب المنتشر فوق الروابي والهضاب وبين السفوح والبطاح، يبقى للشمس شبَّاك يلوح منه شعاع غلبة الخلود على  الزوال في عرين الضياغم والرجال.

رباه هبنا بحنان رحمتك ورحمة حنانك إنقاذا يستعيد فيه لبنان مجدا أفل وفخرا زها.

أعطنا أن نستقرىء صفحات تاريخنا بتأمَّل وترصن واحترام، فنكون لك كما تروم ونروم، عِدْنا بمجيء المخلص الحامل لنا القيامة والحياة.

20 نيسان 2006