ارضنا مقدسة
بقلم/الاب سيمون عساف

تختلف الأشياء في الحرب وتتغير الصور فيتشوه وجه العمران وتقلب الجنة جهنما.

 كيف لا تتبدل ابتسامات الأعراس لتنوب دموع المآتم وثقافة القتل عند الانسان تجفل منها طبائع الوحوش وغرائز التنانين؟

على ماذا يقتتل الناس والأرض باقية وهم راحلون.

بالله يا فيروز يا يمامة بيوتنا ورفيقة مشاويرنا وملاك أحلامنا يحضرني هديلك الناعم: "القمر بيضوِّي عالناس والناس بيتقاتلو عَ مزارع الأرض الناس عَ حجار بيتقاتلو".

لا ليس أصح من هذه الكلمات وهي تترجم منطق الوجود البشري الخاضع للوصل والفصل والظهور والعبور على هذه الكرة.

في ذمة من اذاً دماء الضحايا الأبرياء من أطفال وشيوخ ورجال ونساء؟

أية شريعة تسمح في عصر النور بهذا التباغض الحاقد الذي يزرع  الويل والموت والدمار في ارض اساطير الآلهة؟

هل أجرم من هذا التنازع بين البقاء والفناء على تراب رسم عهده الفداء في ملء الزمن؟

ما معنى النضال من اجل الحرية ما لم يكن مقرونا باحترام حق الحياة لأبناء الحياة؟

أهكذا تتحول اللحظات في طرفة عين من سلام مطمئن إلى حرب شعواء تأكل الخضار واليباس ولا دخل للمساكين والنزهاء في أوزارها المنتنة.

يا خجلة التاريخ مما يدور في فلك وطن أهدى الحرف واللون والمحبة رسالة إلى المطلق. أين كرامة الخلق في مغامرة الفتح الكوني وذكريات البدع الخالدة في رؤى الغيب واكتشاف المجاهل؟

اجل أبشع المجازر عرفتها بشرية العصر تتمثل عبر شعبنا الأبي الذي يتعرض لأشنع أنواع العذاب والتشريد عبر مسيرته الوجودية التي دافع فيها عن حضوره الإنساني و إرثه التاريخي وضميره الحضاري، فأمطر انهارا من الدماء وما زال يعيش المآسي والآلم على يد السفاحين.

هل إبادة الإنسان وخراب القرى ومذابح الأعناق تمحى آثارها الحزينة من ذاكرة الإنسان اللبناني عبر أجياله القادمة؟ ألا تبقى حكايات البلايا والنكبات ربيبة الثأر وعشيرة الانتقام عند الذين فقدوا أحبة وانسباء وأهلا وخلانا؟

ستبقى أرضنا مقدسة للشهداء الميامين  تعكس ألق نهدات العز وزفرات الفخر وتتأرجح في الصدور كأنها نجاوى وصلوات إلى عرش السيد الأعظم.

دقيقة صمت استذكار لمن منحوا الأمة بدمائهم صكوك الحرية والصمود منذ البدايات حتى قيام الساعة، نعم هي لحظة لم تفارقنا حيث ما زال شعبنا يبكي أبناءه البررة حتى انتصار الخلاص.

عسى البلية هذه تكون درسا بليغا لمن يرمي إلى قلب المعادلة في داخل أو من خارج لبنان. إن حقائق الواقع تتنافى وخلفيات مطامح الطامعين.

وفي اعتقادي لن يتوارى عويل الموتى وانين الجرحى عن شفق الوجدان والخاطر.

إن ميزان الحكم في لبنان كان ويجب أن يكون في يد المسيحيين لأنه لا يمكن أن يستقيم كما هو الحال لأن سلطة الدولة ترتكز على الخلل الذي أدَّى إلى هذه الكوارث والمحن. والسبب جلي واضح قوامه سلاح الفلسطينيين وسلاح حزب الله.

هل ننتظر في الأيام المقبلة كما يلوح في الأفق تناقضات أخرى وصراعات بين السنة والشيعة؟

فلا السعودية ولا إيران يمكنهما إقامة إمبراطورية في بلد تميزه إثنيات متعددة وثقافة ديمقراطية تفتقر إليها بلدان الجيران.

وما يهمنا هو الاستقرار الذي يستحيل أن يترسخ طالما الشرخ متجذر نتيجة اتفاق الطائف المشؤوم  الذي فصَّل لنا ثوبا لا خيوطه من ارجوان الفينيقيين ولا عباءته يشبه  ملابس عشتروت.

وكي لا نفتري على الغد الحامل تباشير حبلى بالمفاجآت وتفاديا للانزلاق في تعاريج مبهمة نضرب كشحا تاركين التقادير تجري على اعنَّتها ولمشيئة الله في العباد مقاصد.

لتكن التطلعات الخيرة لمزيد من العمل والعطاء من دون تناسي الفرسان الذين سطروا ملاحم بطولات، من اجل مستقبل أفضل واسعد.

يتمثل الإنسان بموقفه وإصراره على عدالة مبادئ قضيته التي آمن بها إلى جانب تضحيته وعشقه للأمة التي توصله حد الاستشهاد. إن الأمة العظيمة لا تنجب إلا رجالا عظماء.. وهذا ما جسده شهداؤنا الأبرار.ومع ذلك فان غيابهم قاس علينا، لكنهم حاضرون أبدا في ضمير الآتي والتاريخ، وسيبقون خالدين ما داموا قد اختاروا طريق الصعود والصمود في شعب شعاره السلام والمحبة.

إن ما يحدث الآن في لبنان هو خارج ما يمكن أن يتصوره العقل البشري أو أن يكتبه كاتب، شعوب تحترق كاحتراق الإنسان والحضارة والدين والتاريخ، والخاسر الأول والأخير من هذا الاحتراق هو شعب لبنان في اكثرياته وأقلياته، وان كان لنا من كلمة في هذه المناسبة الخاشعة لنخاطب ضمير قادة شعبنا، فإننا ندعوهم للتوحد والعمل الوطني الذي يجمع كل شرائحنا بكل تسمياتها وعناوينها، فالشعب اللبناني بكل تكويناته سيكون درعا أمينا لحماية ارض قادة وشعوب المنطقة بأسرها.
 المجد المؤبد لشهدائنا الأبرار وضحايانا الأبرياء.

ونحن في هذه الظروف العصيبة التي نمر بها فإننا ومن باب اعتزازنا نؤدي تحية وحب وتقدير لأهلنا النازحين، وإنها لوقفة شريفة نتمنى ديمومتها والعنفوان بعد تقديم المئات من التضحيات في سبيل الحرية. إنها فرصة جميع الأطراف لزرع الحب والإخاء بين أبناء البلد الواحد، كما نحيي الذين قدموا العون للذين هم بأمس الحاجة لمساعدتهم في هذه الأيام الجحيمية المرعبة.

ثم نستمطر اخيرا نِعَم اله السماء والأرض على إخوتنا الملتاعين الذين امتحنتهم المصائب والتجاريب سائلينه ان يكفكف الدموع ويكف الغضب ويغمر برأفته جميع ابناء الارز الخالد.

مونتريال – كندا 9 آب 2006