لاحس المبرد

الأب سيمون عساف

 

من هو ذاك الغضنفر المزمجر في الغاب والحامي العرين؟

هل بعرض العضلات ينهض الوطن من ويله الجزار؟

أيتحول وطن الوله والدلال إلى حقل قرطب وهشيم؟

الم يعتمد بالنار والدموع ذاك الفتى المنتصب كالرمح تحت شمس الشرق؟

آدون حشرج وعشتار لطمت خديها والنهر جرى مصبوغا بلون الدم.

هل صحيح أن آدون يموت وتترمَّل إلهة الحسن عشتاروت؟

وماذا عن ذالك الطير الخالد المنتفض النافض رماده بعد ثلاثة أيام عائدا إلى الحياة؟

أجل سيعود إلى عالم الأحياء ذالك الشاب البهي المنظر بعد أن افترسه الخنزير البري دائساً زهر الجمال.

أليست فينيقيا المعروفة بطائرها المنبعث من الموت الرامز إلى القيامة والانتصار هي الهازئة بالقوافل والجحافل على مر العصور؟

أليس بلد هذه المسرحية الدامية هو لبنان؟

وتتوالى المأساة والرجاء بالخلاص ما زال بوابة العبور إلى الاستقرار المطمئن رغم زئير الضواري وعويل الهوام. علامَ يتحاور السياسيون عندنا والحس بوجع الأنام مفقود لأن التخمة لا تشعر بالفاقة ولا أصحاب القصور يعطفون على سكان البيوت الوضيعة.

تبوّءَ سُدَد المسؤولية جلاَّس الكراسي وأمسكوا بزمام القرار لكنهم بدوا عُجَّزا ضعفاء لا يحملون بشائر القيامة  وظفر الخلاص كما إنهم لا يعدون بنفض رماد الحريق للرجعة إلى دنيا الآدميين.

 

وماذا ينتظر شعبي قياسا إلى تاريخه المجيد من مسوخ لا يجسدون له الكرامة والنهوض من شؤم الرحيل ونوم العدم.

إن التمرد على سر العذاب في فلسفة أبناء الأرز ثورة تنتج الراحة والاسترخاء، ونهاية رحلة المُعاناة جنة مسعدة.

والى الآن لم يرَ لبنان وشعبُه نهارا ابيضا بسبب التجاذب الرخيص الذي يمزق أوصال مجتمعه المتأرجح بين الاكتئاب والنحيب.

أتُرى القادة الذين يديرون الأزمة هم غير أقزام؟ 

 

من ينتشل من المآزق بلادا طوت ثلاثة عقود على براكين لم ينطفىء لها أوار؟

نواب أمتنا صعاليك يزحفون لاهثين خلف أثرياء الفلوس وفقراء النفوس.

هل مسموح أن يتباطؤا بعد والأوضاعُ ترضع الناس من أثداء البؤس والحاجة؟

أين الضمير الذي يشاطر الأهلين بلوة التعاسة والشقاء وشبح القلة والعناء؟

عمن انتخبوا ومن يمثلون هؤلاء مرضى الحنان والوجدان ؟

 

ماذا يجيبون على أسئلة تتحداهم وتطرح عليهم قضايا الكوارث ومشاكل النكبات التي جلبوها على الأجيال؟

وتنفجر الأسئلة كالقنابل لتبقى الأجوبة خبيئة بفيء الذل خجولة من عار لا يرحم.

عرايا من أخلاق لأنهم جبناء وليسوا شجعانا ليواجهوا ببطولة مثلى تاميناً لمصير ٍلهم ولبنيهم بعدهم.

لو كانوا من قرَّاء الآتي لكانت روآهم ترفض الخلل والشلل ولكانوا أشباه الأنبياء بالمواقف والمجابهة وأمثال الرسل بالشهادة والاستشهاد. ولكن شتَّان ما بين أولئك وهؤلاء وسيان ما بين أشكالهم والتماثيل.

 

يتحركون للضجيج والاجيج من دون أن يجنوا مواسم أو غلالا.

يؤسفنا أن نتمرغ في الوحول وهم يتلذذون بالمشاهد لا رادع ولا وخز يؤثر في أرواحهم والأجساد.

يدخلون إلى صالة فيها طاولة الحوار يتحلقون حولها يتناقشون وبعد جدل يخرجون بخفي حُنين خاليي الوفاض "صفر اليدين".

ماذا يُرجى إذاً من اجتماعاتهم العقيمة التي تقاصص الشعب الجائع إلى خبز يومه ولقمة عيشه وأود حياته بالتأجيل والتدجيل والنفاق والخيخنة؟

عيب يا جماعة الشر من سلوككم الشاذ وأساليبكم المرذولة.

 

أطفالنا وعيالنا أبناء الخير يتضورون جوعا ويتسولون الرأفة وينتظرون النجاة.

من هو المسؤول غيركم عن آلامهم وقهرهم في هذه الملمات الرزيئة؟

بربكم إحسموا القرارات وافصلوا بين أنانياتكم ومصلحة الأمة المشلعة التي تتمادون في تشتيتها وتساهمون في تبديدها من دون توبيخ ضمير ورجعة إلى الذات. كفاكم زج رماح في صدور مواطنيكم وتعريض الجراح الواسعة واستفراغ الخطابات السفسطائية الهوائية اليائسة.

هنا مسألة سلاح وهناك مسألة رئاسة تتلهون بها ضاربين بالجوهر عرض الحائط.

هل يصعب عليكم الاتفاق؟

 

لماذا لا تقدمون استقالاتكم طالما الأمر يتخطى قدراتكم على إيجاد الحلول؟

اخلوا المكان لسواكم لعلكم العلة والداء لا العلاج والدواء.

ماذا بمستطاعكم فعله وانتم حتى الآن عوض أن تكونوا نوابا نوائب. أين الحياء لا يصفعكم ويطردكم من هيكل الآلهة؟

والله ستأتي ساعة يلفحكم السوط فيها ويعلو الصوت: بيتي بيت صلاة يُدعى وانتم جعلتموه مغارة للصوص.

نعم انتم البلاء النازل على ربعكم وربوعكم وما من وسيلة للإنقاذ إلا بتنحيكم عن عروشكم لئلا تُنجَّر لكم نعوشكم.

 

أمَا يصح فيكم وينطبق عليكم قول القائل:

نعيبُ زماننا والعيبُ فينا            وما لزماننا عيبٌ سوانا

ونهجو في الزمان بغير ذنبٍ     ولو نطق الزمانُ بنا هجانا

وليس الذئبُ يأكلُ لحمَ ذئبٍ        ويأكلُ بعضُنا بعضا عِيانا

 

يأنف لبنان المفدى أن يكون له سياسيين من عياركم يمشون في مصرعه غير مبالين أو آبهين بانحطاطه وتقهقره والانحدار إلى هذا الدرك.

كفى الإسفاف بوقاحة تنحر ما بقي من قيم وشيم وأدب.

كفى شعبكم لحس المبارد لأن الدم نشف في العروق.

 

دعوه لغيركم يا نواب البلد، عله يجد ضالته ويستريح.

رباه مد اليمين بجاه خلود مجدك وابِّد بسرمديتك وطنا هو موطيءُ قدميك ورُدَّ له زهوة عزه وليَدُم نعيمك الحالم بعد جحيم ذميم.

29 نيسان 2006