الولد ولد لو حكم بلد

بقلم/الأب سيمون عسَّاف

 

قطع الشهيق والزفير أنفاس المرضى السياسيين عندنا.

وكأنَّ الهواءَ العليلَ في سماء لبنان طهره أنفسد.

 

ويثور الأدب ثورته على التهجُّم والتجريح وعدم احترام الصغار للكبار حتى في السياسة.

أيجوز أن تكون مبادىء التهذيب هنا ولا تكون هناك بهذا الشكل وهذه المهاترة؟

لا والله، إنها جمالية متكاملة تتشوَّه اذا تجزَّأت.

 

والملاحظ أن التربية الاجتماعية مفقودة لدى "طلاَّع الثنايا" وكذلك الأخلاق في لغة التخاطب وفن الكلام.

 

أين صفة ذاك الطالع العيّ من صفة عمه الرجل الأسطوري وكأنه يقول:

            انا ابن جلا وطلاَّع الثنايا         متى أضع العمامة تعرفوني.

 لا ألف مرة لم يبلغ سنّ الفطام في الخبرة الرجولة والتجاريب ذاك المتنطِّح المنبطح.

وما لطائر القبرة يتفلسف على النسر كيف يجيد لعبة التحليق والطيران في المناخات العُلى؟

 

ومن قال أن اللغة بمستواها الرفيع والفن بِرُقِيِّه النبيل يسمحان بالذهاب خارج دوائر التهذيب وحلقات الأدب؟

سمعنا بمرارة وأسف إسفافاً مخجلاً في إيصال الرسائل السياسية إلى القيادة العظيمة في مجتمعنا.

يربأ اللبناني الشهم الشريف أن يرى تلك الصورة البشعة ويرفض الإصغاء إلى أصوات شاذة مزعجة تهين كرامة المواطن بالشكل والمضمون الذين بثهما الإعلام المرئي في البلاد.

 

إن للديمقراطية حريتها واتباعها فكيف الابتذال واستفزاز مشاعر الآخرين والإطاحة بقناعاتهم وعقائدهم والكرامات؟

هل تُفرض المواقف فرضا بالقوة والإكراه؟

 

أجل إن نقيق الضفادع في البُرَك لا يقتل الجيران وإنما يزعج الآذان وإسكاته يتم برمية حجر.

أصحيح أن هذه النوعية المسرفة في الافتراء البغيض والمغالية في العداء الرخيص تؤثِّر على العمالقة؟

لا أظن ذلك وإنما تحط من قَدْر الضمير المتكلِّم ومكانته؟

 

يا ليت وجدانه بذلك درى لكان أحجم وانزوى!

ويحضرنا الشعر المأثور:

إنَّ الزارزير لمَّا قامَ قائمُها        توهَّمتْ أنها صارتْ شواهينا

كنت كغيري ممن يستشرفون قراءة المستقبل وذلك وفقا للأحوال المترابطة، فحذّرت مراقبا من تفاقم الأحداث"

ووصفتها حينها بالقشة التي ستقصم ظهر البعير!

ورغم مرور الأيام والشهور على ذلك التحذير لا زلت أرتاب بإيجاد

 الحل الجذري لتلك الحالة المقيتة.

عيب التواقح واتقان السفاهات الني تعكس نفسيات أصحابها.

كفى مزايدات وتغني في الصالونات والمحافل والنوادي والموائد الحزبية الدسمة!

هذا التشاؤم الذي أصابني وأصاب اغلب المراقبين لم يتأتَ من فراغ بطبيعة الحال وإنما ناتج من وحي المواقف المتشنجة  لأطراف معنية مُعينة واخص بالذكر "المستقبلية" منها زائدا على ذلك بعض أطراف أخرى تجاور حد الجُبن كادت تكون نكاية بطرف أخر معني بالأمر أكثر من غيره.  هل هكذا تُحل مشاكل البلد؟

 

ويحضرني مأثور جبران خليل جبران:

       وفي الزرازير جُبْنٌ وهي طائرَةٌ    وفي البُزاةِ شموخٌ وهي تحتضرُ

ما هذا الاستغلال الظرفي وما ينتجه من مصالح حزبية ضيقة تذكي التناحر الفئوي الشرس أيا كانت المنطلقات والمآخذ والطرق المستقيمة منها والملتوية، فبالتالي نحن جميعا معنيون لحل تلك المشاكل بالطرق العقلانية الراقية طبعا ووفقا للحالة اللبنانية التي لا يمكن فصلها عن الوضع الآني.

 فالجزء يستمد قوته من الكل والكل لا يكتمل إلا بترابط الأجزاء.

وحدها الإرادات الحسنة والنيات الطيبة تبني مؤسسات ومكوَّنات الدولة فتصب في خدمة المواطن المسحوق من دون أن تزيد إلى معاناته رقما أخر.  

نعم هكذا يكون المسعى الحميد للتلاقي والإصلاح المشير إلى الكياسة والاعتبار لا برشق التعابير الفارغة التي تعني:

"الإناءُ ينضح بما فيه" والكلام صفة المتكلم.

 

ومن هذا المنطلق فليس من المنطقي ولا من الوطنية بشيء أن تثار "الحساسيات"

والصيد بالماء العكر لتكون شروط مساومات ومداولات بين بعض الأطراف والبعض الآخر.

يجب إيجاد مسالك تسلخ القضية من لبنان كمزارع وتسجنها في قلب لبنان ككيان! إن بعض هذه الأطراف العاجزة تدّعي الوطنية طبعا وما فتأت تصدع رؤوسنا شعاراتها وشعاراتها والتي في فترة من الفترات ضللت بعض البسطاء من الناس فانتخبوها املاً أن تكون عونا لإخوانهم الآخرين ممن يقفون معهم في ذات الخندق! ولان الكرسي والملك واحد، صدقنا.

 

لِمَ المُراوحة والنجافي والحلول لا تقدم على طبق من ذهب! أن الأمر ليس من السهولة بإزاحة القيادة الأصيلة عن  قصدها واستبدالها بشخص أخر، بطبيعة الحال إذ "ليس حبا بمعاوية وإنما بغضا لعلي.

 

وهكذا وفقاً للمثل الشعبي "هَنَّئ الله سعيد بسعيدة".

شاء من شاء وأبى من أبى "فالى حيث ألقت رحلَها أُمُّ عامر" تلتقي بالأولاد، والولد ولد لو حكم بلد، على حد قول المثل العربي الشهير:

اراك على شفا خطر مهولِ               بما أودعت لفظك من فضولِ

تريد على مكارمنا دليلا                     متى احتاج النهارُ إلى دليلِ

السنا الضاربين جزىً عليكم                   وانَّ الجزي أولى بالذليل

متى عرفتْ وأنت بها هجينٌ                 اكفُّ المسخ أعراقَ الخيولِ

فخرتَ بملءِ ما يُثنيك بطشا               على الأعوانِ والبيتِ الأصيلِ

فامجدَ من ابيكَ اذا تزيّا                       عراةٌُ كالليوثِ على الخيولِ

 

كندا – مونتريال في 15 أيار 2006