وحدهم المسيحييون كفيلون بالتوازن بين الشرائح اللبنانية

بقلم/الأب سيمون عساف

 

أفي  لبنان  حقدٌ  أم   هيامُ           وَدُوْرُ الناسِ  للموتى خيامُ

أُهلْ للمسكن المهجور أهلٌ           وهَلْ للمنزل الهاوي  قيامُ ؟

 

والألم يعتصر القلب كم قرار الرحيل صعب وكم البقاء أصعب عن وفي دار وديار. شعبنا أمام خيارين أحلاهما مر ومصيره في كلتا الحالتين مجهول والحرب عبثية. هو الفصل المحرج بين الحياة والموت.

ما ذنب من لم يستطع الهرب أو من قرر البقاء وما ذنب من لقي مصرعه على الطريق أو تحت أنقاض منزله أو في الملجأ؟ 

أشلاء تحت الأنقاض ثوت وحطام العمران المتداعي أنين مخنوق والقصف الحاقد ينثر أشباح الموت.

بلد اللون سحائب غيم أغبر والحرف بقايا ركام يندثر أمام سكينة المدنية لا يقوى على بث الزفرات.

إن القارئ الجيد لِلَّحظة الراهنة ضمن أمسها وغدها تعلو عينيه تلك الطبقة الرقيقة من الماء، التي تشي بغصة خانقة لا تُحتمل.

أي تعبير يسع ما تختلج به النفوس وما تكنه الذاكرة من صور لمآسي الحرب على لبنان.

جثث وأكفان وتوابيت في كل مكان. ويهيم أهلنا طلبا للنجدة وبحثا عن مأويً يلوذون به من القصف المستمر فهم مشردون في وطنهم ضائعون في بلادهم وقد ضاقت عليهم أرضهم بما رحبت.

وعلامَ النوحُ والإنسان في زمن الترقي لا وزن له ولا قياس؟  في حروب المصالح  وتشابك الغايات يسقط الضعيف ضحية من دون قيمة.

من قال إن وطني وطن حروب؟ ماذا نجيب أُماً أو أباً افقدهما البغض حبيباً أو وليداً؟ ماذا نرد على عائلة حوَّل الدمارُ بيتها دخاناً اسود ورماداً؟

أين الضمير العالمي البادي كالممروض العاجز عن إطلاق صرخة صوت لإنقاذ كرامته المطعونة بخناجر همجية في الصميم؟

كيف لا نهتز وننتفض وشظايا القذائف تنتف أجساد العزَّل المساكين؟

لِمَ ينهال الضرب تخريباً على أوصال وطن الجمال كي يغيظ عشتار وآدون؟

ما معنى هذا الشلل الممعن بقطع المواصلات وزلزلة العمار وسلخ  جلد الحضارة في هذا الشكل المرعب المعيب؟

خبط البؤس الناس وذَلَّهم بعد تهديم البُنى التحتية وأكلت النار الأعناق والأرزاق بأشرس ما يكون التوحش والافتراس.

أهل هذا حصاد ما زرعت ثقافتنا في مشرق تاعس أردناه ورفضنا ألف مرة؟

حتى العصافير بللت الدماء أجنحتها وهي تحوم فوق جثث أطفال شهداء مزقتها القنابل والتهمها الحريق.

هل تاريخنا يحتاج إلى دم جديد لترفرف للحرية بيارق وتلوح للسؤدد رايات؟

نشَّف الحزن شفاهنا وجفَّف الدموع في الأحداق. كنا نتغنى بأننا سننتعل رؤوس الأعداء أحذية، وما لذة النصر ووجهنا موصوم بالعار والشعب مهزوم مبادىء وطوائف وإيديولوجيات؟

كيف سنلبس أثواب الزينة والحداد يلف المشارف والبيوت والتلال؟

ما للخلاعة تتفجر والفسق يزمجر والفساد يزأر ونحن نرقص من حزن في مآتم العمران؟

أيجوز أن نلجأ إلى لغة التفاهة وعبارات السفه؟ ا

ين محارم العرسان وتيجان الغار وأبوام القهر والفقر والإذلال فوق مداميك الخرائب؟

لا لن يمر بنا نتن رغم الحرب البشعة لان روائح البطولات أذكى من العطر!

بطولات أهلي المشردين النازحين الصابرين على سياط الجلادين وسياخ الجزارين وأسياف المجرمين.

تجاريب الأحداث كل الأحداث بنا عبرت، قوافل الغازين بنا غبرت وجحافل الطامعين عندنا انقبرت.

وستعود أسراب الحمام لتهدل فوق خشوع مصلانا وعبير الصندل يعبق من غابات الأرز الأخضر.

رغم الشحتار ستلبس أشجار اللوز القمصان البيضاء وأحصنة الفرسان تحمحم للمستقبل لا تخشى فحش التترية والنقمات.

يا لهول ما نرى إذ يختلط الدم برمل البحر ويخلع عن لبنان أثواب الأعراس؟ ونعود بالذاكرة إلى الطائف الذي نُفِّذ على دماء المسيحيين الذين هم الميزان بين الطوائف.

انتقل قرار الدولة إلى السنة بمسعى رفيق الحريري وبغطاء سعودي ومباركة أجنبية فكان الخلل الذي نشهده اليوم، وهذا ما سهَّل للشيعة بمساعدة الوصاية السورية تكديس الأسلحة في ترسانات وجر هذا الويل المشؤوم على الوطن.

خسر حزب الله أم كسب بعد هذه الكوارث، لن يقوم لبنان إلا على إعادة القوس إلى باريها وتغيير المعادلات.

وحدهم المسيحييون كفيلون بالتوازن بين الشرائح ومسؤوليتهم اولاً واخيراً منوطة بأداء الرسالة ورأب الصدع ولملمة الشمل من بغض وضياع.

هذا هو المنطق وهذه هي تركيبة لبنان. ولا تصلح أية صيغة بمعزل عن هذا السياق.

هذا في رأينا الحل الأسلم وبغير ذلك نكون في الخُلف والمحال وعرضة لكل ريح مجنونة.

إن الشيعة والمسيحييون هم من دعاة إعادة الدور إلى المسيحيين كي يسترجع البلد رونقه والعافية.

عسى الأيام الآتية الحبلى بالمفاجآت تلد وقفاً للنار وبعد هذا المخاض يتعظ كل ضال وموهوم وليرأف الرب بحال إنساننا المنكوب على كل صعيد ويمنحنا الخلاص والقيامة والحياة سائلينه الراحمات للذين سقطوا نتيجة الغدر والعدوان.

31 تموز 2006