خافوا

الأب سيمون عسَّاف

 

استمطر الرحمات عليك يا عُمر أبو ريشه متذكراً مأثور قولك:

خافوا على العار أن يُمحى فكان لهُم     على "الحوار" لِدَعمِ العارِ مؤتَمَرُ

مساكين أهل بلادي وأبرياء، عالقون بين مقابض الأقوياء أصحاب الدراهم والفلوس الكافرين بالمراهم والنفوس.

يتقلَّبون على أسرة البؤس والفقر والقهر والهوان.

إن الماسكين الأكثرية ينعمون بمتاع الدنيا غير آبهين بأنينهم والأوجاع.

لا يخدعنهم غياب أشباح التدخلاَّت الخارجية وهو حاضر "بثقالته" عبر أقنية الاتصالات الخفية لفرض أشخاصه ورفض الميامين.

لا يريدوننا أحراراً في بلدنا لذلك يحاولون تغطية الديمقراطية بأساليب وغايات نتائجها تفضح اعوجاجهم المفسود.

توقعنا منذ البدء إصابة شعبنا بالخيبات ونوَّهنا عن ذلك بأكثر من مقال.

وكي لا يقال عنا أننا متشائمون تحاشينا التصاريح بملء الفم عن الفشل والإحباط اللاحقين بالوطن المنكوب.

نعم جاءت قٌراءتنا صحيحة والواقع المُخزي دليل على ما يجر الويل في الآتي الهاجم بجحافل الأهوال وقوافل الأغوال.

يمكن أن يبتلى فرد لا جماعة بالقصور في الرؤية، ولكن القصور هنا ليس في الرؤية بل في العجز عن المواجهة، مواجهة الأيادي اللامنظورة التي تريد إلباس اللبنانيين ثيابا من نسيجها سُداتُه ولُحْمََتُه على نول حياكتها.

انطلت علينا في "لطائف"وكان الاندحار فادِحاً والانكسار فاضحاً، هل نكرر نفس الخطأ من اتخاذ العِبَر؟

أإلى هذا الحد نحن سُذَّج بُلَهاء؟ 

أليس أخطر المعاناة هو تكرار التاريخ بكل أو بعض تفاصيله على الساحة اللبنانية؟

نلاحظ أن الخلفيات المستفيدة المغرضة تتكرر منذ عقود، بكل تفاصيلها وما يتبدل فقط هو الأسماء،وهذا دليل خطير على أن مجتمعنا لا يتتطور أو لا يريد أن يتطور.

أعجبتني فقرة في خطاب الرئيس السوري (4آذار 2006): "من غير المعقول أن نسقط بنفس الفخ وندفع نفس الثمن في كل مرة، وفي مرة يكون الفخ أعمق والثمن أكبر، والثمن دفُع في المكان الخاطىء وبالمقدار الخاطىء، وربما لا نستطيع في أغلب الحالات وفى معظمها أن نعوض هذا الثمن". هذا لسان حالنا.

وتخطر على البال عبارة رئيس الحكومة اللبنانية الراحل صائب سلام: "لو تُرك اللبنانيون لوحدهم لَخَنَّقوا بعضهم من التبويس".

شهادة صادقة لا يدانيها شك ولا ارتياب.

أما أن يتدخل الفرنسي والأميركي والسعودي ويوهمون الناس أن الحوار لبناني لبناني محض فهذا لعمري نفاق وخُلف وافتراء ودجل. سبب عدم تفاهم اللبنانيين هو هذا التعاطي السافر بقضايانا وكأننا تحت الوصاية المختبئة وراء المصالح المستورة وخلف الصفقات المخجلة.

أغلب أبناء لبنان اقتبلوا بزمن ما هوية متأرجحة ضائعة بين الشرق والغرب، بين الماضي وبين الحاضر وبين حوارات سفسطائية لا تؤدى إلى نتيجة عرَّضت إتثنياتنا وتاريخنا للتذويب بشكل تدريجي وضمن خطة ممنهجة.

نعتقد بأننا قوة تتصدى لا تتحدى وهي تواجه وتجابه. ما علينا بعد أقسى التجاريب أن نخضع تماما ونوافق على كل ما يملونه علينا وأن نأتمر بأمرهم حتى ولو كان ضد قناعاتنا ومستقبل أجيالنا.

فالمنطق والبديهي "أن نفكر أن نربح اليوم وأن نربح غدا، لكن في أسوأ الأحوال لنخسر اليوم ولكن لنربح غدا، بمعنى على المدى البعيد لا يجوز أن نخسر على الإطلاق."

فالمسألة إذا مسألة دول دفَّعتنا الثمن دماءً ودموعا وندفعه اليوم باهظا.

ما قلناه قبل الحوار حصل في التفاصيل.

وأمام هذا الانهزام بمختلف عناصره وأشخاصه احتمالان.

أما الفشل الذريع وهو ما نراه الآن، وإما عودة الوعي والعقل.

كان يجب على المتحاورين أن يمتلكوا الإرادة ويحتكموا إلى هذا العقل بالابتعاد عن أنانيات تزج في المجهول.

ولكن كيف يكون القرار حرا والسيف سليط والعوائق والتقاطعات ضاربة أطنابها؟

هل انتقلنا من وصاية سورية ديكتاتورية ممقوتة إلى وصاية تحت قناعها عدة وجوه مستعارة تدعي الديمقراطية وتمارس أبشع أشكال الديكتاتوريات المرذولة؟

حرام على إنساننا اللبناني أن يقع فريسة تتناهشها أنياب الرؤساء الفاسقين والتجَّار الناهشين.

أسود مصير أمتي المستضعفة وسيِّء، وكم أخاف أن يغدو دمية على مسرح اللاعبين الكبار يتقاذفونها في مهب الريح.

اذا كنا نواجه العاصفة بالانحناء فلا يعنى أن نُقتلع من الجذور، ولكن أضنانا التعب من مرمغات الكرنفالات الدامية.

هل قياصرة روما يُطلون كالشياطين من فجر النصرانية لرمي الشهداء أمام الكواسر والضواري في مستديرة الكوليزه ليتلذذ ديوكلتيانوس ونيرون؟

كفى أيها المتسلطون اتِّباع السلوك المهين بتقديم العباد هدايا إلى الوحوش الساكنة فيكم؟

إتَّقوا الله ودعوا شعبنا سيد قراره وحريته وسؤدده وخذوا منا أرقى مستويات الثقافة والحضارة والشرف، وليصب العارُ النارَ والشنار على العملاء والمتآمرين.

12 شباط 2006