الآتي قريب

الأب/ سيمون عسَّاف

 

طار أو يكاد أن يطير موعد الانتخابات المحدد طبقاً للمهل الدستورية والبلد من دون حكومة في مهب الريح، ممتَّنون من الطاقم الحاكم روؤساءً ونواباً وسياسيين. الى أين يسير القطار بنا ومتى ينأى الأشقاء الأشقياء الذين يستكملون بأجهزتهم القضاء على ما تبقى من حياة في جسد الوطن؟ يربك الأمر فيُبكي ويُضحك في آن لأن الأيادي السوداء والإدارات الخفية تعبث بالحجر والبشر ما لها عنَّ وطاب. هل سيطول هذا المهرجان التهريجي مع أسياد الفساد واللغط والضبابية المُكثَّفة؟ ألن يقع هذا النوع من الأبالسة في مجهول بادياته ومجاهلها بعد هذا العذاب المرير الذي أذاقه لإنساننا في لبنان.

 

يدفع بنا السخر أحيانا الى حد الانفجار من القهقهة على العملاء والعمالة للولاة في كل مطرح من الشرق.

أولاً هل يقتنع الى الآن ذاك الذي احتل سحابة ثلاثين عاما بلادنا أنه رسب في الخط الأعوج الذي نهج؟ لا مليون مرة ومرة لم ولن ينجح لأن الرقابة الدولية تتبع بعين يقظى التحرك على محور الساحة. ثانيا مهما كسب من الوقت وتذاكى بمفاعيله التي خلَّفها لن يتخطَّى مسافة الزمن المحصور بين الهنيهة والاستحقاق الانتخابي للخروج من هذه التركيبة المغلوطة الفاسقة والكافرة بأقداس الوطن.

 

صحيح أننا على منعطف خطير جدا ولكن ليست الظاهرة هي البكر في تاريخنا. أعجب من الرياء والنفاق  والمماطلة، وهذا ما تحيكه الاستخبارات تحت غطاء تماثيل عندنا ينخدع الفكر فيها وتنبهر العيون. على مفترق نحن إذاً والسُكارى ما يزالون في الأشواط يرمحون غير مصدِّقين أن الارتهان دوره شارف النهايات. ربما تعطَّلت الانتخابات مؤقتاً وهي إلى تأجيل لأشهر قليلة قد لا يكون من مهرب منه، ولكن ليست هي آخرة الدنيا فمن صبر ثلاثين عاماً يصبر أشهراً معدودة والآتي قريب. كل آثمٍ سيدفع غرامته على ما أظن لأن ساعات الحساب دنت.

 

أما كيف سيتم دخول الجنرال ميشال عون الى وطنه مرفوع الرأس شامخ الجبين فهذه نتركها الى حنكته والدهاء السياسي والعسكري المعهودَين. كانت نبؤة القائد منذ خمسة عشر سنة على انهزام الجيش المغتصب أنه سيرحل الى داره ودياره وتفرغ الأمكنة للأصائل والعزَّل يتبخَّرون.

نعم نمتلك القدرة على صد القاصدين للقتال وإنما عيون الشقائق مزوَّرة تود النهش بنهم والافتراس بشراسة قاضية، لا تترك البلاد على حال مستقرة بعدما حُرِمت المن والسلوى واللبن والعسل.

 

بعد فراق ملِّع ومُروِّع سيُطل الجنرال عون ويلاقيه الشعب المنتظر قيامة القضية من الأرماس المدلهمَّة الساكنة.

في قناعتي إن أهلنا بعد الذل والتجربة وقسوة المعاناة سيكونون أكبر وأعلى من الأحقاد والضغائن والفتن، سيكونون أشرف وأنبغ من ضروب الأشرار القتلة.

سيحتفل كل لبنان بعرسه ويلبس أكليل غار انتصاره ويشرب كأس عزَّته ويفقأ حصرماً في عيون المعتدين والمريدين لنا التهلكة والبياد. رحل الجيش السوري وترك بعض خيوط نقوى على تقطيعها بإلفتنا واتحادنا وتطلعنا الى الأمام مقطبين الجراح الموجعة خالقين مناخات سليمة نتنفَّس بها بملء حرية وسيادة واستقلال.

إن عملية الاستئصال كانت ولا ريب أليمة ولكن يلزم البلد على أثرها فترة نقاهة واستجمام لاستعادة عافيته عقب هذا الزمن الطويل من الليل والويل والنهيد والدماء والدموع.

 

مهما زايد علينا الغرباء ومهما نسجوا من أوهام لشقِّ الصفوف وتبديدها، فهذا أمر عفَّ عليه الدهر وكان الثمن الذي دفعناه كافيا لتلقيننا الدروس الوافية والعبر الشافية.

 

دعوتي لجميع أبناء بلادي على مختلف المشارب والمذاهب للالتفاف حول الخلاص بإخلاص وللتعالي على المصالح الصغيرة الضيقة لإعمار وطن واستثمار شعب مدهش في العطاء والسخاء. ودعائي الى السماوات وساكنيها أن ترأف بالذين رحلوا وتطمئنهم باسترجاع الوطن وتغمر بأجنحة المراحم أرواحهم الميمونة وتلفَّ بأرياش العواطف ودفء المحبة شعب لبنان العظيم والى اللقاء من الغربة مع القائد الشريف في الوطن الخالد.

 

مونتريال – كندا

15 نيسان 2005