أنفاق ونفاق السياسة

الأب/سيمون عسَّاف

 

نخجل حين نسمع الناس يتحدثون عن بيروت وكأنها اختصار للبنان. وأية بيروت هي؟ مساحة منها تم فيها التحسين فأرهق الدولة بالديون بينما أغلب مناطق لبنان لا تزال على وجه من التخلف الملموس. ومردّ هذا التفاوت يعود إلى مسؤولين نافذين استغلوا مراكز السلطة لإعمار مزارعهم والأقبية صارفين النظر عن أنهم من وطن هو صورة لهم يجب أن يشمل التنظيم والعمران كل أراضيه. أليست هي مناقبية المسؤول الصالح ونعوت الحاكم الحكيم؟

 

أين أخلاق المتسلطين والفضائح تفوح نتانة من سلوك نهجوه ونفاق مشوا في ركابه فأدخلوا الثُقات والمصداقيات في أنفاق تخزي وتستجلب عليهم لعنات الأجيال القادمة.

 

هل بعد من عار يماثل انبطاحهم أمام أسياد بنفسيات خدم؟ هل بعد من ذل أسفل من انحنائهم أمام أصنام متحركة عبدوها فعبق الفسق والفساد من مراسي قوائمها؟ هل بعد من خساسة عندهم أحقر وهم يستقوون بالغرباء معاكسين أحرار وطنهم مشاكسين من أجل إبقاء محتل واسترضاء مغتصب ؟

ماذا نقول للذين يسألون عمَّن مارسوا العيب ونهبوا الأموال واختلسوا حقوق المهجَّرين وأرزاقهم وحتى أعناقهم؟

 

إلامَ هذا الغيّ المتمادي ومن يحاسب من والجرائم تلطِّخ بدمائها جباههم الواطية وأياديهم السوداء؟

إن كل الذين دخلوا معترك السياسة منذ اتفاق الطائف إلى اليوم اشتركوا بالمجازر ضد الشعب الشريف والوطن الظريف.

هل من قضية لدى أولئك تصفع ضمير أو ترأب صدع أو توقف هجران؟ بأي عين وقحة يتشدقون باسم المواطنين هم تحت سقف المستوى المطلوب والترقِّي المرتجى؟ والإعلام ما زال ينغل في الذاكرة مظهراً صور انحطاطهم اللعين وتدني أدبهم المشين. كنا نربأ بهم وبطلاَّتهم المُكربة وهم يقذفون الكلام البذيء والحديث النابي من شفاه تستحي من فحيحها أفاعي البر البرشاء. واليوم نحن على منعطف تاريخي وتحول جذري وتحدي ورهان يضع على المحك أمتنا، فماذا جهّز لنا الزعماء التقليديون الإقطاعيون الذين واكبوا مآسي البلد ونكبوه وكبَّدوه أمرَّ العذاب، إلا التعصب والتناحر والنعرات والسم القاطر من ألسنة تجهلها العقارب الشقراء؟ أين الطروحات التي توحد البلد والمشاريع التي تعمِّره وتحول دون اغتراب بنيه الساعين إلى كسب لقمة العيش بعد أن عزّ العيش في دار وديار؟

 

هل فعلا يسهرون على ثروات البلاد الفكرية والثقافية والاقتصادية والأخلاقية والروحية وهم مُفلَّسين من كل هذي الصفات؟ وحدها النظافة خدينة النزاهة ترفع إلى فوق المدار أصحابها وكل ما دون ذلك هو متاجرة بالمقدَّرات واستغلال للصالح الخاص لا العام، والدليل ناطق ومبين.

لماذا يرفضون الجنرال ميشال عون رئيسا للجمهورية على لبنان؟ أليس لأنهم متمرغون بالأوحال ويخافون الكشف عن مطاميرهم الكريهة المجفلة؟ يكرهون المحاسبة والانضباط لأنهم رعاع اعتادوا على الفوضى والغوغائية والفلتان.

 

لست في موقف دفاع عن أحد وأراني كذلك النطاسي الذي يعالج المريض فلا يهمه أن يعرف من هو صاحب المرض. كفى الإرباك والانزلاق في أنفاق الغش والخداع، لعمري هذا نوع من أنواع النفاق الموبؤ.

لشعبي كلمته في نهاية المطاف وللوطن خلاص ثم قيامة بشفاعة الأُمناء والأوفياء من بلاد الأرز الخضراء.

إن الأرفتة في أضرحة الأبرار والقديسين والشفعاء تحرس الأمكنة، وأرواحها من فوق مع الشهداء الميامين ترعى حرمة العهود وتنقذ الوطن الصغير حجما والكبير قيمة من مخالب الكواسر وبراثن الأشرار.

 

 وبغير هذا المنطق لا نسير في مطاف العز بمجد فخيم مع مسيرة التقدم والازدهار، ويظل عرين الجدود أنفاقا للمنافقين التي أراد "الحجَّاج أن يلحوها لحو العصا إذ رأى رؤوساً قد حان قطافها".

 

للمستقبل الفصل وللتاريخ أن يحكي.

 

12/10/2005