على أنقاض ماضينا سنبني مجد آتينا

الأب/سيمون عسَّاف

 

شعار كتبه جبران خليل جبران حين انتُخب رئيس لجنة إغاثة منكوبي سوريا ولبنان في مطلع العشرينات في بوسطن.

وكان زملاؤه نعيمه وأبو ماضي وعريضه والريحاني الذي اختلف وإياه وقافلة الرابطة القلمية الحبيبة كلها.

 

نعم للماضي أنقاض لم يُبنَ عليها مجدُ آتٍ جليل بل فخرٌ ذليل، وكأن العبارة اليوم تهيب بنا لاستذكار الشعار عسانا نستفيق.

لم يتعلم اللبنانيون رغم المذابح الوحشية والحروب الدامية على مرمى تاريخهم الطويل.

 

كم من الويلات جارت على بلادهم وزعماؤها لم يقرأوا صفحات ملطَّخة لأخذ العبر.

أليس أغلب المجتمعين اليوم على مائدة الحوار هم ذاتهم أسياد الحرب الملوَّثة بالجراثيم؟

 

هل هم بمستوى المرحلة لإنتاج وثيقة مقدسة تحرم على اللبنانيين إلى الأبد التقاتل والتناتش والذهاب بالعباد إلى البعيد إلى أنهر الدماء والدموع؟

ماذا ينتظر الوطن من المتحاورين إلا السير بوجهة السفينة إلى المرسى الأمين؟

 

لا شك إن حجم القرارات كبير ويا ليته يكون أصغر من المُقرِّرين.

هل سيكون اللبناني منذوراً إلى التهجير والهجران والذبح والخذلان والتهديد والخسران، أم وضعُه سيستقر هذه المرَّة ويستريح مؤمِّناً للأولاد والأحفاد حياة كريمة واستمرارية مطمئنة إلى مستقبل أفضل في جمهورية فاضلة؟

 

إن ما يطمح إليه أبناء وطن الأرز هو الغد المشرق لأجيالهم القادمة رافضين تكرار المآسي التي عانى آباؤهم منها والجدود الأمرين وأعنف ما تكون المُعاناة في أمسهم البعيد والقريب، وهم بدورهم شاطروا القدامى نفس الآلام وأسبابها.

 

هل هناك من اطَّلع يا ترى على ما كتب أعضاء الرابطة القلمية في أميركا وعصبة الأندلس في البرازيل حول اضطهاد واستشهاد الرعيل المحترم في لبنان تحت طغيان حكم الباب العالي وجَور بني عثمان؟

 

ونحن نكتب اليوم والحزن يعتصرنا على ما يكابد شعبنا بسبب انشقاقات وتناقضات لا فضَّ لمشاكلها إلا بمعجزة من السماء بعد عودة من رحيل في غربة الحقد والانتقام والجفاء والموت. هل نحن في عصر الخوارق والأعاجيب؟

ربما تجيب على أسئلتنا نتائج مؤتمر قادة وزعماء طوائف البلد.

 

هل سيكونوا على قدّ الأمل المرجو أم لا؟

هنا يكمن اللغز ويُستَغلَق الطلسم، وفي كل حال نحن في برج المراقبة وضمن غرفة الانتظار. يكفي أن يحدق كل زعيم متأمِّلا بإمعان كم من الضحايا والمقهورين والفقراء وراءه ترك ليسعى إلى تصفية وجدان، وتقويم اعوجاج سلوك وغسل ما ارتكب بقصد أو بغير قصد مظهراً الإيجابيات التائبة والثاقبة حتى يريح الضمير والأمة على حدٍّ سواء.

 

هل سيتصاعد الدخان الأبيض أم الأسود بعد ارفضاض الاجتماعات؟

لا ريب أن الأمور دقيقة ومعقدة ولكلٍ حسابات ومفاهيم وهواجس وتخوفات ليس من السهل التخلص منها بالشكل المطلوب، لربما هنا مرصد العُقد التي لا يكفي تبويس اللحى لحلحلتها بهذا الأسلوب العجول.

 

وجل ما نخشاه هو الرجوع إلى ميدان صراع الثيران لا سمح الله.

لا نرانا نذير شؤم ولكن بوق تحذير، ولطالما نحن حضاريون يجب الاحتكام إلى الرقي والقانون لا إلى التحجر والانزلاق في مهاوي ومتاهات لا علاقة لمستوياتنا بتترية برابرها.

 

يستوقفنا تعنُّت البعض لكأن الزمن توقف عندهم وصعُب التقدم والإقناع بتغيير المسارات.

أنَّى لهم أن يتخطوا جمودهم الثوروي والثأروي في آن وقضايا مشاكساتهم والمعاكسات فوق ما رام المُرام؟

هلا لانوا وانردم المأزق وانتهت الأزمة؟

 

يتوخَّى اللبنانيون اليوم القيامة والخلاص ونحن على دروب ذكرى القيامة، معلقين الآمال والأحلام على ممثلين في الحُكم لانتشالنا من مغاطس الإذلال والهوان والشلل والعار.

 

إن حركة الدولة تنشط بنخوة المواطنين الصالحين شرط توفير المناخات الأمنية للنهوض من الكبوات والعثرات.

أرجح الظن عندي أن لقاءات السياسيين تنطوي على نيات مبطنة لا تسمح لدى البعض منهم بالكشف عن تهريب الأموال والدين العام والفضايح والسرقات والجرائم لذلك لا قيام ولا مجد لآتٍ بل أهوال تحوم وأشباح تلوح مبشرة بسوء المصير.

 

أودَّ أن تكذب الوقائع نبؤتي متمنيا للبنان اليُمن والخير والبركات.

 

أدعيتنا إلى إله السماء والأرض أن يرأف بالأنام ويكف الغضب الناري اللاهب عن البشرية المعذَّبة في مجاهل غباوتها، هذه البشرية السائرة إلى مصدرها الأول حيث انطلقت، ما تزال تئن وتنتحب حتى تلاقي ذاتها وتندمج في وحدة حقيقتها الخالدة.

حنانيكَ يا ربَّاه   جنونٌ طغى  نأباه

فما في مساعينا   سواكَ الندا  لبَّاه

على موعد لقاء نعاهدكم بالجديد المُبتكر.

 

6 شباط 2006