إلى الجنرال عون

بقلم الأب سيمون عسّاف

 

إن في الخَلْقِ أسرار ليست من  صنع بشر، وسر الرجال من بدائع الخَلق، والرجل غير العادي ذروة الإبداع. حديثنا إذاً يدور حول إنسان من عندنا من بلاد الأسرار والبدائع. وهل أمتع من الكلام عن الجنرال عون مدرسة الأخلاق العالية والنظافة المطلقة والقانون العادل والدين السامي والثقافة الشاملة؟ صعب أن أحصر الرجل ببعض صفات ونعوت لأنه أكبر من المقاطع والألفاظ.

 

رقمه عريض فاضح لأرقام المُتَوَالين المُتهافتين عل الكراسي في وطنِ أنهكه النهش والتمزيق وأرداه التفكَّك والافتراس. 

يوم كان الرجل قائداً مسيرة التحرير ظهر لأمته أنزه ما تتمنَّى النزاهة عينها أن يكون، والذاكرة لدى الشرفاء لم تبرد بعد، ومن ينسى أولاد لبنان الصغار الذين كسَّروا إجَجَهم وهي أعزَّ ما يملكون تعبيراً عن المبايعة وإعراباً عن الثقة بالمُخَلِّص الآتي بالغار والزيتون.

 

كما لا يفوتنا أن نستذكر النساء اللواتي أتينَ بجواهرِهِنَّ والعقود والحِلي وطرحنهُنَّ على أقدام الجنرال ميشال عون، لأنهن رأينَ فيه الفجرَ الضاوي والاملَ المستقبلي لأولادهنَّ وللبنان.

 

وآلاف الشباب والشابَّات وجميع مستويات شعبنا من كبيرِ وصغير خيَّموا حول القصر الذي يربض فيه القائد الغضنفر وقد سمَّاه يوم ذاك "بيت الشعب". أجل، كان الزنَّارُ بشرياً يلُفُّ المكان ويحرسه من أهوال الخونة والجبناء والمرتهنين وأشباح الشياطين الأبالسة.

 

ثم كانت الموآمرة على القضية من داخل ومن خارج للإطاحة بالمُحرِّر والتحرير والحريَّة. ذهب ضحايا وحدث دمار وانكسرت قيادة السلام الواعدة فحصدنا الخيبات وهُجِّر أبناءُ الوطن المؤمنين. وجاء آخرون كفرةٌ عملاء للسطو بقوى الغير التي للشرِّ، على دماء ودموع وعرق أعصاب الناس بأحقاد وأصفاد وذُُلٍ لضرب مجتمع برُمَّته، أذاقوه الأمَرَّين من العذاب عدا الإرهاب والسجون والخطف والقتل وكل أنواع التفنين في الإجرام تحت غطاء مسيحي أمَّنَهُ رعاع وأوغاد من صفِّنا أقل ما يقال فيهم إنهم سَفَلة مسوخ مُعاقون. والدليل على صحَّة القول الماجريات التي استجدَّت على زمانهم. خبط القهر والفقر كل الناس لاسيما المسيحيين لأنهم ضدَّ الاحتلال الإستغلال وضد المناصرين الزاحفين المأجورين. والأحط والأغلظ أنهم جزَّارون أرادوا محاكمة البراءة، وأغبياء شاؤا الانتقام من العبقرية وأقذار راموا إلصاق التهم بالنظافة وأقزام مرذولون ودُّوا التخلَّص من المارد الأشهم. هل بعد من هذا العيب المُسِفِّ أشنع ومن هذه الفضائح الخالعة أبشع؟

 

حتى بعض الذين كانوا بيننا شكَّكوا بمصداقية الرجل وراحوا يغزلون الأقاويل ويرشقون النبالة والإباء بحصى الخِسَّة والانتقاد اللاذعين. كثيرون هم الذين شطَّبوا على الجنرال وأحصوه من عداد السفَّاحين المسؤولين عن معارك الأحداث الأخيرة وكأنهم خبراء سياسيون لا يُقنَعون ولا يقتنعون. نعم إن بين كلِّ اثني عشر وُجِدَ إسخريوطي وبروتوس وملجم من الرؤيا عراة ومن النفس الطويل!!!

 

أمَّا اليوم فأرى المُشكِّكين يعودون إلى الاقتناع، والعُصاة تستهويهم التوبة، والصعاليك يرجفون من القاسي العقاب، والدُمى تترجرح على طاولة الألاعيب والتأرجح يجرف أصحاب الرؤوس الفارغة في مهب الريح.

 

وحده اليوم البطل الذي دفع من عمره ومن صحته ومن شموخه في غربة ما توقَّعها، يُطل واعداً بالرجوع إلى وطنه الذي أدار دفَّة سفينته للبلوغ إلى ميناء الأمان. يُطِل بكرامته التي لم يُغبِّر عليها أو يلطِّخها طارش ودهَّان من أتباع الحاكمين الأنذال مسَّاحي أحذية الطغاة الغزاة الجائرين.

 

يُطِل والقرار بالغاصبين جلاّدٌ  يُلَوِّح فوق جماجمهم وهم يرتعشون ذعراً وتصطكَّ رُكَبُهم هلعاً من الحُكم الآتي. سيتم الانسحاب وتنسحب الحصيرة من تحتهم ليتدحرجوا إلى جهنَّم. خنقوا الأنام وأكلوا الأخضر واليابس وسرقوا أموال الخزينة وهجَّروا نخبة الأهل من الوطن.

 

وحدك يا بطل الأوفياء والأُمناء تليق بك القيادة والزعامة وإدارة البلاد.

 إن الحق أنصفك والله الذي به آمنت ما تركك.

 

ثوابتك ما زالت من الأول إلى الآخر هي هي ولم تحِد عنها قيد شعرة وهذا ما ميَّز رجولتك ومبداك وبطولتك.

دُمت يا ضمير لبنان للأرز رمزاً وللشعب رسولا وللقضية رائداً وللأجيال الطالعة عزَّها وللخونة سوطاً لاهباً لا يرحم.

ولتحيً للجيش قائداً باسلاً مُفدَّى ولتاريخ بلادي أن يفخر بك خالداً إلى الأبد.

 

17/1/2005