أعيدوا سلاما

بقلم/الأب سيمون عسَّاف

 

لهم أن يقولوا ما يشاؤن فهذا شأنهم، وللتاريخ أن يفصل في القول ويحكم على المواقف وعلى الأشخاص.

غريب أمر المسيحيين كيف يتهوسون من دون اتخاذ العبر.

 

تحمسوا بهوس أثناء الحُكم العباسي فكانت مذابح المنيطره، تحمسوا في مقاومة المماليك فكان خراب كسروان البادىء من الفتوح الكسرواني، تحمسوا أيام خورشيد باشا فكانت مذاُبح سنة 1960 في لبنان وسوريا، تحمسوا في عهد إميل إده فكانت الهزيمة لفرنسا التي ما استطاعت إدخال باخرة أدوية في الأحداث الأخيرة، ويتحمسون الآن من دون معرفة النتائج التي إليها سيصلون والمحيط كله يغلي كالمرجل وهو غير متجانس وغير مؤتلف.

بعبارة أخرى بإمكان الجميع الاتفاق علينا ولكن ليس معنا مهما حصل من عهود وأُبرم من وعود.

 

كفانا أن ننخدع وننغش ونصدق، فالمآسي ناخعة في العظام والويل لمن لم يتذكر عويل وأنين الموتى والضحايا والشهداء والأبرياء علينا أن نكون نحن الإدارة لا الطلاب، المُطاعين لا الطائعين أوامر الإدارات.

 

ليتنا نتعلم من الأغلاط والهفوات التي اقترفناها بحق الأهل والشعب البريء منا في سائر مناطق لبنان.

ليتنا نتعظ من أجرام ارتكبتاه بحق أبنائنا تالين فعل الندامة قبل الإقدام على النطق بأي مقولة وأي قرار لا يتناغم مع القاعدة الشعبية عندنا.

لا يجوز اتخاذ رأي القاعدة بشكل اعتباطي فهذا خُلف وإجرام وجحود وإجحاف وبالتالي تكرار للغلط الذي مارسناه في أمس سيٍّْءٍ عبر.

ندائي إلى كل القادة اللبنانيين وفي الطليعة المسيحيين للاتفاق على طاولة حوار لتجنيب البلاد فوضى وفلتان لا يضبطهما إلا قوى خارجية تبرهن بأننا لسنا أهلا لإدارة شؤوننا الذاتية لوحدنا وأننا نحتاج دائما إلى وصاية تسهر علينا وتشهد على تقصيرنا.

 

لن أدخل في متاهات الماضي كي لا أوقظ أحقادا في صدور الحاقدين لكني ألفت النظر إلى ما تأتَّى عن يد الناطقين اليوم باسمنا من مجازر وكم لطخوا كفوفهم بدماء المساكين وقتلوا وسفكوا ووو حتى هاجر الأغلب منا إلى العالم الواسع.

هل يريد هذا الزعيم أو ذاك استكمال مسلسل اللعبة حتى لا يبقى مسيحيٌّ في الشرق وخصوصا في لبنان؟ آمل أن لا يكون هذا المنهج هو عينه ينفذه هؤلاء المدعين بالتمثيل لنا.

 

أحسن ما يفض مشكلاتنا هو اللجؤ إلى الانتخابات الصحيحة العادلة التي تعطي للشعب فرصة التعبير الحرة عن رأيه وعمن يريد أن يتولى أمره. وللفائز ألف مبروك فيكون الشعب اختار قائده ورائده على قاعدة ديمقراطية حرة لا تدخل أجنبي فيها لا من بعيد ولا من قريب.

ثم يُصار إلى انتخاب رئيس جمهوري دستوري لا يخضع إلى غوغائية الشارع.

 

نحن دولة حرة متمدنة ترفض أساليب الزواريب الصبيانية وترضى بالسلوك الراقي المعترف بالمستوى  الرفيع الرصين.

نرجو جميع الأحبة المهللين لإسقاط رئيس الجمهورية إميل لحود الذي لا نحبذه وإنما نحترم الكرسي التي يجلس عليها، أن يعوا ماذا يعملون وأن يتصرفوا بمسؤولية محترمة ومشكورة.

 

لا نتجنى على أحد ولكن مطلبنا محق وله منطقه الذي يقنع الخصم والحليف على السواء. من هنا أدعوا بندائي المخلص الحميم جميع الشرائح وقادتها إلى التلاقي لإيجاد مخرج لائق بنا لا يشين ولا يزج بنا في مآزق وأزمات نحن بغنى حتى الآن عنها.

لا التهديد ولا الوعيد يُفضي بما إلى الخير ولا يبلغ بما إلى أي مطرح.

 

استصرخ المتهوسين أن يتعقلوا رحمة بالعباد وبأقلية هي نحن تخشى لحس المبارد لأم الدم نفد. من موقع مسؤول أطلق الصرخة غير مبالٍ بمن سيرضى وبمن سيزعل. المهم هو إنقاذ المجتمع والبلاد من حمامات الدموع والفقر والجوع والسير بها إلى مراسي الأمن والسلام.

كفى الانحطاط والتعدي على أدب المخاطبة من زعماء يعكسون صورة مستوى طوائفهم.

 

أدعوهم إلى التعقّل والروية لأن هناك ما يساويهم عددا ضدهم.

لا يقوم قيامة الوطن بهذا الشكل المتخلف الهجين.

إن الحكمة الصبر التروي علاج هذا الزمان العسير.

أختم كلامي بقولي صلاة نرددها: أعيدوا سلاما فقدناه بما قد فعلتم من الزلل.

 

19 شباط 2006