خََلِّ من قَلَّ خيرُه لك في الناس غيرُه

الأب/سيمون عسَّاف

أي خير حصد بنو الأرز من جارةٍ لهم فيها أكثر مما لها في أهلها. بالأمس البعيد كان التواصل حميم بيننا تربطه لغة وعادات وشيم، وتشدنا أواصر صداقة ووشائج قربى، وما أن أطل النظام السوري أو سمِّه ما شئت، حتى راح  يُصعِّد في معارج السلطة ومدارجها إلى أن وصل بالأسد إلى قمَّة الهرم. وتولد الطامة الكبرى فتنتفخ دائرتها بشكل مقيت ويضرب جسدها الوَرَم. ماذا يُقال إذا في ماسك زمام الأمور والناس قطعان أغنام لمسلخ تُذبحُ أمام عيني الحاكم الجزار الظالم؟ ومن لم يوفِّر رعايا دولته والمقتنيات هل يرحم دولة غريبة عنه اغتصب طولها وعرضها واحتل شعبها وأرضها؟

أو ليست هنا تبتديء مسرحية الإجرام فيشرب عطش  الخناجر دماءً ودموعاً من رقاب الأبرياء ليرتوي، ناهيك عن تجاوزات سافلة مارستها جحافل الجيش الفاشل عندنا فاشمئز من طغيانها بَرْدُ الحجر؟

والساعة الآن قائمة والساحة مفتوحة على احتمالات متشعِّبة حدودها فوق مساحات المقاييس ودون أرقام المعادلات. لا أدير القضية مذهبية ولكن طالما الحقيقة الموضوعية هي شعار المرء العاقل أُجوِّز لنفسي أن أسأل، لماذا نشعر بالذل كلما فكَّرنا بشرقنا وأوضاعه المُذْرية وشعوبه المقهورة وحُكَّامه الدجَّالين الذين يبنون سعاداتهم على أنقاض تعاسات العباد؟

لماذا لا تنهض عواصم الشرق إلى مستويات التمدّن والرقي والتقدم والعمران في الغرب وتواكب التطور الحضاري البالغ أعلى نواصي الازدهار؟

هل ينقص المال أم الرجال؟ لماذا يوهمون الناس بظواهر الإيمان وهم أكفر الكافرين الملحدين؟ لماذا يحولون الدين أمراً و نهياً على أنظمة تستِّر عيوبها بقواميسه ونواميسه والطقوس؟

ماذا يستفيد الإنسان من فرائض قدسية الكتب إن لم تخضع إلى قناعات تضفي على جمودها حياة وتخلق زخماً روحياً مُنَشِّطا في الأمانات والأمنيات؟  

وبما أن الإنسان لا يزال مشروعاً سيبقى ربيب التدني والخطأ. وما هم إن لم يُقر أتباع عيسى بالنبؤة المتأخرة أو أتباع أحمد لا يعترفون بالألوهة المتقدمة؟ هل المجتمعات في عصرنا الحاضر تتوقف عند تعقيدات العقائد ولاهوتها وفلسفتها؟  

أم صدق النابغة القائل: "اقتتالنا على الأرض أفقدنا السماء". أما قال الكتاب " ما لقيصر لقيصر وما لله لله"؟

أوَّاه ما أسخف هذا العالم اللاهي بالتفاهات والضائع في المتاهات دون أن يقيم حساباً للاستحقاق والرحيل مهما الزمان طال. ألا تكون البلاهة والمهاترات هي في ابتكار الشرّ والأذى للذي بدعه الله على صورتي وصورته ومثالي ومثاله؟

فلماذا كان التفنن في عذابه وإفقاره وقتله ودفنه بلا مأتم ولا كفن ومرمياً في غياهب المجهول؟ دعوا خرافة الحوريات الحِسَان والجنة المزخرفة، وانظروا إلى طوالع أجيالكم المرسومة علامات استفهام على وجه آتيكم نابذين الخزعبلات خائفين من الجهل المتغلغل في حنايا وعيكم واللاوعي.

كان وطن الإشعاع  يضيء عتمات المنطقة، فجعلتموه مغارة بلا ضؤ يأوي أليها شرواكم يا معشر الأبالسة السود، ويجلد أولادكم المساكين الوارثين انكساركم المرذول.

كيفما التفتّ أصادف من ترَّهاتكم قصصا لا تخطر على بال، فتنفلت مني شفقة صبغها الحزن المغموس بشغاف القلب الملوَّع من فصولكم وأصولكم يا أبناء الأخياف والعَلاَّت المنسربة في الأزقة التي يفضحها طرف شارع العار.

غداً سينقلب مستقبل الشرق بطرفة عين وتسقط أسطورة المملكة والأمارة والسلطنة والجماهيرية والقطرية والى ما هنالك من ألقاب و تسميات. نعم سينفتح سجل جديد لعهد جديد وسيادة جديدة وحرية جديدة ومجد جديد واستقلال جديد أيضاً.

سيصبح حضور العبودية غياباً وفضيلة المشيخة ستنكفيء مع سماحتها لتصلي إلى الله خفية كي يجازيها علانية. ما كان يغرينا غيركم لو كنتم على درجة من الارتقاء، ولكن خيرُكم قَلَّ فطاب لنا بعد العناء الطويل أن نستريح، لِذا  نتمنى أن" تقصعوا قملكم" وتفارقونا لأن من صرع الحق صرعه.

أما نحن فَصَبِرْنا كثيرا عملا بالمثل: "من صبر ظفر". وأما أنتم فعبثا تصطلحون لأنه لا يصلحُ العطَّارُ ما أفسد الدهرُ، وللتاريخ أن يحفظ في مخابيء كنوزه ما أقول للإنصاف. فانتصحوا يا أعداء النصائح!!!

مونتريال – كندا 25/2/2005