شعب لبنان عظيم

بقلم/الأب سمون عسَّاف

 

شعارٌ ولا أنبل أطلقه الجنرال ميشال عون يوم كان رئيس القصر في بعبدا، وقناعة منه بعظمة شعبه، بدل اسم القصر بـ ِ"بيت الشعب". أليست هي الزعامة الواعية والقيادة الواعدة بأجلى معانيها؟

 

إن الشعب في نهاية المطاف هو أول وآخر من يقول كلمة الفصل، وقالها في الانتخابات الأخيرة. وهل تعلو إرادة الشعب أية إرادة في القضايا المصيرية الحاسمة؟

إن الجنرال عون هو ابن هذا الشعب المعذَّب والمُعاني من جرَّاء حروب جرَّت المذابح في معارك جزَّارة مخجلة تقشعر الأبدان من أشباح تذكاراتها الأليمة وصورها البشعة. كيف لا ينتفض لعنفوان وهو الضابط الأوفى لالتزام المبادىء وقد واكب جحافل الليالي وقوافل الأيام السوداء التي عصفت بأمته؟ كيف لا نحترم قائدا يشفق على مفقود ويقتسم أشجان عائلات بلتها النكبات؟ أليس للمحبة أخوات أجملهن الشفقة؟ ما من علة أقتل للفرد وللمجتمع من علة لا تؤلم ضحاياها، والجنرال كان أكثر المتألمين، إذ بلغ حبُّه شعبَه أقصى حدّ يصل إليه حبُّ إنسان على الأرض، عُرِضت عليه خيارات فلم يغره ذلك بمملكة وتاج، بل تشبَّث بالتحرير وخاض أشواط الكفاح الدامية مرتضيا بالمنافي لأجل كرامة شعب منه أطلّ، هامَّا لإنقاذ سيادة هو قيِّم عليها، وباسطاً أجنحة حرية فوق أديم وطن تستريح في ترابه عظام الشهداء والآباء والأجداد، وهو من الأمناء على رفع بيارق النصر وأكاليل الغار.

 

لعمري هي شيمة العسكري الشريف الذي علَّى اليمين لِصون حياض الوطن من العاديات الهواتك ورياضه من النازلات الفواتك. وحده من الأجرياء الذي عاند النصل بعينيه وكسر اللطمة القاضية بالثبات والمبدأ. إن نوابنا في اتفاق الطائف خانوا معامع النضال وهيجائها ماحين بالحبر ما كتب الجنرال بالدم، مُلبسيننا ثياب البدوية عوض أرجوان عشتار.

 

ومن تراه يصد ثورات الجماهير في حُميّا الفوران؟ نعم ثارت الحشود وتقلبت حول قصره حين كان ممسكا بالزمام وبالمقاليد، فبايعته المسؤولية وإدارة شؤون البلاد لأنها شعرت بقراءتها الفطرية وعفويتها الغيبية أنه الرجل العظيم المحامي عن مصالح شعبه المنتَهك المغتَصَب المذلول.وكانت مبادلة في التخاطب الصادق الموثوق بين القمة والقاعدة الجماهيرية مما جعل هذا الجنرال البطل يخلع لقب بيت الشعب على قصر الرئاسة الأولى الذي هو في الأصل للشعب، متحسِّسا خطورة المرحلة، مدركا بوجدان الشرفاء أهمية الأمانة المعلقة بعنقه والتي عليه الحفاظ عليها أمام التاريخ وأمام الأجيال على السواء. ستذكر ناشئتنا القادمة إلى زمن طويل مواقف البطولة ولن تنسى شخصيةً رائدة بهذا الحجم مهما رفض المعتوهون قوة سطوتها اللاغية شاسع المسافات بين أبناء لبنان.

 

ما من مساحة تنقبض على ذاتها بل تتمدد إزاء الجنرال ميشال عون لتخصه بالشطر الكبير من قياسها، وما من معادلة لا يأخذ منها قسطه الأوفر.

يُطل الطامحون بأحجام صغيرة ليحاشروه على كرسي من دون أن يقيسوا طولهم وعرضهم أو يزينوا ثقلهم  الخفيف في كفتي ميازينه. هل فاتهم أن القاعدة الشعبية تصب لصالحه وأن ما حباه الله من عطاءات وقدرات تفوق بكثير معطياتهم والقدرات؟

 

لا يقبل اللبنانيون بعد الآن برئيس جمهورية مشبوه مترجرج حائر مساوم مساير ضعيف لا قرار له ولا خيار. لا يمرر الشعب بعد اليوم صفقات وألاعيب وبهلوانيات ونواميس ونظم وأعراف وحرمات ومواثيق مهمولة من دون محاسبة وحساب. ومن سوى الجنرال ميشال عون النزيه النظيف أوْلى بهذا المنصب ومن سواه يُقدِم على هذه العملية الضرورية لاستقامة الحال؟ أمَا هو المتجمَّل بهذه النعوت وتلك الصفات؟

 

كفانا عرض أسماء للرئاسة لا لون لها ولا طعم ولا رائحة وقد شغلت الوظائف في الحُكم فاختبرها الشعب وتلمس الضعف والجُبن والتردد في سلوكها المستور. أين التأثير الشعبوي الذي خلَّفته لمجرد وقفة عز تنم عن شجاعتها؟ أين الرجولة التي بانت إبان التعدِّي والافتراء على الشبيبة وعلى الأقداس؟ أين الفوز الساحق الذي نالته في الانتخابات؟ أما سلك الجنرال عون سلوك الفرسان الشجعان وترك التأثير الكبير في شعبه فنال الأصوات بتفوق لا يحد ولا يعد في الاقتراع الأخير؟

كيف يتطاول هؤلاء على المكان الأرفع منهم وعلى الشخصية المرموقة رقيا وشجاعة وقوة؟ ختاما للمقال، يحضر على الخاطر هذا البيت من الشعر: إنَّ الزرازيرَ لما قام قائمُها   توهمتْ أنها صارتْ شواهينا

 

لن يحتفل لبنان بعرسه ولن يحتفي بذكرى قيامته والخلاص إلا متى أُعطيَ السلطان للجنرال ميشال عون وقالوا إن الفخامة تعانق الفخامة!!!

فيا لبنان الوطن الغالي سينعم الله عليك وتحظى بعون المشيئة الكلية القدرة، فيكون الجنرال ميشال عون هو بنفسه فخامة رئيس جمهورية البلاد المفدَّى.

 

5/11/2005