مع السلامة وألف جرَّة وراءكم

الأب/ سيمون عسَّاف

13/3/05

مراحب أيها اللبنانيون وألف مبروك على انسحاب عسكر البعث من بلاد الأبرياء. يطمئنّ بالبُشرى أولئك الراقدون في خشوع المقابر وتهتز الأرفتة للنبأ التاريخي المريح. أما بعث الشام فبكل جهالة يتساءلون، كيف نرضى بالغريب أن يكون حراً في بلدنا ويلوموننا على السماح له بالكلام، ولماذا محرم عليهم هذا الحق؟ نجيب مقهقهين مستغربين!!! أولاً نحن أحرار في بلادنا ولسنا بحاجة إلى طلب المأذونية من والي الشام لنرحب أو لنستضيف الزائرين. ثانياً لم نكن إلا أكابرا مع الإخوان أنما هم لم يكونوا على مستوى مُشَرِّفٍ من التعاطي مع أصحاب البيت النبلاء، لِذا غاب عن بالهم المثل الدارج: "على الغريب أن يكون أديبا". وأي أدب انصان أو أية أخلاق انحفظت من الجيش الاستخباراتي حتى يعاتبنا ابن الحافظ المحسور المأسور المكسور؟ ومن وراء المحيطات فخت آذاننا صدى الإعلام بلسان رئيس أميركا ومعه ألسنة روؤساء أوروبا فارضاً على سوريا سحب جيشها الفوري من لبنان، وانتظرنا الخطاب المفاجأة ، ولكن كان أنْ "تمخَّض الحبل فولَد فأرة".

 

إلى الآن يناور ويراوغ الأسد بشكل وديع مستنعجاً لأن الأسواط التي لفح بها أبناء لبنان تندار اليوم عليه لتعمل عملها بجلده وجلود أركان الجلاَّدين من الأتباع. لا نقولها تشفّياً ولكن تنفُّساً لأن الموجوع يصرخ من حِدَّة الألم. ما معنى انسحاب أوَّلي إلى البقاع وبعدها إلى الحدود من دون تحديد زمن منضبط ومُعَيَّن؟ قد يمكِّن المهر بعد ما رمح، يعني ذُلَّ بعد جماحه.

 

النار ولا العار يا حاكم الشام، المنايا ولا الدنايا هلا استوعبت وفهمت؟ إنْسِهِمْ اُنْسَهِمْ أولئك الذين بك يحيطون. أما علمت يا غزالا لولا الوئام لَهَلِك الأنام؟ أما تذكَّرت أن ما من يدٍ إلا يد الله فوقها؟ وسائلُ الله أبداً لا يخيب. جُدِعَ أنفك لأنك كابرت ولم تلِنْ حين ناجيناك، وكنت عندنا باليُمن غير عارف يوم السرور قصير ويوم لك ويوم عليك. ولكن هوِّن على نفسك إذ ويلٌ أهونُ من ويلين.

 

من لنا بالسائح بعد البارح وبالفأل بعد الشؤم؟ كنا لكم سنداناً فصرنا مطرقة.

كثيرا ما تمنينا عليكم الرحيل برائحةٍ طيبة فأبت أرواحكم المتعجرفة وما زادكم نصحنا إلا تعنُّتاً وعناداً وقلنا: لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيا، ومن يزرع الشوك لا يحصد به العِنبا. شبعنا من البُغاثِ الذي بأرضنا استنسر وقد بلغ السيلُ الزُبى أي جاوز الحد والتحدَّي:

أنا ابن جلا وطلاَّعُ الثنايا   متى أضعُ العمامةََ تعرفوني

 

عهدُ الحجَّاج وحافظ راح يا" بشُّور"أبْشِرْ. في القرن الثاني العشرين والعالم منفتح إلا نظامكم الاستخباراتي المستجد المستبد المستعبِِد الناس المُستبعِد الزعماء الفاقد إنسانيته في ارتكابه الفواحش والمنكرات فاضح أساليبكم وسلوككم والاعوجاج.

 

لماذا ثار حابلكم على نابلكم حين حشروكم في خانة الإحراج؟ أما كفاكم تضيقون وتستنزفون عافيتنا؟ أو أما حان لنا أن ننعم بالانفراج بعناقنا أطياف الانعتاق؟ هل أحسن من البرامكة حضرتكم حتى ستر تم انفعالكم وتباخلتم بالبسمات؟ عندنا لا يصلح هذا الشعار: من غلب سلب وما هذه شيَمُنا ولا هكذا مكارمنا الفارضة الإكبار والاعتبار ولا الاحترام الرافضة أشكال التفوه والهوان.

 

لا تتأخروا بربكم ولا تتباطئوا أو تماطلوا لأن ملائكة الجن على وشك الوصول إلى أعتاب العرين ونخشى عليكم بعدما كنا نفزع منكم من الانهيار على كل صعيد. أعرف تماماً وجيِّداً أن أوضاعكم لا تسمح بالرجوع إلى مساحاتكم الواسعة ومسافاتكم الشاسعة لأن في ذلك انتحاركم. والله نشفقُ عليكم من الاندحار الذي سبَّبتموه وجلبتموه، ولكن ما وضعتم في القِدْر تُخرجون بالمغرفة.

 

لماذا تستطيبون الإقامة بيننا وتنتعشون بهواء الحريات والحقوق والكرامات في ظهرانينا، وفي وطنكم الأصيل لم ترَوْن إلا أنيار العبوديات والقمع ؟ إلى داخل أراضيكم سارعوا قبل مجيء "البعبع" و"الواوا" فيبيد جراثيمكم  بأدويته الفتاكة! أصلحوا البين في ما بينكم!

 

عجبي، ففي خطابكم تهددون وتتوعدون وتعاندون وترفضون الرحيل عن ديارنا بألف حجة وحجة، كلها من نسج الخيال والأوهام، وما أن حل رود لارسن مبعوث العم عنان في دياركم حاملاً قائمة العقوبات وعصا العالم الحر، حتى رضختم وقلتم "حاضر سيدي" فيليتكم نطقتموها طوعاً وليس عصباً عنكم، لكنتم حفظتم ماء الوجه.

 

نحتار كيف نودعكم شاكرين مفاخركم والمخلَّفات القيِّمة التي تركتموها مُعربين لكم عن أسفنا للتأخير على مطالبتنا لكم بالانسحاب من زمان. على أي حال حصل مؤخرا أفضل من أن لا يحصل أبداً، ونردد مع جرير:

إني لأرجو منك شيئا عاجلا   والنفسُ مُولَعَةٌ بحُبِّ العاجلِ

 

مع السلامة وألف جرَّة وراءكم ولستم بالسلامة راجعين.