نخاطب الضمائر إذا وجدت!!

الأب/ سيمون عسّاف

 

قادة بلادي في ضياع لا يدركون في أية متاهات يهيمون. يعارضون ويوالون وكأنهم أعداء ألِدّاء، وبالأمس كان أغلبهم في القاطع البعثي يسرح ويمرح دون حسيب أو رقيب، فماذا حدث اليوم حتى ينقلون البندقية بسهولة ساحرة من كتف إلى كتف؟

 

ما هذا الانقلاب السريع المريع اللافت؟ مهما يكن الشأن، لا يهمني أمر المُعارض والمُوالي بقدر ما يهمني أمر خلاص الشعب وقيامة الوطن. نحن بحاجة إلى قادة معها مشروع وطَرْح على أساسه ترتكز الثوابت التي لا أحد يرضى المَسَاس بها.

 

يتظاهر الناس من أجل الحرية والانسحاب والسيادة والاستقلال. لا احتجاج على ذلك وهذا فعل مشكور وموقف مُشرِّف. وإنما أسأل الذين يتظاهرون خصوصاً المسؤولين دستورياً أمام المحاكم والقضاء والشعب ولا أقول الضمير، إلى أين يسيرون بالبلد؟ على أي أساس يجتمع الجميع والأهداف غير موحَّدة؟

 

كل ممثل للشعب هو اليوم أمام أسئلة التاريخ والوجدان. لذلك أسترسل وأكرر سؤالي ماذا بعد المظاهرات وماذا بعد خروج المحتل البعثي وكل مخابراته وأجهزته؟  ومن تراه يعرف ماذا تخبيءْ لنا التجاريب في طيَّاتها من مفاجآت. هل عندنا رعاة ولنا قيادات بحجم توقُّعات الباصرين والعارفين؟

 

من يحمي الشريحة النخبوية التي عانت وتعاني من جرَّاء إيمانها بلبنان الوطن والكيان والهوية والتاريخ وشرعة حقوق الإنسان؟

أعود لمخاطبة أدمغة إذا وُجِدت، هاجرنا خوفاً من الاغتيال، سكتنا فزعاً من القمع، اختشينا هولاً من الهزيمة ولكن ما زلنا في اعتقال بعقال لا فكّ له ولا حَلّ.

قُسم يصيح بالإبقاء على عقيلة القبيلة المتطاوسة والسيطرة والسطو، لأنه رهينة لأوليائه وللنفعية والإذلال، وشقٌ ثانٍ لا يريد أن يعرف شيئاً أبداً عن مولى وموالي ومَوالاة لأنه انكوى. هل من العدل أن نُبقي في سدة الحكم مجموعات حكمت منذ سنة 1990 ولم تترك معصية إلا واقترفتها وهي التي فُرضت علينا بالقوة مِنْ قوى متعددة الألقاب والأجناس؟

 

لا تحصى جراحات مجتمعنا المفسود الملوَّث المقهور المفتقر إلى القيم والشيم والآداب والأخلاق. هل من مطرح لم يتمزَّق بكيانه وأرضه وعرضه وطوائفه وعياله ومؤسساته ومرافقه والمرافيء وسائر القطاعات.

 

لا تنتهي الأسئلة حول "ماذا" وراء الأيام التي التأم الشمل فيها وغنَّت الشمائل. هل يتخلَّى الفرقاء المستفيدون عن مواقعهم بهكذا ظرف موآتي؟ بالتأكيد لا! وهنا الكارثة. يعارضون ويوالون للاحتفاظ بكراسيهم وليس قناعة بالانعتاق والسؤدد. 

 

لا معنى لأية مظاهرة في لبنان إلا إذا أثمرت حاملة في أحشاء تمنيها الأماني والآمال والتجديد والتجسيد فعلاً للإرادات الخيِّرة والنيات الحسنة.

إن تنظيف لبنان من المسلحين والمافيات وفرض سلطة القانون هو واجب جميع الدول ولا حاجة لنا للسلاح غير الشرعي بعد اليوم لأن لا أحد يحتل أرضنا ولا ينتهك عرضنا. وإذا كان الإصرار على التمسك بالسلاح لِنَعُد إلى ذهنية العشائر وكل عشيرة تتسلح فيصبح لبنان حينئذ مجموعات قبائل مسلحة لا تحتاج إلى وجود دولة بل مسرحاً عليه تتمثل عصور الغزوات.

 

الجميع يتغنى اليوم "بالطائف" ولكن بشكل انتقائي لبنوده، علماً أن هذا الاتفاق الذي عارضناه بقوة ولا نزال يلحظ تعرية كل الميليشيات من أسلحتها والحفاظ على اتفاقية الهدنة مع إسرائيل بكل مفاعيلها بما فيها نشر الجيش اللبناني على الحدود، فلماذا أبقي السلاح مع البعض خلافاً لهذه الاتفاق، وأبعد الجيش عن الحدود؟ وهل إبقاء السلاح الميليشياوي طوال هذه السنين مع البعض قد أفاد أم أضر لبنان؟

 

اليوم والاحتلال السوري قد أوشك أن ينتهي، وكان قبله انتهى الاحتلال الإسرائيلي، لم يعد من مبرر واحد لإبقاء الدويلات والمحميات والميليشيات، كما لم بعد مبرراً ولا مقبولاً إعطاء أي دور أمني لأي مجموعة مدنية ولا إعطاء أي دور سياسي لأي جهاز رسمي.

 

على ساحة الواقع الآن تهويل وتدويل وزرع رعب ومتفجرات لنسف بُنيَة الوطن المُفدَّى والبلبلة.

والحالة كذلك، إنه من غير المعقول إجراء انتخابات حره وضبط الفرز الدقيق والى آخر الأسطوانة ما لم تتدخل دولٌ لها احترامها في ميزان الأمم.

رغم الموت لا بد لليلِ أن ينجلي وللحقيقة أن تنكشف وللحق أن يستكمل النصاب وينقشع الضباب.

يا معقل الأرز غدا النصرُ فاطرب للمدى!

 

مونتريال – كندا

8 نيسان 2005