مظاهر مظاهرات

الأب/سيمون عسَّاف

 

تظاهر "حزب الله" حزب الأشياع في لبنان المنكوب بنسائمه وقوائمه أمام السفارة الأميركية. فتبادر إلى الذهن التعجّب، ما تعني هذه المظاهر الحانقة المُجَيَّشَة المحتدمة؟ لماذا يتظاهر حزبٌ يوجب اتفاق الطائف تجريده من السلاح وخضوع أفراده لسلطة الدولة بالكامل، وقد صدر قرار دُوَلي بنزع سلاحه؟

 

هل بمقدوره مقاومة رغبات الشعب اللبناني ومشيئة الأمم المتحدة والتصدي لهم بهذا العناد؟ إلى أين الرحيل بالأمة والشعب إزاء هذا التمسك بالرأي الخطير وعدم الخضوع إلى الإرادة العالمية القاضية بإقامة دولة لا باستمرار ميليشيا تحكم البلاد والعباد؟ قلنا ونكرر القول، أنه لا يمكن إلغاء أحد لإحلال غيره مكانه إلا بالوهم والخُلْفٌ والمحال.

 

هل يجوز أن تدغدغ أحلام قادة حزب الله أوهام السيطرة على جميع قطاعات البلد؟ أمَا يعلمون أن لبنان مكون من شرائح واثنيات وحضارات متنوعة وأنه ليس بمقدور أي شريحة منفردة التسلط على الحكم والإمساك بالقرار؟

 

هل بالمستطاع حذف الشريحة المارونية مثلاً من خارطة لبنان؟

هل يستفزّ حزب الله ومن معه من منظمات لبنانية وفلسطينية يأتمرون من قبل الحكم السوري البعثي الشعب اللبناني للقتال فينزف حمَّام الدَّم وتُزهق أرواح ضحايا أبرياء ويذهب شهداء من أجل مصالح سياسية وتحالفات مشتركة وتشابكات دبلوماسية متقاطعة حيناً ومتلاقية أحياناً؟

 

هل المسيحيون دون ذاكرة ليحملوا بعد التجاريب المريرة سلاحاً؟ تساؤلات عديدة ترسم ألف علامة استفهام وتطلق ألف نداء لتصويب المسار لا لانقياد المركب إلى الغرق.

إن ضرورة تخليصه هي من سياق الصبر والتجلُّد ضداً للتفكك والضياع حسب مزاج المتمردين على أصحاب القرارات.

حتى الغافل من الناس يستوعب دور سوريا وإيران وراء مواقف وتركيبة "حزب الله"، ويدرك مدى تأثيرهما الفعلي عليه منذ وإلى زمنٍ طويل.

 

هل التصادم وتغذية التعصب والتسويق للانعزال هم مكنونات الحلُّ المنطقي، وهل هكذا يُحَلِّل ويُحَرِّم الأقوى فيأكل الأضعف؟ هل مفهوم المواطنة يقوم بالهيمنة البدائية وباسترسال في الغزوات؟ تبَّاً لأذهان القبائل تعود تذرّ قرنها للذبح والإباحة والتجريح في المقادس والمحرَمات. إن اتفاقات وأطماع سوريا وإيران يُربكان الدُوَلة اللبنانية ويشلان حركات الإصلاح وعجلات التقدم فيها ويُعطِّلان آليات التفاهم والحوار. أجل أن سوريا وإيران هما وراء هذا الغليان والفلتان والفوضى واضطرام الغيظ والاضطراب.

 

كي نخرج من دائرة الداخل المعقَّد بأصابع الشياطين وندخل في فلك الخوارج المتآمرين الذين ترعرعوا مع الأبالسة، لماذا ينسج الحكام السعوديون والمصريون الأكفان ويُنَجِّر الحكام الإيرانيون النعوش والسوريون من ربع البعث يمشون في المآتم؟ لماذا لم يتركوا لبنان لؤلؤة الشرق ومرآته بهية، نقية يغازلها الصفاء؟

لماذا يشدّ كلٌّ إلى مذهبه ومشربه ممزقاً أوصاله في دمار جسد شعبنا المعرَّض للتوعك والنكسات؟ أوشك المشهد المأساوي أن يتمثل على مسرح الشرق الأوسط، ولا يغيب عن بال أحد من السبب في الأساس وما هو صُلب المشكلة العويصة؟ والهنيهة ساحة تشهد الصراعات المسارعة والمعارك الكلامية ومظاهر المظاهرات، نحن على مفترق. فالإبطان كما يعلم جيداً أهل التقية والتستر وأرباب العقل غير الإظهار.

 

تظاهر المتظاهرون حول السفارة الأميركية في لبنان. هل لتخفيف الضغط عن الرئيس السوري بشار الأسد، أو لكسر شوكة لجنة التحقيق المستنطقة، أو لإبقاء السلاح الميليشياوي الأصولي دون ضبط حماية للدويلات والمربعات الأمنية؟

 

تحمل العشيقة في فراش العشيق لتكون الولادة عندنا، في أرضنا وبين شعبنا وعلى حسابنا وبالغصب عنا ونكاية فينا، تدور رحى النقاش والنتاش ولكن من دون جدوى، وفي نهاية المطاف تشتعل الأوضاع فتجرّ الويلات والغوائل والأهوال.

 

هذا ما هو حاصل في بيتنا اللبناني اليوم. لم نجهل أن حزب الله ميليشيا ولو حاول إخفاء الرأس في الرمل كالنعامة وكل الجسم بائناً. والأسئلة سلسلة طويلة جداً والكلام عقيم وسفسطة. حزب الله يقاوم مَن وعمَّن والى مَن؟

 

لماذا يختصر كل الطوائف ليفرض علينا خياراً لا نرضاه بالإجماع؟ هل أبناء" الكوثر والحوراء" يفكرون أنهم بمنأى عن الانهيار والزوال؟ ان الكارثة ستحصد الجميع.

 

هي القوة المسلحة تخاطب وتحاور وتناور غير معترفة وغير قانعة بالدولة المزرعة التي خلَّفهتا ذيول الاحتلال السوري.

ما هو الحل واللحظات حاسمة والمسألة أياماً للمواجهة والمجابهة والاقتحام؟ لا يوجد في اعتقادي إلا الحوار البنَّاء بين أطراف الطوائف حول طاولة مستديرة للائتلاف، ولكن على ما يلوح في الأفق أن هذا غير وارد ومستحيل.

 

بقي إذاً، أن تُقِرَّ الدُوَلُ مُجمعةً وتُدَوِّل قضيةَ لبنان فينزل إذَّاك هذا الوطن عن صليب العذاب ويستقر الشعب ويستمر الأرز خالداً إلى الأبد حراً من سلاسل الشرق وقيود الغرب.

 

29 كانون الثاني 2006