الترقي

الأب/سيمون عسَّاف

 

يصدمنا أسلوب بعض ضيوف اللقاء التلفزيوني في "كلام الناس" ويخبطنا المستوى العاري من أوليات اللياقة والاحترام المفروض أن يتحلَّى به زاعم الثقافة وتمثيل الناس في حقلي السياسة والإعلام.

 

أمر مُخجل استعمال الكلام النابي والتعبير البذيء مما يجعلنا نتسائل أصحيح أن من يتعاطون الصحافة والسياسة في بلادي انحدروا إلى الدرك المُسِف عندنا؟ بصرف النظر عن شخص الجنرال عون الشهم هل مسموح اللجؤ إلى هذه المنزلقات التي تتخطى حدود العيب وسدود العار؟

هذا من جهة، أما من جهة أخرى فهنيئا لامريءٍ عرف حده فوقف عنده وقاس بقياس المنطق  وزان بميزان الأدب، لأن أقبح ما يفضح المرء تدنِّي الخطاب في جوابه، والمطلوب الوقوف مع النفس أولا  ثَمَّ  مع الآخرين؟

 

يجب على الرجال المُعدِّين أن يكونوا وجوه الوطن أن يتَّصفوا بالروية والتسامي والرصانة والأخلاق وبتهذيب المتكلم إلى السامع. هذا جزء من قيم عيالنا تمرَّسنا عليه منذ الصِغَر وعليه بشمم نشأنا.

 

ماذا تُرى نشاهد اليوم عبر شاشات الإعلام سوى قلة الحياء والتهجُّم الحاقد والحسد الثائر والبغض المقيت؟ أن هذا التطاحن على أمور تافهة مبتذلة كالكراسي والمقاعد بهذا الشكل يُهبط من قدر الأفراد الذين يتقدمون  لتسلُّم مقاليد حُكم  المجتمع برمته.

 

أي انطباع يأخذ أولادنا الطالعين على الحياة من صورٍ المُدَّعين أنهم ينوبون عنهم ويديرون  شؤون بلدهم ويتولَّجون أمر مستقبلهم واستقرار مجتمعهم الذي لن يعرف استمرارا في الاستقرار طالما هذا المستوى الفاسق مستواهم؟

 

من غربتي القصية كنت أتلوَّى حسرة وأتململ لوعة على الكرامة الفقيدة والمجد المذبوح والخصال الدفينة عند صعاليك لبنان. إن الجنرال ميشال عون بطل غير عادي زرع اسمه في أذهان وقلوب وعقول أكثرية اللبنانيين عدا عن دخوله الكونغرس الأميركي ثلاث مرَّات ومفاوضاته مع البلدان الأوروبية كذلك. للرجل نعوت ومواصفات خارقة لا توجد إلا فيه لأنها من السماء مِنَن وهِبات لا عطايا من بشر يتطاول بعض المحسودين المفسودين على هرمية وتراتبية الجنرال وكأنهم أصبحوا من قدِّّه، ناسين أن فروخ الخُمَم ذوات المناقيد النابشة في القُمم لن يبلغوا أبدا غيم  أجواء النسر المُحَلِّق.

 

في الحقيقة إن الفصول التي يلعبها المتبجِّحون على مسرح   بلادي تُنفِّرُ الأذواق والأشواق وتلفت الأنظار إلى انحطاط لم نعهده في سني الحرب الملعونة الشرسة.

لم يستعِد الوطن بصيغة عامة  والمسيحيون بصيغة خاصة اعتبارهم إلا في رجعة القيادة للقائد النظيف من التلوث والمرمغات والصفقات التي وصمت كل السياسيين في لبنان ما عداه. أنهم لطَّخوا أيديهم بدماء الشعب ومذلَّة سرقة أمواله وأسهموا في تفقيره وتجويعه وتعذيبه وقهره وتهجيره. نرفض أن يعذر مسؤول في الدولة نفسه من الشواذات التي ارتكبت وكان هو الشاهد عليها والشريك في الجرائم والأهوال والمجازر والويلات. نعم ليس بمقدور أحد غسل كفيه إلا الجنرال النزيه الشريف.

وها هم يتكاذبون متسلحين بالوحدة الوطنية التي أتمناها إنما أشك في ترسيخها إذ لا ثوابت لها ولا أساس. على أية قاعدة وما هي المسلمات والمواثيق التي عليها تم اتفاق المصالحة الوطنية؟ هل بموت رفيق الحريري تم اللقاء وتصافح الجميع وانقضت بتبويس اللحى؟ أنا أدعو المسيحيين أولا للحوار المسيحي المسيحي وبعد ذلك للحوار المسيحي الإسلامي. وهكذا تكون بين الشريكين في لبنان اتفاقات وبنود وقوانين وتعاهدات خاضعة لشروط وشرائع.

 

ما هذه المصالحة وإلى الآن لم يعد المهاجر والمهجَّر إلى الدار والديار؟

فليتصالح الإنسان اللبناني مع نفسه وبعد ذلك يعود إلى الجار والجوار.

 

كفانا نفاقا وتدجيلا واحتيالا. ما من رئيس قدير على إرجاع اللُحْمَة إلى لبنان ورص الصفوف غير الجنرال ميشال عون. فليخجل الصغار من صغائرهم وليدركوا أنهم لو شكُّوا في رؤوسهم ريشاً لن يحصلوا على غبار مجد تطاير من "جزمة" ينتعلها. إن الأوفق لهم تعليم الترقي للوصول إلى أعالي ومعالي الرجل. أما الإسفاف الذي يتلفَّظون به ويتتشدِّقون غير محترمين الألقاب فتلك دلالة على حقارة عُرْيهم من التهذيب وانعكاس الدواخل  على الخوارج.

 

مونتريال – كندا 6 حزبران 2005