استيقظوا

الأب سيمون عسّاف

يعزُّ على وطن الأرز أن يكون له بنون يحملون باسمه هوية احترامها ساقط، يأكلون خبز أرضه، يستنشقون هواء سمائه ويشربون ماء ينابيعه إنما يعشقون هوية غيره وينكرون جود خيره ويهيمون بِصَيْدِ طيره ويستعذبون ما لِضَيرَه. من أي نوع تُرى هم أجناس هؤلاء الناس عندنا في لبنان؟

هل من يجهل بعد أن البلاد كانت مُحتلَّةٌ من جيش بعثي جزَّار مارس جميع أشكال جهنميَّات الأبالسة من إفقار وقهر وقتل وخطف وتهجير واستعباد ونهب؟ وهل من يجهل إن الذين عيَّنهم المحتل حُكَّاماً ومسؤولين منذ سنة 1990 يقهقهون من خلاعتهم غير عابئين بالوجع والمعاناة التي يقاسيها أهلهم ولا يشعرون بكابوس الظلم الذي ينؤ من وطأة ضغطه الساحق جميع شرائح المجتمع؟

معظم هؤلاء الحكام والسياسيين لا يزالون يؤدُّون دور العملاء مطمئنُّين محافظين على مواقعهم تعمَّر البلد أم تدمَّر. والسؤال هل كان بالإمكان أن يكون لكل هؤلاء أي دور في الحكمٍ والشأن العام لولا سلطة الاحتلال اللعين المُشين؟ تزعجنا أصواتهم وهم لا يزالون وبعد رحيل يوعوعون بالعالي على الإذاعات وعبر وسائل الإعلام وهم مستمرون في اغتصاب وفوضى وإرهاب وإجرام.

يجب أن يتصالح هؤلاء مع ذواتهم ومع قناعات شعبهم ومع ثقافة الحرية التي لا يلجمها اغتيال ولا يحجمها اعتقال، يجب أن يجلدوا ضمائرهم بعد الفحص وينصتوا إلى أنين أبناء الوطن الذي يفترض أنهم يمثِّلون. يحب أن يقروا بالأخطاء والخطايا التي اقترفوها ضد ناسهم وخصوصاً إنكارهم وجود المئات من اللبنانيين المعتقلين اعتباطاً في السجون السورية منذ سنين ومنهم رهبان وسياسيين وعسكر.

عار على القادة عندنا وهم يحطُّون من قدرة أمتهم ويعملون جاهدين على ضرب كرامتها واقتلاع هويتها ويخضعون مواطنهم ووفاءه وكرامته وشرفه والتضحيات خدمة لمخططات محتل ولى دهره واندحر. عار عليهم إجراء الانتخابات طبقاً لقانون ال 2000 الذي خطه لهم رستم غزالي وصبيانه المخابرتيين بهدف تزوير إرادة الناس ومنع وصول من يمثلهم قولاً وفعلاً إلى مجلس النواب. إنهم أذِلاَّء يُذِلُّون فنتأوّه من أسفٍ وأسىً. أنلوم الغير على العيب والعيب فينا كما قال الشاعر:

" نُعيبُ زمانَنا والعيبُ فينا               وما لِزمانِنا عيبٌ  سوانا

ونهجو في الزمان بغير ذنبٍ            ولو نطقَ الزمانُ بنا هجانا

وليسَ الذئبُ يأكلُ لحمَ ذئبٍ              ويأكلُ بعضُنا بعضاًً عِيانا"

نربأ بهم يكسرون إرادات الناس ويزيدون همومهم ويصلبوا نعمتهم ويقتلوا أمل مستقبل أولادهم ويمشون في جنازة السيادة والاستقلال مُعزِّين. ذرَّة من الكرامة عند هؤلاء القادة الذين حضورهم هو غياب تقتضي الانتحار أو الاستقالة. هذا أبسط ما يتوجب على الوطنيِّ المخلِص الأصيل، والوطن لا يحتاج إلا من هذا العيار الثمين النفيس.

أيها القادة المولجون بإدارة شؤوننا السياسية والشجون، لكم أن تكونوا بحجم ما أنتم عليه قيِّمون، لاسيما والمنطقة كالمرجل تغلي وكالبركان تفور حتى تكاد تنفجر. هل نظل ساحةً لصراع الثيران أم نتفادى بحكمتنا جعل الوطن بؤرة فساد وإفساد وصراعات ومصارعات؟ بربكم أيها القادة من كل منبت ومشرب، أنتم أمام التاريخ الحاكم العادل، ولأجيالكم الإدانة على المواقف الرائية القارئة المستخلصة بموضوعية وتعالي عن الأنانيات. ماذا تتسلم منكم من إرث يشيل بها إلى فوق. هل تشيد بذكركم أم تلعنكم لتغربوا من وجهها إلى القضاء المبرم والإعدام المحتَّم؟

كيف أرشق السهام طائشة إن لم تُصِب مباشرة مكمن العلة؟ ألقي العتب إذاً على أصحاب البيت لا على الجيران، لأن أهل البيت أدرى بما فيه وأولى بخلاص من خراب. ولكن ما خطر لي ببال أن الحكام والسياسيين عندنا مهما انحدروا يمكن أن يصلوا حيث هم اليوم في أسفل الدركات، يستعينون ويستقوون بالغرباء على أبناء وطنهم.

هيهات لو تأخذهم صحوة وجدان فيثوبوا إلى الرشد والتعقُّل والوعي ويرجعوا عن غيهم والمكر. نحن على منعطف خطير يقذف بنا إلى المجاهل، والظرف مصيريٌّ دقيق، إذا تفرّقنا يسود علينا الطامع بنا أما إذا اتحدنا فنسود نحن عليه ونخذل ادعاءه الأجوف. فالأمر منوط بنا ولنا أن نختار بين الخطأ والصواب بين العبودية والانعتاق.

مونتريال – كندا 29/4/2005