دعوة للاتحاد

الأب/سيمون عسَّاف

بحرقة كاوية ألهج غصباً عن وضع لبنان التعيس وأنهج خصباً. بات من العبث الكلام عن عيش مشترك ورص صفوف، والتناغم اللبناني تنغيم مبطَّن على أوتار ناشزة لا تآلف في ألحانها ولا ضبط في الإيقاع. تنطوي أوركسترا التشويش على إزعاج أصحاب المشاعر المرهفة وتوحي بموسيقى بدائية تعود إلى ما قبل فجر الحضارات، وإذ بأهل الأدمغة ضياعٌ  في غابة جهل بتول.

هل معقول بعد تجاريب الحرب المخجلة ومرمغاتها الدموية المخزية، وهل مسموح لكل الطوائف أن تقف في المرصاد الواحدة تجاه الأخرى أو أن تتحالف مع هذه ضد تلك أو تتحامل تلك ضد هذه؟ ما هذه البربرية التي يشتكي من همجيتها الضمير الوجيع؟ وما الهدف من التحدي وإضمار الحقد والضغينة والبغضاء؟

بصراحة فاضحة، ليس بإمكان أحد إلغاء أحد مهما تكبَّر الجائرون وتجبَّر الفائرون. ندعو إلى السلام المُصَالِح لا إلى الملام والمَصَالح. نحن نتقن فنون الغفران ونُجيدُه لأننا على مبادىء المصافحة ربينا، ولكن كيف نتعاطى مع منطق الحاقدين الذين لا يعرفون مناخ التعالي فوق الصغارات ولا يريدون التعرّف إلى فضيلة السماح. ماذا يُسمَّى هذا الصنف من السلوك الفاسق؟

إن أسلوب الوضوح هو شيمة النفوس الكريمة الحرة الجريئة فلماذا المراوغة والتدجيل وإحراجنا  لإخراجنا؟ وُحُول الشرق لطخت ثياب لبنان وما زالت المسرحية تتمثَّل أدوارها في فصول درامية مأساوية دموية خابطة. ما زال الفساد إلى الآن مستشري بين الطوائف عندنا والتعصب الأعمى مستفحل، والأجيال الطالعة تدفع الثمن فراغا وحيرة ويأسا وهجرانا.

حبَّذا لو فُتح باب الزواج المختلط على كل الطوائف بين أبناء البلد الواحد لتكوين وطن تمحى منه التفرقة وتزول فيغمر بأجنحة نوره ونسيمه الناس أجمعين. كفانا تشرذم واختزال وافتئات وتزمُّت وتناحر ونعرات. كفانا انعزال عن بعضنا فنتغرّب داخل الوطن. من هو الإنسان المسيحي أو المسلم إلا ابن هوية أرزية وتراث رعيل وثقافة شعب وانتماء إلى أرض تحضن تراب الآباء والأجداد؟ ما هذا الغباء المترامي في ذهنيات المتخلّفين؟

والله حتى التفكير بأمور تحقِّر المرء عوض أن تعزّزه عيبٌ فاتك. نعم نحسّ بعُقَد الانتقام ومجاعة الاقتصاص ورغبة الإبادة وشهوة السطو ونزعة إلى التفرد بملكية الوطن.

أكررها إلى المرة المليون أن ما بمقدور أحد حذف أحد ليتربع مطرحه.

لبنان للجميع والوسعة وافية لاستيعاب سائر الشرائح العائشة تحت فلكه السمنجوني الظريف. لا يجوز التكلّم عن انتخابات ورئاسات وتبديل وتغيير ما لم يجلس الفرقاء ممثلو المجتمع اللبناني للبتّ بنصوص القوانين والدستور والأعراف وكل القضايا العالقة والمطروحة بشكل جدِّي جذريٍّ قاطع والاتفاق على شكليات الحُكم وتطمين المواطنين على مصيرهم والمسير. حينئذ يصح الخطاب بشؤون وشجون النيابة والوزارة والرئاسة ووو. يلوح لي بعد هذا الحديث أننا قاصرون في لبنان لم نبلغ مرحلة النضوج للتلاقي واتخاذ القرارات وحسم المسائل المستعصية. إننا نحتاج إلى وصايات. أجل نحن بحاجة إلى أجانب للتوسط وإيجاد الحلول لنا لأننا كما ذكرت لم نتوصل رغم ما رأينا وعانينا وبكينا حتى قيام اللحظة إلى محور مشترك يلمّ شملنا الشتيت ويجمع عديدنا البديد.

من تراه الشجاع الذي يعاكس ويطلق الصوت لإظهار هذه القناعات؟ من هو البطل الذي يشاكس من أجل إراحة الإنسان اللبناني وتأمين مستقبل المتحدرين من أصله وضمانة ذويه من التهديد والاضطهاد والوعيد والموت؟

آن الأوان للمبادرة أو أقله للتباشير المنذرة بالربيع الآتي على زماننا. شخصياً لن أتردد في اعتقادي إن الاختلاط بإخلاص هو الملاذ والملجأ والخلاص من افتعالات الأبالسة.

ما الفرق بين اللبنانيين طالما الصلاح هو المنشود والإصلاح كذلك؟ ولمَ تقوم القيامة إذا تعانقت الديانات بزفاف بنيها والبنات من بعضهم أو ألغت تشريع الناموس للنفوس من قاموسها والطقوس؟ عصر الانفتاح عصف والتحرر من عقد الدين زاحف ماسحٌ كاسح.

نسأل السماء أن تخنق الفجور السياسي في مهده ولا تضحِّي ببلاد قبلة الأصقاع والأقطاب. إن ممارسة الخلاعة بدمج الدين والدنيا ستصبح خرافة كان وقود نيرانها أنساب ماضٍ ساذج بسيط فقير يخافون من غضب الشياطين والملائكة.

 "في كلِّ حالٍ أخي أنت الحياةُ معاُ آمنتَ باللهِ أم آمنتَ بالحجرِ"

 هلموا اليوم لاستعادة البنيان المتصدع وترميمه بلوازم الحداثة مستبعدين عنا أشباح الاستزلام والاستشهاد والرحيل. لا لن نقبل أن ندفع بعد أكبادنا والفِلَذ فداء لا شيء.

أو نسترجع المسلوب منا ونحيا بمجد وإباء، أو فلنرجم دون أن نترجم مدافن الأحرار والأبرار ممن سبقونا، وعلى جبال السنديانات العتاق المراحم والسلام. وقبل الختام رجائي انقلاب الأحلام إلى حقائق في خواطر الأبناء من وطني، بذلك عنيت ولادة وتجديد لبنان في مطلع العام الجديد. عسى يدفق الرب عليه بحبوحة من الخيرات ويغدق رندوحة من البركات وكل عام والجميع بالصحة والسعادة والتوفيق .

6/1/2006