فعل إيمان

الأب سيمون عسّاف

أستهل الحديث عن المواطن والوطن. أول ما يتبادر إلى الذهن شرف تاريخ ونبل تراث وقداسة هوية وشموخ انتماء وعنفوان أبطال وإباء رجال وشهامة فرسان وشيم قيم وشمم ذمم ونهوض همم وبركة أخلاق ونعمة تقاليد وفخر عادات وتضحيات شهداء. هذا السرد هو اختصار بلد اسمه لبنان.

أحار كيف لا يشيل الاعتزاز ببنيه إلى فوق إلى الأعلى. وأخجل من كل مولود ودارج ولاعب ونامي وشابب وشايب ودارس وقارىء في أفياء حِماه لا يعبد ويقدس وطنه أرضا وسماء.

هل يوجد  لبنانيٌّ واحد فيه ذرَّة وفاء يقبل بغريب ينجِّس بأدناسه مقادس العرين؟

 كلما كنت أسمع أحد الساسة عندنا يدافع عن بقاء الجيش السوري من على شاشة التلفزيون  كنت أستحي من خيانته البغية العجفاء.

في اعتقادي يلزم أغلب أبناء شعب لبنان تعليم فعل الإيمان بالوطنية وبالوطن من جديد.

ومنعاً للغموض والالتباس والإبهام أشرح، تفشَّى الفساد في جسد أمَّتي بسبب شذوذ وانحراف السياسيين المأجورين الانبطاحيين العملاء الجُبناء، فصار الشواذ قاعدة والصواب شواذاً. نعم هذا ما نشأت عليه أجيالنا.

لكأننا غرباء عن تاريخنا وتراثنا وكأن هويتنا لقيطة لا أصل لها ولا انتساب. ثم أين عنفوانٌ لنا وإباء وقيمٌ وذِمم؟

أية شهامة هي في دمنا وأية نعمة من بركات الإله؟ عوض أن يفخر اللبناني بجواز سفره أو بهويته، ينكفيء مكسوراً مذلولاً. على من الحق يا ترى؟ ماذا تشتغل الدولة وما هو فرضها الواجب إزاء القادمين من بنينا بعدنا؟

كلنا نحتاج إلى تجديد إيماننا بلبنان وبما له من مآثر ومآتي، أنه  للكنوز خزائن وللنفائس الدفينة مخابيء.

كيف تُطمَر هذه الثروات أو تُسَلَّم إلى جهَّال وأغبياء لا يفهمون بالدُر والجوهر.

إننا نؤمن ونكبر بالوطن الذي تركه الجدود لا بالوطن الذي يورثه سياسيُّونا المُفلَّسين النفعيين!

كما يؤمن اللبنانيون بالله الواحد الأحد سيِّداً حراً مستقلاً كذلك يؤمن ذوو النفوس الكبيرة والبيوت العريقة بلبنان الواحد الأحد سيِّداً حُرَّاً مستقلاً. هذا الإلزام هو جزءٌ من كرامة الشخص المقدود من محتد كريم. أليس لبنان هو وطن الله؟

هل من لبنانيٍّ لم يحمل هوية من بلده الحبيب؟ هل من لبنانيٍّ ليس لأجداده ضريح فيه يستريحون؟ هل من لبنانيٍّ ليس له أحبة ينامون في خشوع ترابه؟

هل يجوز إنكار هذا المجد الطارف والتليد؟ ماذا يُقال في لبنانيٍّ يدوس هذه الشمائل العظيمة وهذه العظائم الخالدة؟ إنه مخلوق عاق لا يستحق الحياة، إنه لطخة عيب على جبهة الكرامة.  

من هنا نستنتج أيُّ عار جلبه الذين تسنّموا الكراسي تحت الاحتلال وساروا على جماجم وعظام ودماء ودموع أهلهم المساكين وأخوتهم الضحايا الأبرياء للوصول. هؤلاء راحوا يبنون سعاداتهم على أنقاض تعاسة الشرفاء.

أصرخ عاليا وأهيب بكل لبنانيٍّ حر صادق مُخْلِص، للثورة على الباطل وإبطال التزييف بالحق والزور بالعدل والظلم بالإنصاف. كلنا نحتاج إلى انقلاب داخلي للصحوة والوعي، فنعلِّم البنين والبنات أيمانهم بوطنهم لبنان أينما كانوا وحيثما حلُّوا تحت خيمة الله الوسيعة.

أدام الله شباب "ثورة الأرز" الحضارية والسلمية، وأدام شعبنا الشريف، وأرزنا الوريف ولبناننا الظريف بالسلام شهداً وبالإيمان مهدا وللعالم عهداً.

مونتريال – كندا  30/3/2005