حكومة واستحقاق

الأب/سيمون عسَّاف

 

تألفت بعد مخاض حكومة لبنانية وأية حكومة بإمكانها مواجهة الإستحقاق المأزق الأزمة. هذه التشكيلة الوزارية هي أمام تحدٍّ عسير وخطير. هناك أزمة حدود بين الجارة سوريا ولبنان، هناك قضايا داخلية يجب استئصال الفسق فيها والفساد وهناك مسألة الفلسطينيين ونزع سلاح حزب الله، ذلك يعني تطبيق القرار 1559.

بأية آلية وذهنية ومنطق سيتم تعاطي الدولة مع هذه الاستحقاقات؟

 

لن نحكم مسبقا على سير تنفيذ الأمور التي هي على رهان بانتظار المعجزات باعتبار هذا الزمن هو زمن الخوارق والأعاجيب. ولن نشتفي بالولادة الشكلية المصطنعة التي ستصطدم بعراقيل تعيق تحقيق أحلامها لا بل تشل حركة انطلاقها. للأيام إثبات عكس التصورات التي نتوجس في هذه المراحل الدقيقة من تاريخنا المزدحم بالأحداث المتشابكة. إن سوريا تجيد الألعاب السياسية وتحاصر لبنان الذي انسحبت منه على مضض حتى الاختناق. والمخيمات الفلسطينية المزروعة ألغاما وتراسانات أسلحة باتت تهدد أمن الدولة كما في بداية الحرب،

 

وإرباك حزب الله لهذه الدولة المطوقة العاجزة من كل جانب وعلى شتى الصُعُد قصة أطول من ألف ليلة وليلة.

إن تصاريح حزب الله واضح مدعوما من إيران وسوريا معا وقرار 1559 هو اسنحقاق دُوَلي لا مفرّ منه ولا مناص.

أين الحلول وفي أية صيغة وكيف سيجبه لبنان هذه الماجريات؟

 

هناك حلاَّن في اعتقادي لا ثالث لهما. الأول هو وجوب تسليم حزب الله السلاح وانخراطه في العملية السياسية الصرفة من دون ذرائع وحجج تطبيقا لاتفاق الطائف المتوفي والذي ينادون به استنسابيا حسب ما يوافق مصالحهم؟ وبالتالي هل سيكون التخلي عن السلاح بهذه السهولة؟ إن الجواب واضح عند حزب الله ولا يقبل اجتهادات حتى نلجأ الى فلسفة الأوضاع العالقة بخيط واهٍ على شفا الهوَّة. معنى القول لا تسليم سلاح.

أما الحل الثاني فهو سيكون بحسم عسكري ضارب لا أتمناه لأنه سيكون قاسيا على شعب لبنان برمته.

 

كانت سوريا وما زالت اللاعب الذكي بعدم حل الميليشيات بمقتضى اتفاق الطائف، وما يُسمَّى بالمقاومة هو في الأصل ميليشيا الجمهورية الإسلامية تختبيء تحت ستر المقاومة اللبنانية. ولم تبرد الذاكرة عندنا حتى ننسى تلك الشعارات التي كانت عناوين الحزب آنذاك. وحدها ميليشيا القوات اللبنانية كانت ضحية اتفاق اسمه الطائف.

 

لماذا لا نسنعيد تسليحها فتكون بدورها مقاومة أيضا ونتساوى أمام الشعب والقانون والدولة ومجموعة الأمم المتحدة؟

لماذا ما هو مسموح لحزب الله ليس مسموحا لنا؟ أو تنحل كل الميليشيات أو تسترد القوات اللبنانية عافيتها ونطيح حينذاك بالقرار الدولي القاضي ببسط سيادة الدولة وحل كل قوى مسلحة في جسدها المعلول.

 

إن الحكومة اللبنانية على مفترق شائك وحرج وهي هرمة هشة لا تستطيع فرض هيبتها على مسرح المستجدات المتسارعة إلا بنفوذ خارجي يقيمها من بلاويها وينشلها من ورطات تغوص فيها وتتمرغ حتى تلفظ الأنفاس.

 

نعم ليس بمقدور لبنان وحده معالجة هذه المستحيلات لأنها تجذَّرت ناشبة شروشها في مفاصل وشرايين الوطن .

 

هذه هي الحقيقة العارية التي لا زيادة عليها ولا نقصان فيها أبدا. عسى نبؤتي تُخطيء وتصدق مفاعيل الحكومة  الجديدة فتنجز الاستحقاقات بتطبق القرار 1559 وبتجريد المخيمات من السلاح وببسط سيادة الدولة واستعادة سطوتها فينهض لبنان من كوابيس المشاكل وأهوال التهديدات وأشباح الحصارات ومحن الإفقار وكوارث الانفجارات ولوعة الهجران. كفى تفريغ البلد من نخب الشباب ودفعهم الى الخارج بسبب اليأس والإحباط والعهود الواهمة. هل يختم الصبر جراحنا أم سيبقى لبنان مزارع قبائل وعشائر وأحزاب ومخيمات؟ أترانا وحكومة الاستحقاق على موعد الضيق أم الفرج؟ والسلام شوق في قلوب الأوفياء الأبرياء والشرفاء الأجرياء.

 

25/7/2005