الحديث ذو شجون

الأب/ سيمون عسَّاف

 

أي ذو طُرُق أو ذو فنون متشعبة تأخذ منه في طرف فلا تلبث حتى تكون في آخر ويعرض لك مما لم تكن تقصده، فهو على حسب ما تقوله العامة" الحديث يجر بعضه بعضا". هكذا شؤون وشجون لبنان المتشابكة كالأغصان في الأدغال تعرقل مجرى السبيل.

 

أحار من أين أبدأ والمرحلة خطيرة إلى حد نهار الحشر والنشر، نجنا اللهم من رهبة الساعة ونيران جحيمها. لماذا ترى لا يريد السوريون الانسحاب من لبنان؟ هل لأنهم سيطروا بشكل مُحكَم على البلد وطمعوا بخيراته  وزرعه وضرعه والحاصلات، أم هل لأن هناك في المطبخ الدُوَلي اتفاقيات وعهود فوق متناول استيعابنا، أم لأن سوريا تشعر بالكرامة العربية التي تتحدى كي تثأر لشرف صدام حسين وتكون الحامية عن المصالح العربية في السّّراء والضرَّاء؟

 

لربما هي البطولة بعينها والمرؤة العربية التي رفضت أن ترى مصير حاكم عربي مُهان، لذلك هي الآن تنبري لاسترجاع الشهامة السليبة والإباء المفقود. نأمل أن يتحقق لها ما تتمناه، لكن الوضع يسير في غير هذا الاتجاه، وتحضرنا في موقف السوريين المتعنت حكاية الضفدعة التي رأت الثور ضخماً وأُعجبت بحجمه فراحت تنفخ بطنها لكي تصبح مثله فانفجرت ولاقت مع الأسف حتفها المشؤوم.

 

نعم هذا ما تسعى إليه بشكل لاواعي الشقية سوريا والأنكى أنها لا تنتصح رغم إسداء النصائح والإرشادات. إن المنطقة بأسرها قادمة على حرب لا يُخمد ضرامها إلا حنان السماء بسبب تصلُّب الجارة الجارية على عاداتها في استخدام الأساليب الرخيصة "واللوفكات" التي تكلِّفنا الغالي والنفيس. أما حان لشرقنا الحبيب أن يطمئن ويستريح من الغزوات والفتوحات الماسحة الكاسحة الأعناق والأرزاق والثقافات دون احترام الخصائص والمميزات عند سواها من الأمم والشعوب منذ زمن بعيد؟

ما ذنب الناس كل الناس حتى يكونوا وقوداً لحرائق الجهالات العمياء التي تُشعل فتيلها سوريا ومن يحالفها على هذا الانتحار الجماعي الشنيع المريع؟

نربأ بهكذا تحديات تجرُّ العالم إلى حروب ضروسة قاسية تتم ولادتها على تراب أرضنا. لماذا شرقنا مُبليٌّ بهذه التعاسات الحقيرة والهزائم المخزية؟ ماذا فعل أبناء الشرق وخصوصاً المسؤولون حتى الآن لإسعاد مجتمعاتهم المسكينة الوادعة إلا النكسات والذل والهوان؟

 

ألا يستحي السوريون مما ارتكبوه من مجازر وإجرام في لبنان وفي سوريا بالذات، والسجون والزنزانات وعويل الضحايا وعظام الشهداء والخراب والدمار والقتل والإرهاب والتشريد والتهجير والنهب والقصف والنسف وكل ذلك يشهد على الجور والعار والظُلم والإسفاف والعيب والسفالات؟

 

إلى من نوجه الخطاب لينقله إلى أهل الشام ويرشدهم للرجوع عن طريق الغيّ ودرب الضلال علَّهم يهتدون؟ حذار من اللعب بالنار أيها السوريون الكرام ورأفة بالعباد عودوا إلى جادة صوابكم وانسحبوا من لبنان واتركوه لأهله الميامين الذين يرفضون وجودكم رفضا قاطعا. أعطونا عرض أكتافكم قبل مجيء الذئاب لتشليع جلود أغنام قطعانكم لأن كلاب القطيع لا تقوى على الحراسة والمقاومة والسهر.

 

قلناها ونرددها بأننا نحترمكم في بلدكم وندافع معكم عن حياضكم ونذود عن حدودكم، أما أن تغتصبوا أرضنا وتنتهكوا عرضنا وتأكلوا خيراتنا وتعيثوا فساداً بعرين لنا وتعبثوا بحُرُماتنا  فهذا طويل على رقابكم لأنكم محتلون، نعم محتلون!!

 

أذكروا كم مرة طُلب منكم رسمياً وشعبياً الرحيل ولم تستجيبوا، وها الآن أصوات السواد الأعظم من اللبنانيين تتوحد وتنضم إلى قافلة المطالبين التي من أول الأحداث طالبت برحيلكم، فكانت بعض الأطراف النفعية تتمسك بكم هادفة إلى إنجازات سياسية على حساب الوطن وأهله.

 

أشكر الله على صحوة اللبنانيين اليوم بفئاتهم وشرائحهم المسلمة والمسيحية معاً مطالبين بما كنا به نطالب عسانا نصل إلى المرفأ الآمن بسلام.

بصراحة أنا منكمش وأتوقع التجاوزات البشعة في الأيام الآتية إذ لا شيء يبدو أنه روَّض وهذَّب وثقَّف عناصر النظام السوري واستخباراته لكي يتسامى ويترقى وينسحب بمستوى، يترك بيننا وبينه شعرة معاوية لإمكانية التعايش والتفاهم والتآخي والوئام.

حمى الله وطن الأرز وصان شعبه.

 

مونتريال – كندا 21/2/2005